رفات المغنية الأميركية جوزفين بيكر إلى {مقبرة العظماء}

بتشجيع من الفرنسية الأولى بريجيت ماكرون

جوزفين بيكر في صورة تعود إلى عام 1957 (أ.ب)
جوزفين بيكر في صورة تعود إلى عام 1957 (أ.ب)
TT

رفات المغنية الأميركية جوزفين بيكر إلى {مقبرة العظماء}

جوزفين بيكر في صورة تعود إلى عام 1957 (أ.ب)
جوزفين بيكر في صورة تعود إلى عام 1957 (أ.ب)

أعلنت أوساط الرئاسة الفرنسية، أمس، أن الرئيس إيمانويل ماكرون، اختار نقل رفات المغنية الأميركية جوزفين بيكر، إلى مقبرة العظماء وسط باريس. ومن المقرر أن تجري مراسم النقل في الثلاثين من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. بهذا تكون بيكر التي تحمل الجنسية الفرنسية أيضاً أول امرأة سوداء ترقد تحت قبة مبنى «البانثيون».
وكان الرئيس الفرنسي قد استقبل في «الإليزيه»، الشهر الماضي، خارج مواعيده الرسمية، وفداً من المثقفين الذين حملوا إليه التماساً لنقل جوزفين بيكر من مرقدها الحالي في مقبرة بإمارة موناكو إلى مقبرة في باريس، نظراً لدورها في صفوف المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية. وبعد أسابيع قلائل وافق الرئيس على الطلب بتشجيع من زوجته السيدة بريجيت. وسبق لماكرون أن قرر وضع رفات سيمون فاي، الوزيرة السابقة وأكثر الشخصيات النسائية شعبية في فرنسا، في «البانثيون» عام 2018.
يذكر أن عريضة بهذا الخصوص حملت 40 ألف توقيع لشخصيات فرنسية كانت قد بلغت مكتب الرئيس السابق فرنسوا أولاند، أثناء ولايته، لكنه لم يبت في الأمر. وكان ريجيس دوبريه، المناضل والمفكر المعروف، أول من طرح الفكرة من خلال مقال نشرته صحيفة «لوموند» عام 2013.
لم تكن جوزفين بيكر مغنية عادية، بل فنانة استعراضية أشعلت ليالي العاصمة الفرنسية بأغنياتها ورقصاتها في ثلاثينات القرن الماضي، يوم لم يكن من الشائع أن يقود فنان أسود العروض الموسيقية. وهي قد تزوجت عدة مرات من دون أن ترزق أبناء، لكنها تبنت 12 ولداً وبنتاً. وحازت بيكر التقدير بشكل خاص حين سخرت صوتها وشهرتها وعلاقاتها لدعم فرق المقاومة الفرنسية في الحرب الثانية. لقد قاتلت إلى جوار قوات «فرنسا الحرة» وحملت رتبة عسكرية في قوات الحلفاء، واستحقت بعد النصر عدة ميداليات وأوسمة شرف. وقد أشار قرار نقل رفاتها إلى «البانثيون» مسألة التزامها بقضايا المرأة وحقوق السود في الولايات المتحدة. وكانت واحدة من الذين شاركوا في المسيرة الكبرى التي شهدتها العاصمة الأميركية واشنطن، عام 1963، إلى جانب المناضل مارتن لوثر كينغ.
ولدت فريدا جوزفين مكدونالد (وهذا هو اسمها الحقيقي في حين أن بيكر هو لقب ثاني أزواجها) عام 1906 في مدينة سان لويس في الولايات المتحدة. وكانت أسرتها فقيرة وخلاسية، أي خليطاً من الأعراق البيضاء والسوداء، منحتها لون بشرتها الأسمر الذي لم يكن صفة مرغوبة في بلد يمارس التمييز ضد السود مثل أميركا. فعلى المسارح، كان بعض الحضور يسخر منها ويسمعها تعليقات عنصرية. لكنها كانت تملك شخصية قوية تجعلها لا تبالي، بل تبادر إلى افتعال المواقف الفكاهية لكي تكسب ضحك الجمهور وتفاعله معها. وحدث أن منعت إدارة المسرح الزبائن السود من حضور العروض، فما كان من جوزفين بيكر، إلا أن رفضت أداء استعراضها المثير ما لم تر سوداً وبيضاً في القاعة وجمهوراً من كل الأجناس. وبسبب تلك العنصرية، هربت الفنانة إلى أوروبا، واستقرت في العاصمة الفرنسية.
حين وصلت باريس وقدمت استعراضها وغنت بالفرنسية: «لي عشقان... أنت وباريس»، هبت القاعة واقفة تصفق لها. ورغم أن استعراضها الأول الذي قدمته في خريف 1925، على مسرح «الشانزليزيه» كان يحمل عنوان «المجلة الزنجية»، فإن الباريسيين لم يجدوا فيها فنانة أميركية سوداء بقدر ما كانت أميرة شرقية ذات ملامح خلاسية، وامرأة جريئة إلى حد كبير، ترتدي تنورة مؤلفة من ثمار الموز. وهي لم تكتف بالغناء بل مثلت في السينما، وأدت دور البطولة في فيلم «فينوس الأبنوس»، وألهمت العديد من الكتاب والفنانين، أمثال مواطنها الحائز على «نوبل» إرنست همنغواي، والأديبة الفرنسية كوليت، والرسام الياباني فوجيتا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».