ألحق انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان وسيطرة حركة «طالبان» السريعة على البلاد، ضرراً كبيراً بصورة واشنطن ومكانتها أمام العالم بشكل لا رجعة فيه.
وبحسب تحليل نشرته مجلة «ذا نيويوركر» الأميركية، فقد عكس الانسحاب ضعف السياسة الأميركية، وضعف قدرتها على اتخاذ القرارات الصحيحة، حيث يرى الكثير من السياسيين والمواطنين الأميركيين أن سقوط أفغانستان في يد «طالبان» رغم التكلفة العالية التي تكبّدتها الولايات المتحدة مع سقوط 2500 جندي أميركي وإنفاقها أكثر من تريليوني دولار هناك، يضعف صورة الولايات المتحدة على الساحتين المحلية والدوليّة.
إنها ليست مجرد هزيمة ملحمية للولايات المتحدة. فقد يكون سقوط كابل بمثابة نهاية لعصر القوة العالمية للولايات المتحدة.
فبعد ما سماه البعض بـ«الإنقاذ العظيم» الذي قامت بها الولايات المتحدة في أربعينات القرن الماضي، لمساعدة أوروبا الغربية في الانتصار على النازية، وقوتها الكبيرة التي ظهرت أثناء هزيمة الإمبراطورية اليابانية الهائلة في شرق آسيا في 1945 فقد تورطت الآن فيما قد يسميه المؤرخون يوماً ما بـ«الانسحاب الكبير» من أفغانستان لتترك حركة ضعيفة قوامها ستين ألف مقاتل وليس لديها قوة جوية أو دروع ومدفعية كبيرة تسيطر على دولة بأكملها.
وأشار تحليل «ذا نيويوركر» إلى أن ما يحدث الآن هو جزء من نمط أميركي «مثير للأعصاب» يعود تاريخه إلى السبعينات من القرن الماضي.
ففي عام 1973 قامت الولايات المتحدة بسحب جيشها من فيتنام الجنوبية بعد وجودها بالمنطقة لمدة 20 عاما دعما للمنطقة في صراعها ضد الحكومة الشيوعية لفيتنام الشمالية.
وبعد انسحاب أميركا بعامين أعلن الجنوب استسلامه للشمال، بعد أن استولت القوات الشمالية على مدينة سايغون، العاصمة السابقة لجمهورية فيتنام الجنوبية.
ومثلما حدث مع كابل مؤخرا، ادعت واشنطن وقتها أن وجودها بفيتنام الجنوبية كان مكلفا وطويلا.
ومثل كابل أيضا، جاء الاستيلاء على سايغون أسرع بكثير مما توقعته الولايات المتحدة. وتخلت أميركا عن سفارتها فهناك وأجلت أكثر من 7 آلاف مواطن أميركي وفيتنامي جنوبي وغيرهم من الرعايا الأجانب بطائرات هليكوبتر، وقد أظهرت صورة شهيرة تم التقاطها آنذاك أشخاصا يتدافعون للصعود إلى طائرة هليكوبتر على سطح أحد المنازل في سايغون، في مشهد شبيه بما حدث قبل يومين حين هرول مئات الأفغان بسرعة حول عجلات طائرة عسكرية أميركية في مطار كابل، في محاولة منهم للحاق بها هرباً من حركة «طالبان».
وفي عام 1984 سحبت إدارة الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان قوات حفظ السلام التابعة لقوات المشاة البحرية الأميركية من بيروت بعد أن قتل انتحاري من «حزب الله» أكثر من مائتين وأربعين من الأفراد العسكريين - وهي أكبر خسارة لمشاة البحرية في حادثة واحدة منذ الحرب العالمية الثانية.
ويقول الخبراء إن هذه «الحسابات الخاطئة المتكررة لأميركا» تؤثر على صورتها وتثير الشكوك حول قوتها وقدراتها الاستخباراتية، مشيرين إلى أن أميركا «لم تنجح في توقع الكوارث، السابقة والحالية، قبل حدوثها ولم تخطط بشكل جيد لجميع السيناريوهات المحتملة».
ظهر ذلك جليا بعد أن قال الرئيس الأميركي جو بايدن الشهر الماضي إنه يثق في «قدرة الجيش الأفغاني، الذي هو أفضل تدريباً وتجهيزاً وكفاءة من (طالبان)» مقللا من احتمال سيطرة الحركة على أفغانستان. ولكن في النهاية، تمكنت «طالبان» من السيطرة على البلاد ودخول القصر الرئاسي بشكل سريع جدا.
وأكد الخبراء أنه بعد عقود من الآن، سينظر العالم إلى الولايات المتحدة على نطاق واسع على أنها خسرت ما زعم جورج دبليو بوش بأنه «حرب على الإرهاب» بعد أن تكبدت خسائر مادية وبشرية هائلة، بل وتسببت في الكثير منها.
ومن المتوقع أن تواجه واشنطن في المستقبل صعوبة في حشد حلفائها للعمل بشكل متضافر مرة أخرى ضد قضية سياسية ما، بعد ما حدث بأفغانستان، وفقا للخبراء الذين قالوا إن إنقاذ الولايات المتحدة لسمعتها ومكانتها سيكون أمرا صعبا للغاية.
هل انسحاب واشنطن من أفغانستان «بداية النهاية» لعصر القوة الأميركي؟
هل انسحاب واشنطن من أفغانستان «بداية النهاية» لعصر القوة الأميركي؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة