لطالما اجتذبت واحة سيوة القابعة بقلب الصحراء الغربية المصرية قرب الحدود المصرية - الليبية، الكثير من الفنانين المحليين، الذين من بينهم الفنانة المصرية أماني علي الزواوي التي شدت الرحال إلى سيوة منذ نحو ثلاث سنوات للعمل في مجال السياحة، فإذا بها تنبهر بالفنون اليدوية للنساء بالواحة وفي مقدمتها ملابسهن المطرزة لتقرر التخصص في إنتاجها في صورة جديدة.
حين غادرت الزواوي مسقط رأسها في كفر الشيخ (دلتا مصر) قاصدة سيوة لمشاركة سيدة في إدارة فندق صغير لم يخطر في ذهنها أنها ستغير مجال عملها لتتفرغ لحرفة يدوية تبتعد كثيراً عن دراستها للأدب الإنجليزي وخبرتها في مجال الإدارة الفندقية، لكنها وقعت في غرام ملابس نساء الواحة، التي أعادت لها ذكريات الطفولة حين كانت تقضي أوقاتاً طويلة في حياكة ملابس عرائسها، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «لم تكن مجرد أزياء عادية، إنما هي قطع فنية غاية في الجمال والخصوصية تروي الكثير عن تراثهن ومعتقداتهن وحكايات الجدات الممتزجة بالثقافة الأمازيغية»، من هنا قررت الزواوي الوقوف أمام قوة العادات والتقاليد بالواحة لتمد يدها للتعاون الفني مع المرأة السيوية التي تكاد لا تغادر منزلها ونادراً ما تقع عيون السائرين في الأزقة على ظل جسدها المُغطى بـ«ملاية» زرقاء مطرزة تُسمى «طرفوط».
وكان التطريز اليدوي المدهش سبب انبهار الزواوي الرئيسي، وهو تراث مستمد من تاريخ طويل وإرث اجتماعي أصيل، تقول: «أكثر ما يميز الملابس السيوية ثلاثة عناصر؛ هي التطريز والرموز والألوان، حيث تتمتع ملابس المرأة بالإفراط في تطريز أشكال بعينها وتتمتع بالألوان الزاهية داخل المنزل، بينما ترتدي في الأفراح اللونين الأبيض والأسود، ودفعني هذا الزخم إلى التفكير في توظيف الزي السيوي في إنتاج أزياء أنيقة تلائم الوقت الراهن، وكان التحدي الكبير لديّ هو أن جميع ملابسهن تتخذ شكل حرف T، بمعنى أنها فضفاضة للغاية ذات أكمام تكاد تكون منتفخة من فرط وسعها، كما أن وزنها ثقيل على الجسد، وهو ما يجعلها غير مناسبة للاستخدام اليومي للمرأة العصرية».
لكن لم يقلل هذا التحدي من عزم أماني: «بدأت بالبحث عن التصاميم المواكبة للموضة، وقررت تقديم نفس أنواع التطريز والأزرار والرموز التي يشتهر بها الزي النسائي السيوي، لكن في صورة نهائية أكثر بساطة ووظيفية وملائمة للطقس وسائر تغيرات الزمن».
ولكي تحقق الزواوي ذلك، تعمدت أن تختصر مساحة التطريز في النسيج، وأن تخرج بألوان أزيائهن الزاهية من المنزل إلى الهواء الطلق عبر قطع ملابس ذات قصات حديثة، ولا تقتصر على الفساتين وحدها، إذ أضافت إليها البنطلون والتنورة والبلوزة والشال و«الكاش مايوه»، وبدلاً من الحرير الذي يستخدمه أهل سيوة، فضلت حياكة الملابس من أقمشة القطن والكتان: «لجأت إلى ذلك كي أضمن ثبات الألوان ونقاءها حول التطريز سيما عند تكرار غسلها حتى في الغسالة، وأيضاً حتى تناسب حرارة الجو، وقد حرصت كذلك على الاستعانة ببعض الأقمشة المصرية المصنعة يدوياً على النول من مناطق تشتهر به مثل أخميم ونجادة وبذلك أقدم منتجاً مصرياً خالصاً».
ونستطيع من خلال ما تقدمه الفنانة من ملابس التعرف على بعض ملامح ثقافة سيوة، وفي مقدمتها ما يتعلق بإيمانهم بالسحر والحسد، إذ تزخر بموتيفات ترمز إلى ذلك وتساعد بحسب معتقدات أهلها على الحماية من أي طاقة شريرة، ومنها «الخميسة» التي تمنع الحسد، وفق معتقدات الكثير من المصريين، ورمز العنكبوت «تاجلست» كما تنطقه السيويات، وهو يعمل على «بعثرة» قوى الشر.
أما التصاميم ذات الخطوط الطولية المتوازية التي تميز «الطرقعت» أو الشال الذي تتزين به العروسة في واحة سيوة فقد استخدمته في العديد من قطع الملابس لأنه ذو دلالة رائعة، إذ يجعل المرأة تشع نوراً مثل أشعة الشمس لتنير حياة زوجها، ويستخدمون فيه ألواناً مستوحاة من الطبيعة والبلح مثل الأخضر والأصفر والبرتقالي والبني والنبيتي، وفي السياق ذاته تقدم قطعاً تحمل اسم «زي الشمس»، وتقول: «من الأشكال الدارجة في فن التطريز السيوي دائرة تخرج منها خطوط كأنها أشعة الشمس، ويرمز إلى أن السيدة التي ترتديه تنير الطريق أينما ذهبت».
وفي أعمال أخرى، ستجد أيضاً السمكة لارتباطها في سيوة بالخصوبة وتبشر بذرية كبيرة وصالحة، وفي الأطراف الأربعة لـ«الكارديجان» الأسود ستعثر على مجموعة مثلثات ترمز إلى تحقيق السعادة والآمال، وعبر تصميم حديث يتخذ شكل الشال الطويل و«الكاش مايوه» المطرز قدمت «الطرفوط». ومن أبرز أعمالها أيضاً تلك الملابس الحاملة لرموز غطاء «جركن المياه» الذي تطرزه الزوجة السيوية لزوجها.
وتؤكد: «نجحت في إقناع بعض سيدات سيوة بتطريز أعمالي بأنفسهن، بعدما شعرن وأزواجهن بالاطمئنان لي، وساعد على ذلك أنني أعيش بينهم منذ عدة سنوات بمفردي، وأستمد الأمان منهم»، تشعر الفنانة بأنها تسهم في الحفاظ على التراث السيوي: «لمشروعي جانب تنموي، فالسيدات ينتفعن مادياً ويرفع ذلك من مستوى معيشتهن، إلى جانب البعد التراثي، حيث أخشى على اندثار التطريز السيوي، بسبب انشغال الفتيات من الجيل الجديد بالإنترنت، ولذلك أردت جذبهن إليه، فمن المؤكد حين يشاهدن أمهاتهن يحصلن على أموال جيدة مقابل التطريز، فإنهن سيقررن ممارسته، لذلك أحلم بإقامة مركز متخصص للتطريز وحياكة الملابس السيوية».
استلهام تصميمات أزياء حديثة من تراث واحة سيوة المصرية
التطريز والرموز والألوان الزاهية من سماتها
استلهام تصميمات أزياء حديثة من تراث واحة سيوة المصرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة