قادة أنهكتهم الحرب يخوضون «حوارات سلام» في أفغانستان

أخونزاده خسر ابنه «الانتحاري» وبرادر سُجن 9 سنوات... كرزاي فقد أخاه وعبد الله تعرض لمحاولات اغتيال... و«شبكة حقاني» طالتها «درون» أميركا

TT

قادة أنهكتهم الحرب يخوضون «حوارات سلام» في أفغانستان

تَعْرض حركة «طالبان»، منذ انتزاعها السلطة من خصومها وسيطرتها على كابل، الأحد ما قبل الماضي، صوراً ومقاطع فيديو تُظهر عدداً من أبرز قادتها وهم يتحاورون مع خصومهم السابقين ويقدمون لهم التطمينات إلى أمنهم وسلامتهم في ظل حكمها الجديد. وتُظهر جولة سريعة على أبرز الأطراف المشاركة في «حوارات السلم» هذه؛ سواء من «طالبان» ومن خصومها، أنهم جميعاً قد دفعوا ثمناً باهظاً في النزاع الأفغاني فقدوا فيه أفراداً من عائلاتهم، أو طالتهم محاولات اغتيال، أو قضوا سنوات في السجون، مما يوحي بأن الجميع يصل منهكاً إلى خواتيم هذا الصراع على السلطة المستمر منذ عقود.
الرئيس السابق حامد كرزاي، الذي تشمله حوارات كابل اليوم، يُعدّ واحداً من هؤلاء الذين مسّهم الصراع الأفغاني مباشرة. فقد كرزاي أخاه الأصغر غير الشقيق، أحمد ولي كرزاي، في عملية اغتيال عام 2011، تبنتها «طالبان». كان أحمد ولي يتولى لدى اغتياله منصب رئيس مجلس ولاية قندهار، وكان يُعدّ من وجهاء عشيرة بوبالزاي البشتونية النافذة في جنوب البلاد، وسبق أن نجا مما لا يقل عن 9 محاولات لقتله. في 12 يوليو (تموز) 2011 نجحت المحاولة الأخيرة على يدي رئيس فريق حمايته، سرادار محمد، الذي أطلق النار عليه في مقر سكنه، فأرداه قتيلاً. تبنت «طالبان» قتله، وقال الناطق باسم الحركة قاري يوسف أحمدي: «اليوم في مدينة قندهار، قُتل أخو حامد كرزاي خلال (عملية بدر)... استأجرنا شخصاً يدعى سردار محمد لهذه الغاية منذ فترة. أحمد ولي عُوقب على سوء أفعاله». في جنازة أخيه، قال الرئيس حامد كرزاي: «رسالتي (لطالبان): يا ابن بلدي، أخي، توقف عن قتل أهلك. من السهل أن تقتل، وكل واحد يستطيع فعل ذلك، لكن الرجل الحقيقي هو الذي يحفظ حياة الناس». لم يستمع له أحد كما يبدو.
أما عبد الله عبد الله، رئيس «مجلس المصالحة» السابق والذي يقيم كرزاي حالياً في منزله بكابل، فقد كان بدوره عرضة لأكثر من محاولة اغتيال نجا منها. ففي يونيو (حزيران) 2014، قُتل أحد حراسه وأصيب 22 شخصاً بجروح عندما تعرض موكبه لتفجيرين؛ أحدهما نفذه انتحاري، أمام فندق في الضواحي الغربية لكابل حيث كان للتو قد انتهى من القيام بحملته الانتخابية الرئاسية. كان عبد الله آنذاك يخوض الجولة الثانية من السباق الرئاسي في مواجهة أشرف غني لخلافة الرئيس كرزاي. وكانت تلك المحاولة الثانية التي استهدفت حياته في ذلك العام؛ إذ سبق أن تعرّض في فبراير (شباط) من ذلك العام لمحاولة اغتيال أخرى خلال سفره في موكب بين كابل ومدينة جلال آباد إلى الشرق منها.
وبالطبع لم تكن تلك المحاولات للقضاء عليه غريبة عن طبيعة الحياة التي عاشها هذا السياسي الأفغاني التي شهدت اغتيالات كثيرة طالت أشخاصاً في محيطه القريب مثل زعيم حزب «الجمعية الإسلامية» الرئيس السابق برهان الدين رباني الذي قُتل في كابل في سبتمبر (أيلول) عام 2011. وقتها، زاره شخصان قالا إنهما يمثلان حركة «طالبان». تقدم أحدهما للسلام عليه و«احتضانه»، ثم فجّر أحدهما متفجرات كانت مخفية تحت عمامته. ألقي باللوم في اغتيال رباني على حركة «طالبان»، وتحديداً على قيادتها التي كانت تتخذ آنذاك من كويتا الباكستانية قاعدة لها.

