معركة تيغراي القادمة على الحدود السودانية

قوات الإقليم باتت في منتصف الطريق إلى أديس أبابا... بانتظار المعركة الفاصلة

مقاتل ببلدة هوازن في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا التي تسيطر عليها قوات «جبهة تحرير تيغراي» (أ.ب)
مقاتل ببلدة هوازن في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا التي تسيطر عليها قوات «جبهة تحرير تيغراي» (أ.ب)
TT

معركة تيغراي القادمة على الحدود السودانية

مقاتل ببلدة هوازن في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا التي تسيطر عليها قوات «جبهة تحرير تيغراي» (أ.ب)
مقاتل ببلدة هوازن في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا التي تسيطر عليها قوات «جبهة تحرير تيغراي» (أ.ب)

الخرطوم: محمد حامد جمعةقاموس النزاع المتسع في إثيوبيا، بعد أن سيطرت قوات «جبهة تحرير تيغراي» على المدينة التي تحمل الاسم ذاته (لاليبيلا)، وذلك امتداداً للنشاط العسكري الميداني والقتال الذي نشب منذ السابع والعشرين من يوليو (تموز) الماضي، بين «جبهة تحرير تيغراي» وقوات الحكومة الإثيوبية، بعد انسحاب الأخيرة عسكرياً من أجزاء في شمال إثيوبيا، بما في ذلك العاصمة ميكيلي. وتكتسب «لاليبيلا» أهميتها من المدينة الأثرية ومواقع السياحة الدينية التي تحتويها، وترجمتها «آكل العسل»، وهي مدرجة ضمن التراث الثقافي الإنساني لدى منظمة «اليونيسكو». وتعج «لاليبيلا» بالكنائس التاريخية المنحوتة في جوف الصخور، وهي تقع في مقاطعة «ولو» في إقليم الأمهرا الإثيوبي. واسم «لاليبيلا» مشتق من اللغة التي يتحدثها اليهود الإثيوبيون الذين يعرفون محلياً باسم قومية «الأجو». ويعود أصل تسمية «لاليبيلا» أو «آكل العسل» إلى أسطورة محلية تدور حول طفل كان يأكل العسل من خلايا النحل مباشرة من دون أن يلدغه، فعد الأمر علامة مقدسة، لكنها اكتسبت بعداً آخر بدخول قوات «جبهة تحرير تيغراي» إليها.
وكانت «جبهة تحرير تيغراي» قد نفذت قبل دخول قواتها إلى «لاليبيلا» عمليات امتدت إلى إقليم «عفار» المجاور لتيغراي شرقاً، وإقليم الأمهرا في الجبهة الجنوبية، فيما عرف بحملة «أمهات تيغراي»، في محاور عمليات عفار وويلديا وديبارك في مقاطعة «ولو» بإقليم الأمهرا. وبدخول قوات تيغراي إلى «لاليبيلا»، تكون الجبهة المتمردة على الحكومة الإثيوبية قد تمركزت تماماً في منتصف الطريق نحو أديس أبابا التي تبعد نحو 500 كيلومتر، وتقدمت من مركزها في تيغراي بشمال إثيوبيا بنحو 400 كيلومتر، وقد تصل إلى 630 كيلومتراً بوصولها جنوباً إلى «ديسي» المجاورة لعاصمة مقاطعة «ولو»، وتبعد 231 كيلومتراً من «لاليبيلا». ففي جبهة عفار شرقاً، ولظروف ترتبط بطبيعة الإقليم الصحراوية المكشوفة، انحصر تقدم قوات «جبهة تيغراي» نحو مدن حدودية بين الإقليمين، مثل «إيوا» و«شيفراو»، وتسببت المعارك في نزوح نحو 10 ألف شخص. وعلى الرغم من التقدم السريع لقوات تيغراي في كل الجبهات، ما تزال تفاصيل الوضع الميداني الفعلي والمعلومات عنه متضاربة، لعدم وجود مصادر مستقلة تؤكد مزاعم الطرفين. بيد أن الانتقادات الداخلية لتراجع الجيش الاتحادي الإثيوبي والقوات الحليفة له تزايدت حدتها بسبب التقدم السهل لقوات تيغراي، ما يؤكد تقدم المتمردين. ففي محور «ولو» في إقليم الأمهرا، سيطرت قوات «جبهة تحرير تيغراي» على جبل «جونا» (4231 متراً فوق سطح البحر، وأعلى نقطة في المنطقة)، ويقع جنوب «غوندر» عاصمة الإقليم. وترددت معلومات يومي الخميس والجمعة من الأسبوع الماضي، تفيد بأن قوات تيغراي اقتربت من اقتحام مدينة «ديبري تابور»، ما يفتح الطريق إلى «بحر دار»، عاصمة إقليم الأمهرا. أما في «ولو»، إلى الجنوب، وبعد وصول قوات تيغراي إلى نقطة «مرسي يبدو»، فسيكون الوصول إلى «ديسي» عاصمة مقاطعة «ولو» مسألة وقت. ولم تؤكد الحكومة الاتحادية في أديس أبابا، وكذلك حكومة إقليم الأمهرا، مزاعم وتحركات قوات تيغراي، واكتفتا بتصريحات وبيانات تزعم أن الأوضاع تحت السيطرة، وأن أفراد «الجماعة الإرهابية» (صنف البرلمان الاتحادي «جبهة تحرير تيغراي» على أنها منظمة إرهابية) يتسللون وينفذون عمليات خارج المدن وتحت الجبال، وأن القوات الحكومية وأنصارها من القوات الإقليمية والمتطوعون في ميليشيات «فانو» يتصدون للقوات المهاجمة، بيد أن عدداً من إدارات المدن الكبرى في إقليم أمهرا أصدرت قرارات بفرض حظر التجول بالمركبات، وحددت تحركات السكان المحليين، عدا أجهزة الأمن والمركبات الطبية، لأجل غير مسمى، في مدن «بحر دار» و«إنجيبارا» و«كومبولتشا» و«ديسي» و«دبري بيرهان»، بدءاً من الخميس الماضي. وأرجعت حكومة أمهرا تلك القرارات إلى اعتبارات أمنية، هدفها الحفاظ على السلامة العامة للسكان ضد اعتداءات قوات تيغراي. وتكاملت إجراءات السلطات الإقليمية مع النداء الذي وجهه رئيس الوزراء آبي أحمد للإثيوبيين للتوجه إلى التطوع في الجيش لصد قوات «جبهة تحرير تيغراي»، ومع الدعوات للتبرع بالدم، ودعم المجهود الحربي، وسط حملة تعبئة شعبية واسعة يشارك فيها الفنانون ونجوم الغناء والدراما لتقديم الدعم المعنوي للجيش الإثيوبي والقوات المساندة له.
لكن مع كل هذا التقدم، وتطور الأوضاع الميدانية، لم تتضح نوايا «جبهة تحرير تيغراي»، وما إن كان نهجها التصعيدي يتجه لاجتياح العاصمة أديس أبابا، وهو ما أشار إليه مراقبون في الشأن الإثيوبي تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدين أن المعركة الرئيسية بين الطرفين سيكون مسرحها «غرب تيغراي»، في الجزء المقابل للحدود بين شمال إثيوبيا والسودان، وهي المنطقة التي تعزز القوات الإثيوبية السيطرة عليها، للحيلولة دون حصول قوات تيغراي على منفذ إمداد خارجي، بالنظر إلى توتر العلاقات بين السودان وإثيوبيا. وفي إطار تكثيف الحصار على هذا المنفذ، رفضت أديس أبابا بشكل رسمي طلب الأمم المتحدة إدخال المعونات ومواد الإغاثة من معبر غرب إثيوبيا هذا. ويلعب الوضع الإداري الملتبس لوضع بعض المدن، مثل «الحمرة» و«لكاييت» المتنازع عليها بين الأمهرا والتيغراي التي ألحقت بالإقليم الشمالي في منتصف التسعينيات في أثناء عهد رئيس الوزراء الراحل مليس زيناوي، دوراً كبيراً في تعقيد الحسابات العسكرية والسياسية للحكومة الإثيوبية، لا سيما إمكانيات دعم هذه المدن لقومية أمهرا، الحليف الأقوى لرئيس الوزراء آبي أحمد، ورفضها المطلق لعودة تلك المناطق لإقليم تيغراي، بعد أن فقدها الإقليم في العملية العسكرية التي نفذتها القوات الاتحادية وقوات أمهرا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تحت اسم «عملية إنفاذ القانون»، وسيطرت بموجبها على إقليم تيغراي.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.