ثلاثة كتّاب يراجعون تاريخ مجازر الأرمن

جيرار ديدان وأغو دمردجيان ونبيل أنيس صالح يضعون مؤلفاً موسوعياً عن «مجازر الأرمن»
جيرار ديدان وأغو دمردجيان ونبيل أنيس صالح يضعون مؤلفاً موسوعياً عن «مجازر الأرمن»
TT

ثلاثة كتّاب يراجعون تاريخ مجازر الأرمن

جيرار ديدان وأغو دمردجيان ونبيل أنيس صالح يضعون مؤلفاً موسوعياً عن «مجازر الأرمن»
جيرار ديدان وأغو دمردجيان ونبيل أنيس صالح يضعون مؤلفاً موسوعياً عن «مجازر الأرمن»

صدرت عن أحداث الإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الأرمني عشرات الكتب الموثقة بمختلف اللغات. ومع أن المجزرة الكبرى حدثت سنة 1915 فإنّ تداعياتها الإنسانية ظلت تتفاعل مدة طويلة من الزمن.
وعن تلك الحقبة التاريخية المظلمة التي عاصرت تفكك الإمبراطورية العثمانية، صدر في فرنسا هذا الشهر كتاب جديد، حمل تأليفه 3 أسماء معروفة، هي جيرار ديدان وأغو دمردجيان والمحامي اللبناني نبيل أنيس صالح.
ويُستَدَل من مراجعة فصول هذا المؤلف الموسوعي، أنّ نبيل صالح قد تولى الجزء المتعلق بحقبة طرد الأرمن من تركيا وطريقة انتشارهم في سوريا ولبنان وفلسطين.
وتؤكد المعلومات المستقاة من منابعها أنّ الدفعة الأولى وصلت إلى حلب بسبب وجود عائلات أرمنية استضافتهم واستقبلتهم. بيد أنّ تزايد أعدادهم قد اضطرهم للبحث عن أراضٍ غير مأهولة، في مواقع تؤمن تواصلهم الاجتماعي. وكما شيّد اليابانيون تماثيل تذكرهم بقنبلتي هيروشيما وناكزاكي، كذلك رفع الناجون نصباً تذكارياً بالقرب من دير الزور يمثل بالنسبة لكل أرمني مسلسل الإبادات الجماعية. أي الإبادة الأولى التي حدثت في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني. وقد اتهمهم بأنّهم طابور خامس يعملون لصالح روسيا. ومع أنّ تقديرات الضحايا تتفاوت من حيث نسبة الأعداد، فإنّ جميع المؤرخين اتفقوا على الرقم مليون ونصف المليون ضحية، بمن فيهم الأطفال.
صحيح أنّ الأقليات المسيحية واليهودية والكردية قد نالت نصيبها من الانتقام... إلا أنّ الأرمن نالوا النصيب الأكبر من التنكيل بسبب الأدوار السياسية التي لعبها زعماؤهم لصالح الدول المعادية للإمبراطورية العثمانية.
ومن غريب الصدف أن يرتفع في «عنجر» أقدم تمثال يذكر اللبنانيين بمجازر الأرمن ما بين سنة 1915 و1918. وربما تدخلت سلطة الباب العالي لإقصائهم إلى موقع ناءٍ ومعزول كنوع من العقاب المتأخر. لكن المواطنين اللبنانيين رحبوا بهم، مثلما فعل أهل أنطلياس حيث شيّدت أكبر كاتدرائية أرمنية في لبنان.
وفي هذا السياق، يمكن الاعتراف بأن غالبية الحرفيات حملها الأرمن معهم إلى لبنان. وهم في حقيقة الأمر أول مهجرين نجحوا في عملية الاندماج السياسي والاجتماعي والمهني. من هنا القول إنّ خطب النائب خاتشيك بابكيان كانت أقرب إلى أسلوب سيبويه من خطب أي نائب آخر في البرلمان اللبناني. كما أنّ شهرة الجراح جيدرجيان استحقت شرف الانضمام إلى طليعة أطباء مستشفى الجامعة الأميركية. وعندما افتتحت شركة طيران الشرق الأوسط خطاً إلى العاصمة «يرافان»، كانت غالبية الركاب من أرمن لبنان، البلد الذي خصّه المطرب شارل أزنافور بأجمل أغانيه.
وبالمقارنة مع المجازر الجماعية الأخرى، فإنّ عدد الضحايا الذين فقدهم الشعب الأرمني (مليون ونصف المليون نسمة) لا يقل عن عدد ضحايا الديكتاتور الكمبودي «بول - بوت». علماً بأن الكتاب الذي أصدره فيليب شورت عنه كان يضم صوراً لمتحف الجماجم الذي أقامه سنة 1915 في قاعة ضخمة تحمل عنوان «الخمير الحمر».
زعماء الحركات الراديكالية وصفوا بول - بوت بأنه نسخة أخرى عن ستالين الذي عمل على تصفية كل أعدائه وكل رفاقه أيضاً. والشاهد على ذلك أنّه قضى على شقيقه، ومن ثمّ على زوجته كيو بوناري، وقد توفي سنة 1998، بعدما تعرض لمحاكمة الحزب الذي حكمه بالسجن المؤبد.
والطريف أنّه عندما توجّه إلى السيارة التي نقلته إلى السجن، أغبطه أن يرى كل أعضاء المحكمة ينحنون احتراماً له. لذلك وصفه المراقبون بأنّه كان مريضاً بالماسوشيّة الساديّة!


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».