- «طالبان» و«شبكة حقاني»
ولا تبدو الصورة مختلفة كثيراً في المقلب الآخر من حوارات السلام هذه؛ أي لدى حركة «طالبان» نفسها. فزعيم الحركة الملا هيبة الله أخونزاده، الذي لا يشارك شخصياً في الحوارات مع خصومه السابقين، فقدَ ابنه في الحرب الأفغانية يوم 22 يوليو 2017. في ذلك التاريخ، قاد نجل أخونزاده، عبد الرحمن (23 سنة)، عربة مملوءة بالمتفجرات وفجّرها بقاعدة عسكرية للجيش الأفغاني بمدينة غيريشك، شمال لشكرجاه؛ عاصمة ولاية هلمند بجنوب البلاد، بحسب ما أعلنه آنذاك قاري يوسف أحمد الناطق باسم «طالبان». قال قاري يوسف إن عبد الرحمن الذي يُعرف أيضاً بـ«قاري خالد»، كان طالباً في مدرسة دينية؛ لكنه طلب القيام بعملية تفجير انتحاري و«قد نجح في مهمته الخميس الماضي».
الرجل الثاني في «طالبان»، الملا عبد الغني برادر، يشارك بشكل شخصي في حوارات كابل، وهو أيضاً ممن دفعوا ثمناً كبيراً في النزاع الأفغاني. فقد اعتُقل هذا الملا بباكستان في بدايات عام 2010، وظل في السجن حتى أواخر عام 2018 عندما أفرج عنه - بعد نحو 9 سنوات - بطلب أميركي للمشاركة في المفاوضات التي انتهت بتوقيع «اتفاق الدوحة» عام 2020 بين «طالبان» وإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
ويشارك أيضاً في جلسات الحوار مع خصوم «طالبان» المهزومين في كابل عدد من قادة ما تُعرف بـ«شبكة حقاني». ورغم أن هؤلاء متهمون بالوقوف وراء سلسلة لا تحصى من عمليات الاغتيال والتفجيرات ضد الحكومة الأفغانية على مدى السنوات العشرين الماضية، فإن أسرة حقاني دفعت أيضاً ثمناً باهظاً لقاء دورها في مقاومة الأميركيين وحكومات كابل المتعاقبة منذ 2001؛ توفي الزعيم التاريخي لهذه «الشبكة»، جلال الدين حقاني، نتيجة مرض عام 2014 ودُفن في أفغانستان، فانتقلت قيادة شبكته إلى ابنه سراج الدين الذي فقد عدداً من إخوته بضربات أميركية أو عمليات اغتيال. فقد قُتل بدر الدين، وهو أحد أنجال جلال الدين حقاني، بغارة نفذتها طائرة «درون» أميركية في باكستان عام 2012، في حين اغتال مجهولون نجلاً آخر هو ناصر الدين حقاني في إسلام آباد عام 2013. ويلعب حالياً دوراً كبيراً في لقاءات كابل مع مسؤولي النظام السابق خليل الرحمن حقاني؛ شقيق جلال الدين، وهو موضوع على قائمة المطلوبين أميركياً بتهم الإرهاب وعلى رأسه مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار. أما أنس حقاني، عضو الوفد المفاوض لـ«طالبان»، فقد كان بدوره سجيناً في قاعدة «باغرام» شمال كابل.

- أحمد مسعود
وخارج كابل، تتفاوض «طالبان» حالياً مع أحمد مسعود؛ أحد قادة «المقاومة» لنظامها في منطقة وادي بنجشير الوعرة شمال العاصمة الأفغانية. وأحمد، كما هو معروف، نجل «أسد بنجشير» أحمد شاه مسعود الذي اشتهر بدوره في مقاومة القوات السوفياتية في ثمانينات القرن الماضي، ثم اشتهر بقيادته العسكرية «تحالف الشمال» الذي قاوم نظام «طالبان» منذ عام 1996 وحتى عام 2001. قُتل أحمد شاه مسعود على أيدي عنصرين من تنظيم «القاعدة» تخفيا بصفة صحافيين في 9 سبتمبر (أيلول) 2001. ورغم أن كثيرين يعدّون أن تخلص «القاعدة» من عدوها الشرس كان هدفه تقديم «هدية» إلى «طالبان» قبل هجمات «11 سبتمبر» ضد الولايات المتحدة التي حدثت بعد يومين فقط من اغتيال «أسد بنجشير». ورغم العداوة السابقة بين «طالبان» ومسعود الأب، فإنه كان لافتاً في الأيام الماضية، خلال المفاوضات مع نجله، وصف الحركة له بأنه «شهيد» وإشادتها به وبدوره السابق، في موقف يختلف اختلافاً جذرياً عن موقف تنظيم «القاعدة» الذي اغتاله والذي يشيد اليوم بـ«انتصار طالبان» في النزاع الأفغاني.

- غل آغا شيرزاي
وقبل أيام، وزعت «طالبان» شريط فيديو لوزير الحدود وشؤون القبائل السابق غل آغا شيرزاي يعلن فيه ولاءه لها، علماً بأن هناك تاريخاً طويلاً من الخصومة بينهما. فقد كان غل آغا أحد الذين ساعدوا القوات الأميركية في إدارة شؤون قندهار بعد طرد «طالبان» منها عام 2001، وتولى منصب حاكم الولاية، ولاحقاً حاكم ولاية ننغرهار في الشرق حيث تعرض لمحاولة اغتيال في مدينة جلال آباد عام 2006 قتل فيها أحد مهاجميه و5 من رجال الشرطة. وكان حاجي لطيف، والد غُل آغا، من قادة المجاهدين ضد السوفيات وحلفائهم الشيوعيين في جنوب البلاد، لكنه قُتل في قندهار، فتولى ابنه مهام القيادة بعده واتخذ «شيرزاي» لقباً له الذي يعني «ابن الأسد» بلغة البشتون.
تولى غل آغا منصب حاكم قندهار إلى حين وصول «طالبان» إلى السلطة في تلك الولاية الجنوبية عام 1994؛ ففر من هناك ولم يظهر سوى بعد الغزو الأميركي عام 2001، وهو ينتمي إلى عشيرة باراكزاي في جنوب أفغانستان.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».