لبنان يعلن الحداد بعد كارثة حريق عكار

أكثر من 28 قتيلاً و100 مصاب بانفجار خزانات وقود «غير شرعي»

أهالي قرية التليل في عكار (شمال لبنان) أحرقوا منزل صاحب الأرض التي كانت تحوي خزانات الوقود (د.ب.أ)
أهالي قرية التليل في عكار (شمال لبنان) أحرقوا منزل صاحب الأرض التي كانت تحوي خزانات الوقود (د.ب.أ)
TT

لبنان يعلن الحداد بعد كارثة حريق عكار

أهالي قرية التليل في عكار (شمال لبنان) أحرقوا منزل صاحب الأرض التي كانت تحوي خزانات الوقود (د.ب.أ)
أهالي قرية التليل في عكار (شمال لبنان) أحرقوا منزل صاحب الأرض التي كانت تحوي خزانات الوقود (د.ب.أ)

تسبب تخزين الوقود غير الشرعي في بلدة التليل في منطقة عكار بشمال لبنان، بانفجار ضخم أودى بحياة 28 شخصا على الأقل بينهم عسكريون، وإصابة أكثر من 100 آخرين بحروق بعضها بالغ الخطورة. وأعلنت رئاسة الوزراء حداداً وطنياً على ضحايا الكارثة اليوم الاثنين.
وأظهرت مقاطع فيديو تم تداولها جثثا متفحمة تشتعل فيها النيران، التي اندلعت جراء انفجار أحد الخزانات وامتداد النار إلى خزانات أخرى داخل قطعة أرض تستخدم لتخزين البحص في بلدة التليل - عكار، كان صادره الجيش لتوزيع ما في داخله على المواطنين، مما أدى إلى سقوط عدد من الإصابات بين مدنيين وعسكريين. ولم يتم التمكن بعد من السبب المباشر الذي أدى إلى الانفجار وسط تضارب في الروايات التي أدلى بها مصابون وشهود عيان، فيما أشار الجيش اللبناني إلى أنّ التحقيقات بوشرت بإشراف القضاء المختص لمعرفة ملابسات الانفجار.
وقال مصدر أمني لبناني لـ«الشرق الأوسط» إن التحقيقات تتركز على «فرضية إشعال النار عمدا، أو حصول خطأ بشري أدى إلى الكارثة». وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام بأن أغلب الضحايا هم من الذين تجمعوا حول الخزان لتعبئة البنزين في بلدة التليل، فيما تحدث شهود عيان عن وجود حوالي 200 شخص في مكان وقوع الانفجار. وقال شهود إن سبب الانفجار هو قيام شخص باستخدام ولاعته قرب مادة البنزين السريعة الاشتعال، فيما تحدث آخرون عن قيام نجل صاحب الأرض التي ضبطت عليها الخزانات بإطلاق النار عليها، غير أن المصدر الأمني نفى وجود آثار لطلقات نارية في الخزانات، دون أن يستبعد فرضية حصول الانفجار نتيجة عمل بشري مقصود.
وأشار بعض أهالي المنطقة إلى أنّ صاحب الأرض مقرب من النائب في «التيار الوطني الحر» أسعد درغام فيما تحدث آخرون عن قربه من النائب في «تيار المستقبل» وليد البعريني.
ونفى رئيس بلدية التليل جوزيف منصور رواية إطلاق النار، مشيرا في حديث أدلى به إلى وسائل إعلام محلية إلى أن صاحب خزان المحروقات هو من خارج البلدة، وأنّه بعد مصادرته عصر السبت من الأهالي حضر الجيش وبدأت مفاوضات على أن يحصل اتفاق بتفريغ المحروقات وتزويد الأهالي بها، معلنا أنّه بعدما تجمهر عدد كبير من الأشخاص حصل الانفجار إثر إشعال أحدهم ولاعته. وأشار رئيس البلدية إلى أنّه كان يوجد في المستودع 18 ألف لتر من البنزين وأنّ الكلام عن استخدام المستودع للتهريب إلى سوريا غير صحيح.
وأظهرت مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حريقا كبيرا في موقع الانفجار سمع فيها صوت رجل يتحدث عن مواطنين يحترقون. وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لوالد مفجوع يبكي بعدما فقد ولديه في الانفجار. وظهر الوالد وهو يقول: «ماذا أقول لأولادي هل أقول لهم إن شقيقيهما ماتا من أجل البنزين؟» مضيفا: «الله يحرق قلبهم مثلما حرقوا أولادنا».
وتجمع عدد من المواطنين في مكان الانفجار يبحثون عن أقارب لهم بعضهم لا يزالون في عداد المفقودين. وقد أوقفت استخبارات الجيش ابن صاحب قطعة الأرض التي انفجر فيها خزان الوقود، بعدما داهمت منزل صاحب مستودعات المحروقات فيما لا يزال والده متواريا عن الأنظار.
وكان الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي دخلت مباشرة على خط أزمة الوقود في لبنان عبر مداهمة محطات الوقود المقفلة لمصادرة كميات المحروقات المخزنة لديها وتوزيعها مباشرة على المواطنين دون مقابل. وأعلن الجيش أول من أمس مصادرة أكثر من 135 ألف لتر من البنزين والمازوت في محطات للوقود.
وبعد الانفجار تجمّع أهالي منطقة التليل في محيط منزل صاحب الأرض الذي كان عليها خزان الوقود محاولين اقتحامه فمنعهم الجيش بداية. وشهد محيط منزل صاحب الأرض عمليات كرّ وفرّ بين الأهالي الغاضبين والجيش وسط إصرار على اقتحامه. وبعدها، قام الأهالي بإشعال النيران في محيط المنزل كما أشعلوا سيارة «بيك أب» مركونة أمامه، قبل أن يتمكنوا من اقتحامه وإحراقه بالكامل، مانعين الدفاع المدني من الاقتراب من منزل صاحب الأرض التي وقع فيها الانفجار لإخماد النيران.
وطلب المجلس الأعلى للدفاع الذي اجتمع أمس بشكل استثنائي بناء على طلب رئيس الجمهورية ميشال عون، إلى الأجهزة العسكرية والأمنية ضبط الوضع العام في منطقة عكار لتفادي أي فلتان أمني وحماية مصالح المواطنين وسلامتهم. كما قررّ المجلس تكليف القوى العسكرية والأمنية والشرطة البلدية فرض الرقابة على مصادر الطاقة وتنظيم توزيعها لمدة شهر والعمل على تفريغ إقفال المستوعبات المخالفة للأصول والأنظمة المرعية الإجراء.
وحذّر عون من تسييس المأساة التي وقعت في التليل واستغلال دماء الشهداء لرفع شعارات وإطلاق دعوات تكشف بوضوح نوايا مطلقيها وضلوعهم بمخططات هدفها الإساءة إلى النظام ومؤسسات، داعيا لإظهار أقصى درجات التضامن في هذه الظروف الصعبة، والتعالي على الجراح والانقسامات.
وتعددت أخيرا الحوادث أمام محطات الوقود بسبب خلافات على أحقية الحصول على مادة البنزين، وكان آخرها أمس حيث سجل إصابة شخص برصاصة في رجله إثر خلاف على محطة وقود في بلدة رياق (شرق لبنان)، فيما أعلن الجيش اللبناني عن ضبط ثمانية خزانات مخبأة تحت الأرض بطريقة احترافية خلف منزل في بلدة النبي عثمان - رأس بعلبك وتحتوي قرابة 200 ألف لتر من مادة المازوت و130 ألف لتر من البنزين معدة للتهريب وللبيع في السوق السوداء.



