صدرت عن أحداث الإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الأرمني عشرات الكتب الموثقة بمختلف اللغات. ومع أن المجزرة الكبرى حدثت سنة 1915 فإنّ تداعياتها الإنسانية ظلت تتفاعل مدة طويلة من الزمن.
وعن تلك الحقبة التاريخية المظلمة التي عاصرت تفكك الإمبراطورية العثمانية، صدر في فرنسا هذا الشهر كتاب جديد، حمل تأليفه 3 أسماء معروفة، هي جيرار ديدان وأغو دمردجيان والمحامي اللبناني نبيل أنيس صالح.
ويُستَدَل من مراجعة فصول هذا المؤلف الموسوعي، أنّ نبيل صالح قد تولى الجزء المتعلق بحقبة طرد الأرمن من تركيا وطريقة انتشارهم في سوريا ولبنان وفلسطين.
وتؤكد المعلومات المستقاة من منابعها أنّ الدفعة الأولى وصلت إلى حلب بسبب وجود عائلات أرمنية استضافتهم واستقبلتهم. بيد أنّ تزايد أعدادهم قد اضطرهم للبحث عن أراضٍ غير مأهولة، في مواقع تؤمن تواصلهم الاجتماعي. وكما شيّد اليابانيون تماثيل تذكرهم بقنبلتي هيروشيما وناكزاكي، كذلك رفع الناجون نصباً تذكارياً بالقرب من دير الزور يمثل بالنسبة لكل أرمني مسلسل الإبادات الجماعية. أي الإبادة الأولى التي حدثت في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني. وقد اتهمهم بأنّهم طابور خامس يعملون لصالح روسيا. ومع أنّ تقديرات الضحايا تتفاوت من حيث نسبة الأعداد، فإنّ جميع المؤرخين اتفقوا على الرقم مليون ونصف المليون ضحية، بمن فيهم الأطفال.
صحيح أنّ الأقليات المسيحية واليهودية والكردية قد نالت نصيبها من الانتقام... إلا أنّ الأرمن نالوا النصيب الأكبر من التنكيل بسبب الأدوار السياسية التي لعبها زعماؤهم لصالح الدول المعادية للإمبراطورية العثمانية.
ومن غريب الصدف أن يرتفع في «عنجر» أقدم تمثال يذكر اللبنانيين بمجازر الأرمن ما بين سنة 1915 و1918. وربما تدخلت سلطة الباب العالي لإقصائهم إلى موقع ناءٍ ومعزول كنوع من العقاب المتأخر. لكن المواطنين اللبنانيين رحبوا بهم، مثلما فعل أهل أنطلياس حيث شيّدت أكبر كاتدرائية أرمنية في لبنان.
وفي هذا السياق، يمكن الاعتراف بأن غالبية الحرفيات حملها الأرمن معهم إلى لبنان. وهم في حقيقة الأمر أول مهجرين نجحوا في عملية الاندماج السياسي والاجتماعي والمهني. من هنا القول إنّ خطب النائب خاتشيك بابكيان كانت أقرب إلى أسلوب سيبويه من خطب أي نائب آخر في البرلمان اللبناني. كما أنّ شهرة الجراح جيدرجيان استحقت شرف الانضمام إلى طليعة أطباء مستشفى الجامعة الأميركية. وعندما افتتحت شركة طيران الشرق الأوسط خطاً إلى العاصمة «يرافان»، كانت غالبية الركاب من أرمن لبنان، البلد الذي خصّه المطرب شارل أزنافور بأجمل أغانيه.
وبالمقارنة مع المجازر الجماعية الأخرى، فإنّ عدد الضحايا الذين فقدهم الشعب الأرمني (مليون ونصف المليون نسمة) لا يقل عن عدد ضحايا الديكتاتور الكمبودي «بول - بوت». علماً بأن الكتاب الذي أصدره فيليب شورت عنه كان يضم صوراً لمتحف الجماجم الذي أقامه سنة 1915 في قاعة ضخمة تحمل عنوان «الخمير الحمر».
زعماء الحركات الراديكالية وصفوا بول - بوت بأنه نسخة أخرى عن ستالين الذي عمل على تصفية كل أعدائه وكل رفاقه أيضاً. والشاهد على ذلك أنّه قضى على شقيقه، ومن ثمّ على زوجته كيو بوناري، وقد توفي سنة 1998، بعدما تعرض لمحاكمة الحزب الذي حكمه بالسجن المؤبد.
والطريف أنّه عندما توجّه إلى السيارة التي نقلته إلى السجن، أغبطه أن يرى كل أعضاء المحكمة ينحنون احتراماً له. لذلك وصفه المراقبون بأنّه كان مريضاً بالماسوشيّة الساديّة!
ثلاثة كتّاب يراجعون تاريخ مجازر الأرمن
ثلاثة كتّاب يراجعون تاريخ مجازر الأرمن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة