«طباخ العام» في فرنسا متهم بضرب مساعديه

وراء الأطباق الحلوة للشيف ألينو حكايات اضطهاد مرة

طباخ عام 2015 في فرنسا يانيك ألينو
طباخ عام 2015 في فرنسا يانيك ألينو
TT

«طباخ العام» في فرنسا متهم بضرب مساعديه

طباخ عام 2015 في فرنسا يانيك ألينو
طباخ عام 2015 في فرنسا يانيك ألينو

قبل فترة وجيزة نال الشيف يانيك ألينو، لقب «طباخ عام 2015» في فرنسا. لكن الطباخ الماهر الذي يدير مطعم «بافيون لودوايين» الراقي، قرب «الشانزلزيه»، متهم، اليوم، بسوء معاملة مساعديه، وقد تقدم اثنان منهم بشكوى أمام قاضي العمل بتهمة التحرش المعنوي والفصل التعسفي والضرب.
وليست هي المرة الأولى التي يواجه فيها طباخ فرنسي كبير من أصحاب النجوم في دليل «ميشلان» تهما من هذا النوع؛ فقد تعرض الشيف المرموق جويل روبوشون لفضيحة من هذا النوع، الأمر الذي يشير إلى تصدع «قانون الصمت» المافياوي الذي ظل يسود أوساط المطاعم الشهيرة ومطابخ فنادق النجوم الخمسة؛ فقد جرت العادة أن يتحمل المساعدون الصغار ظروف العمل، وألا يكشفوا ما يدور وراء الأفران والطناجر من تجاوزات، خشية أن يفقدوا عملهم وفرصة التدرب تحت يدي طباخ كبير.
المعلومات التي تسربت إلى وسائل الإعلام تؤكد أن مناخا من الرعب خيم على مطبخ الشيف يانيك ألينو وحوله إلى ما يشبه المجزرة. وقد ترك معظم أفراد الطاقم القديم أماكنهم منذ أن تسلم هذا الأخير مسؤولية الإشراف على «بافيون لودوايين» في الصيف الماضي. لكن أيا من الطباخين المتحدثين لم يجرؤ على التصريح باسمه، خشية المحاسبة والعقاب بالطرد. وقد وجه اثنان من العاملين تهما لسيباستيان لوفور، اليد اليمنى للشيف ألينو، بسوء معاملتهما وضربهما بعد أسبوع واحد من تسلم الطباخ الشهير مهامه في المطعم، فقد كانت الأجواء بالغة التوتر خصوصا في ساعات خدمة العشاء.
وبحسب أقوال أحد المشتكين، فإن عطلا في أحد الأفران كان كافيا لأن يهجم عليه ألينو ويمسكه من كتفيه ويوجه له ركلات في الركبة والفخذ. وبعد ذلك، طلبوا منه تقديم استقالته لكنه رفض وذهب لطبيب العمل وحصل على إجازة مرضية. وقد اطلعت قناة «فرانس تي في» الإخبارية على تقرير الطبيب الذي أفاد بوجود كدمات وتورم في الساق. وفي تقرير آخر يشير الطبيب إلى «ظاهرة توتر عميق من جراء ظروف العمل».
وتحدث عامل آخر عن محنة أعمال التنظيف، حين يكون عليهم، بعد الانتهاء من تحضير الطعام وتقديمه، حك الأواني والأفران بمنظفات كيماوية تؤدي إلى تمزق القفازات البلاستيكية التي يرتدونها. وعند نفاد شحنة القفازات يرفض الشيف تعويضها، وتكون النتيجة حروقا في الأصابع وتسلخا للجلد بينها. لكن يانيك أينو نفى كل هذه الاتهامات أو أن يكون اعتدى بالضرب على مساعديه من صغار الطباخين، قائلا إن الأجواء الاجتماعية بينهم كانت معقدة بسبب الضغوط التي يلاقيها المطعم في شهور الصيف، لكنه ظل حريصا على راحة العاملين معه.
يعتبر يانيك ألينو الطباخ الفرنسي الأشهر في العالم، حاليا. وهو قد ولد في ضاحية باريس الشمالية لعائلة من أصحاب المقاهي وكان مولعا، منذ صغره، بالطبخ. وفي مقابلة صحافية معه قال: «إن الأطفال يتعلقون عادة بأذيال أمهاتهم أما أنا فكنت أتعلق بطناجر والدتي». وكان من الطبيعي أن يدرس الثانوية في مدرسة فندقية، ويكون الأول على دفعته، ويبدأ، بعد ذلك، حياته العملية متدربا كحلواني لدى فندق «لوتيسيا» العريق في باريس. ومن هناك انتقل إلى فندق «رويال مونصو» لاستكمال تدريبه ثم فندق «سوفياتيل» حتى أصبح الشيف المساعد في فندق «لو موريس» في جادة ريفولي، وبعدها الطباخ الأول فيه الذي يقود فريقا مؤلفا من 74 مساعدا.
ذاعت شهرة الشيف ألينو بعد أن فاز، قبل بلوغه سن الـ40. بثلاثة نجمات في دليل «ميشلان» الفرنسي المحترم لتقييم المطاعم في أرجاء العالم.
وبهذا دخل النادي الضيق للطباخين العالميين الحاصلين على هذا التقييم. وهو لم يفوت الفرصة فسارع إلى تأسيس سلسلة من المطاعم الراقية تحمل اسمه وتنتج مواد غذائية رفيعة المستوى. وقد ضم تحت جناحيه مطاعم «الحصان الأبيض» في منتجع كورشوفال الشتوي و«رويال منصور» في مراكش و«وان أند أونلي» في دبي وفندق «شانغريلا» في بكين و«ستاي» في تايوان. ومع حلول 2011 بدأ بإصدار مجلة متخصصة في الطبخ تحمل حروف اسمه.
للعودة إلى الجذور، لم يكتفِ الطباخ الشاب بالمطاعم الفخمة بل افتتح في الدائرة الخامسة من باريس، حي الطلاب والجامعات، مقهى يحمل اسم «تيروار باريزيان»، على غرار سلسلة المقاهي التي نشأ فيها وكان والداه يديرانها في الضواحي.
لم يكن أحد يتوقع أن تشوب شائبة سمعة «طباخ العام» في فرنسا، وأن يتهمه صغار مساعديه بسوء المعاملة وتشغيلهم خارج الساعات المحددة للدوام منعهم من التمتع بالساعة المقررة لتناول الطعام أو باستراحات وجيزة للتدخين. وهي مزاعم ردها ألينو رافضا الإقرار بأنه شتم أيا من العاملين معه أو تركهم يشتغلون من دون قفازات. وبخلاف زميله الطباخ المعروف جويل روبوشون، لم يبدُ على ألينو أنه بصدد التقدم بدعوى مضادة على من اتهمه بسوء المعاملة، أو ما يعرف بجنحة «التحرش المعنوي» التي قد تقود إلى السجن، حسب قوانين العمل الفرنسية. ففي الشهر الماضي، سعى روبوشون لمقاضاة أحد مساعديه الذي صرح في تحقيق بثه موقع التلفزيون الفرنسي بأنه كان يهينه وينعته بالكلب والغبي والقاذورة، وقد أجبره على شرب الماء العكر. وفي دعواه المضادة أمام القضاء، اتهم الطباخ ذو الشهرة العالمية ذلك المساعد الذي لم يكشف عن هويته بالكذب والتشهير.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».