«مقترح مصري» يحرّك «هدنة غزة»

رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
TT

«مقترح مصري» يحرّك «هدنة غزة»

رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)

حديث إسرائيلي عن «مقترح مصري» تحت النقاش لإبرام اتفاق هدنة في قطاع غزة، يأتي بعد تأكيد القاهرة وجود «أفكار مصرية» في هذا الصدد، واشتراط إسرائيل «رداً إيجابياً من (حماس)» لدراسته، الخميس، في اجتماع يترأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

تلك الأفكار، التي لم تكشف القاهرة عن تفاصيلها، تأتي في «ظل ظروف مناسبة لإبرام اتفاق وشيك»، وفق ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، مع ضغوط من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لإطلاق سراح الرهائن قبل وصوله للبيت الأبيض، كاشفين عن أن «حماس» تطالب منذ طرح هذه الأفكار قبل أسابيع أن يكون هناك ضامن من واشنطن والأمم المتحدة حتى لا تتراجع حكومة نتنياهو بعد تسلم الأسرى وتواصل حربها مجدداً.

وكشفت هيئة البث الإسرائيلية، الأربعاء، عن أن «إسرائيل تنتظر رد حركة حماس على المقترح المصري لوقف الحرب على غزة»، لافتة إلى أن «(الكابينت) سيجتمع الخميس في حال كان رد (حماس) إيجابياً، وذلك لإقرار إرسال وفد المفاوضات الإسرائيلي إلى القاهرة».

فلسطيني نازح يحمل كيس طحين تسلمه من «الأونروا» في خان يونس بجنوب غزة الثلاثاء (رويترز)

ووفق الهيئة فإن «المقترح المصري يتضمن وقفاً تدريجياً للحرب في غزة وانسحاباً تدريجياً وفتح معبر رفح البري (المعطل منذ سيطرة إسرائيل على جانبه الفلسطيني في مايو/أيار الماضي) وأيضاً عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة».

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأربعاء، خلال حديث إلى جنود في قاعدة جوية بوسط إسرائيل إنه «بسبب الضغوط العسكرية المتزايدة على (حماس)، هناك فرصة حقيقية هذه المرة لأن نتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن».

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أكد، الأربعاء، استمرار جهود بلاده من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. وقال عبد العاطي، في مقابلة مع قناة «القاهرة الإخبارية»: «نعمل بشكل جاد ومستمر لسرعة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار في غزة»، مضيفاً: «نأمل تحكيم العقل ونؤكد أن غطرسة القوة لن تحقق الأمن لإسرائيل».

وأشار إلى أن بلاده تعمل مع قطر وأميركا للتوصل إلى اتفاق سريعاً.

يأتي الكلام الإسرائيلي غداة مشاورات في القاهرة جمعت حركتي «فتح» و«حماس» بشأن التوصل لاتفاق تشكيل لجنة لإدارة غزة دون نتائج رسمية بعد.

وكان عبد العاطي قد قال، الاثنين، إن «مصر ستستمر في العمل بلا هوادة من أجل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين»، مؤكداً أنه «بخلاف استضافة حركتي (فتح) و(حماس) لبحث التوصل لتفاهمات بشأن إدارة غزة، فالجهد المصري لم يتوقف للحظة في الاتصالات للتوصل إلى صفقة، وهناك رؤى مطروحة بشأن الرهائن والأسرى».

عبد العاطي أشار إلى أن «هناك أفكاراً مصرية تتحدث القاهرة بشأنها مع الأشقاء العرب حول وقف إطلاق النار، وما يُسمى (اليوم التالي)»، مشدداً على «العمل من أجل فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني» الذي احتلته إسرائيل في مايو الماضي، وكثيراً ما عبّر نتنياهو عن رفضه الانسحاب منه مع محور فيلادلفيا أيضاً طيلة الأشهر الماضية.

وكان ترمب قد حذر، الاثنين، وعبر منصته «تروث سوشيال»، بأنه «سيتم دفع ثمن باهظ في الشرق الأوسط» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة قبل أن يقسم اليمين رئيساً في 20 يناير (كانون الثاني) 2025.

دخان يتصاعد بعد ضربة إسرائيلية على ضاحية صبرا في مدينة غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

وأفاد موقع «أكسيوس» الأميركي بأن مايك والتز، مستشار الأمن القومي الذي اختاره ترمب، سيقابل وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمير، الأربعاء، لمناقشة صفقة بشأن قطاع غزة.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور عبد المهدي مطاوع أن «المقترح المصري، حسبما نُشر في وسائل الإعلام، يبدأ بهدنة قصيرة تجمع خلالها (حماس) معلومات كاملة عن الأسرى الأحياء والموتى ثم تبدأ بعدها هدنة بين 42 و60 يوماً، لتبادل الأسرى الأحياء وكبار السن، ثم يليها حديث عن تفاصيل إنهاء الحرب وترتيبات اليوم التالي الذي لن تكون (حماس) جزءاً من الحكم فيه»، مضيفاً: «وهذا يفسر جهود مصر بالتوازي لإنهاء تشكيل لجنة إدارة القطاع».

وبرأي مطاوع، فإن ذلك المقترح المصري المستوحى من هدنة لبنان التي تمت الأسبوع الماضي مع إسرائيل أخذ «دفعة إيجابية بعد تصريح ترمب الذي يبدو أنه يريد الوصول للسلطة والهدنة موجودة على الأقل».

هذه التطورات يراها الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية اللواء سمير فرج تحفز على إبرام هدنة وشيكة، لكن ليس بالضرورة حدوثها قبل وصول ترمب، كاشفاً عن «وجود مقترح مصري عُرض من فترة قريبة، و(حماس) طلبت تعهداً من أميركا والأمم المتحدة بعدم عودة إسرائيل للحرب بعد تسلم الرهائن، والأخيرة رفضت»، معقباً: « لكن هذا لا ينفي أن مصر ستواصل تحركاتها بلا توقف حتى التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن في أقرب وقت ممكن».

ويؤكد الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أحمد فؤاد أنور أن «هناك مقترحاً مصرياً ويسير بإيجابية، لكن يحتاج إلى وقت لإنضاجه»، معتقداً أن «تصريح ترمب غرضه الضغط والتأكيد على أنه موجود بالمشهد مستغلاً التقدم الموجود في المفاوضات التي تدور في الكواليس لينسب له الفضل ويحقق مكاسب قبل دخوله البيت الأبيض».

ويرى أن إلحاح وسائل الإعلام الإسرائيلية على التسريبات باستمرار عن الهدنة «يعد محاولة لدغدغة مشاعر الإسرائيليين والإيحاء بأن حكومة نتنياهو متجاوبة لتخفيف الضغط عليه»، مرجحاً أن «حديث تلك الوسائل عن انتظار إسرائيل رد (حماس) محاولة لرمي الكرة في ملعبها استغلالاً لجهود القاهرة التي تبحث تشكيل لجنة لإدارة غزة».

ويرى أنور أن الهدنة وإن بدت تدار في الكواليس فلن تستطيع حسم صفقة في 48 ساعة، ولكن تحتاج إلى وقت، معتقداً أن نتنياهو ليس من مصلحته هذه المرة تعطيل المفاوضات، خاصة أن حليفه ترمب يريد إنجازها قبل وصوله للسلطة، مستدركاً: «لكن قد يماطل من أجل نيل مكاسب أكثر».