«زقاق المدق» على المسرح برؤية استعراضية غنائية

العرض المصري يشارك فيه محسن محيي الدين ودنيا عبد العزيز ونهال عنبر

محسن محيي الدين خلال المؤتمر الصحافي (وزارة الثقافة المصرية) -  أفيش مسرحية «زقاق المدق» (وزارة الثقافة المصرية)
محسن محيي الدين خلال المؤتمر الصحافي (وزارة الثقافة المصرية) - أفيش مسرحية «زقاق المدق» (وزارة الثقافة المصرية)
TT

«زقاق المدق» على المسرح برؤية استعراضية غنائية

محسن محيي الدين خلال المؤتمر الصحافي (وزارة الثقافة المصرية) -  أفيش مسرحية «زقاق المدق» (وزارة الثقافة المصرية)
محسن محيي الدين خلال المؤتمر الصحافي (وزارة الثقافة المصرية) - أفيش مسرحية «زقاق المدق» (وزارة الثقافة المصرية)

يستقبل مسرح محمد عبد الوهاب بمدينة الإسكندرية 26 أغسطس (آب) الجاري مسرحية «زقاق المدق» التي يقدمها قطاع الفنون الغنائية والاستعراضية التابع لمسرح الدولة في إطار استعراضي غنائي برؤية عصرية تحافظ على روح العمل الأصلي الذي كتبه الروائي الكبير نجيب محفوظ عام 1947.
واستحوذت الرواية منذ صدورها على اهتمام صناع الأفلام، وقُدمت سينمائياً ومسرحياً مرات عدة، واحتفظ كل من تناولها بعنوانها الأصلي، حيث ظهرت سلسلة من الأعمال الفنية التي حملت عنوان «زقاق المدق» وكان أكثرها رسوخاً الفيلم السينمائي الذي لعبت بطولته في ستينات القرن الماضي، الفنانة شادية وحمل توقيع المخرج حسن الإمام.
وفي رؤية مسرحية جديدة كتبها المؤلف محمد الصواف ويخرجها عادل عبده رئيس قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية، يشارك في بطولتها عدد كبير من الممثلين، من بينهم دنيا عبد العزيز، ومحسن محيي الدين، ونهال عنبر، وأمل رزق، وبهاء ثروت، وكريم الحسيني، وعدد من فناني المسرح.
بدأ العمل على تقديم العرض قبل أربع سنوات، وفقاً للمخرج عادل عبده خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع أبطال العرض، مساء أول من أمس، مشيراً إلى أن رواية «زقاق المدق» ليست رواية سهلة، لذا حافظنا على روح النص وزمنه، فنحن نقدم رؤية للعمل في إطار موسيقي غنائي استعراضي، وكل الممثلين يغنون ويقدمون استعراضات على المسرح، ما تطلب فترة إعداد لأبطالها وتدريبات على الاستعراض والحركة، من خلال عرض عصري مسرحي سينمائي برؤية بها حداثة على مستوى الصورة والإيقاع، حيث تعرض على أحد أهم مسارح الإسكندرية (مسرح محمد عبد الوهاب) ثم تعود بعد شهر لجمهور القاهرة على مسرح البالون.
وفرضت المقارنة نفسها بين المسرحية والفيلم السينمائي خلال المؤتمر الصحافي، وأكدت الفنانة دنيا عبد العزيز التي تجسد شخصية «حميدة» التي سبق وجسدتها ببراعة الفنانة الراحلة شادية أن المسرحية تقدم تناولاً مختلفاً للرواية وليس للفيلم السينمائي الذي تأثر به الجمهور.
وأشارت إلى أن أي مقارنة بين الفيلم والمسرحية ستكون ظالمة، فالفيلم شيء والعرض الذي كتبه محمد الصواف شيء آخر مختلف وممتع، وأنا سعيدة جداً للغناء والاستعراض بها.
فيما يجسد الفنان محسن محيي الدين شخصية «فرج» التي سبق وأن قدمها الفنان يوسف شعبان في الفيلم الشهير، ونوه محيي الدين بأن «المخرج عادل عبده كان متردداً في عرض هذا الدور عليه لاعتقاده بأنه سوف يرفضه خصوصاً أنه لشخصية غير سوية»، قائلاً: «قدمت خلال الفترة الماضية منذ عودتي للفن أدوار (خير)، لكنني اقتنعت بالعمل لأن شخصية (فرج) تشبه (التيك توك) في هذا الزمن. وكل وقت وله مفرداته، وعلى الفنان أن يتفاعل مع المجتمع»، مشيداً برؤية الكاتب محمد الصواف الذي جعل كل المشاهد التمثيلية تتحول إلى استعراضات درامية وبفريق العمل وجرأة المخرج عادل عبده لاختياره لهذا الدور بعيداً عن التابوهات التي تضع الممثل في إطار واحد، فيما تجسد الفنانة نهال عنبر والدة حميدة، وتؤدي أمل رزق شخصية «شوشو».
ورغم تقديمه لعروض مسرحية عديدة ومنها «كبسولة، ورحلة سعيدة، ولحظة حب، وعاشق ومداح»، فإنها المرة الأولى التي يتصدى محمد الصواف لأعمال نجيب محفوظ.
ويقول الصواف لـ«الشرق الأوسط»: «(زقاق المدق) بها شيء يجذبني إليها منذ فترة طويلة، ورأيت أنها يمكن أن تقدم في إطار موسيقي غنائي على المسرح، في معالجة مختلفة عن كل ما قدم عنها في السينما والمسرح، ولا شك أن التصدي لهذا النص لا يعد أمراً سهلاً لأن الفيلم راسخ في أذهان الجمهور، ربما لم يقرأ الرواية لكنه يعرفها من خلال الفيلم، وقد كان تحدياً كبيراً لنا أن نقدمه بروح وطعم زمن نجيب محفوظ في 2021، كما أن النجوم المشاركين في العمل لم يحاولوا تقليد أحد، بل كل الشخصيات تؤدي أدوارها وفقاً لرؤية جديدة تحكم العمل».
ويؤكد: «نجح المخرج عادل عبده في تقديمها عبر الاستعراض والغناء والمشاهد السينمائية».
وعن محاذيره في التعامل مع النص الروائي يقول الصواف إن «نجيب محفوظ نفسه أعلن مسؤوليته عن الرواية التي كتبها وليس عن المعالجات الفنية التي تقدم عنها، لأن الرؤى الفنية تختلف من كاتب لآخر، وبالنسبة لي حتى لو تم تقديم النص مئات المرات فإنني أقدمه برؤية مغايرة».
وتدور أحداث رواية «زقاق المدق» لنجيب محفوظ، داخل أحد الأزقة بمنطقة الحسين بالقرب من مسجد الأزهر، وترصد تأثير الحرب العالمية الثانية على المصريين، وتم تقديمها سينمائياً بأكثر من معالجة عربية وأجنبية، كما تم تقديمها مسرحياً في عام 1958، من بطولة فاطمة رشدي ومن إخراج وتمثيل كمال ياسين وبطولة محمد رضا، كما قدمت عام 1985 في عرض قام ببطولته الفنان صلاح السعدني ومعالي زايد، وعبد المنعم مدبولي، ومحمود شكوكو.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)