أندريه راجولينا... رئيس مدغشقر المثير للجدل

لمّح إلى تورّط فرنسا في مخطط لاغتياله

أندريه راجولينا... رئيس مدغشقر المثير للجدل
TT

أندريه راجولينا... رئيس مدغشقر المثير للجدل

أندريه راجولينا... رئيس مدغشقر المثير للجدل

مستغلاً مهارته الإعلامية وعشقه اللافت للأضواء، منذ عمله «منسقاً للأسطوانات الغنائية» عندما كان العشرينات من عمره، استطاع أندريه راجولينا (47 سنة) رئيس جمهورية مدغشقر، جذب الانتباه العالمي إلى بلاده عبر تصريحاته وأخباره المثيرة للجدل دائماً، ولعل أشهرها إعلانه الكشف عن مشروب عشبي لعلاج «كوفيد - 19»، وأخيراً تلميحه بتورط فرنسا في محاولة اغتياله وقلب الحكم في المستعمرة الفرنسية السابقة.
فقد نجا راجولينا من محاولة اغتيال، وفق ما أعلنته النيابة العامة في مدغشقر، يوم 22 يوليو (تموز) الماضي، وجرى توقيف فرنسيين اثنين ومواطنين آخرين، خلال عملية أمنية على خلفية الأمر. ووفق النيابة، فإن المعتقلين كانوا يخططون لقتل مسؤولين كبار في الدولة، من بينهم الرئيس. ومع أن النيابة تحدثت عن وجود أدلة لدى أجهزة الأمن، فإن المدعي العام في مدغشقر لم يقدم أي معلومات بخصوص هذه الأدلة. أما الفرنسيان فهما شرطيان متقاعدان، كما ذكرت وكالة أنباء «تاراترا» المحلية التابعة لوزارة الاتصالات. ومن جانبها، قالت المدعية العامة برتين رازافياريفوني «لقد أوقف مواطنون أجانب وملغاش (أي مدغشقريون) في إطار تحقيق بشأن هجوم طال أمن الدولة». وتابعت «استناداً إلى الأدلة المادية التي نملكها، وضع هؤلاء الأفراد خطة للقضاء على العديد من الشخصيات الملغاشية وتحييدها بمن فيهم رئيس البلاد».
لم يخفِ رئيس مدغشقر آندريه راجولينا شكوكه حول تورط محتمل لفرنسا في مخطط لـ«الانقلاب» ببلاده. وقال بعد أسبوعين من توقيف المتهمين «إذا كانوا يريدون قتلي فذلك بسبب التزامي بحماية أمتنا». وأردف «من بين مدبري الاغتيال هناك كولونيل فرنسي قاد وحدات في تشاد وكوسوفو وأفغانستان». ومن ثم، دعا راجولينا، في مداخلة على القنوات التلفزيونية العامة، إلى «السماح للقضاء بمواصلة عمله»، مؤكداً «ليس لدي مشكلة شخصية في علاقاته مع فرنسا... وعلينا انتظار نتائج التحقيق التي ستكشف ما إذا كان عملاً منفرداً أم لا، والتحقيق هو الذي سيجيب على كل ذلك».
من ناحية أحرى، نفى راجولينا صلة الفاتيكان بالأمر، قائلاً «في السيرة الذاتية للعقل المدبر للخطة وبطاقات عمله، كتب أنه مستشار لرئيس أساقفة (العاصمة الملغاشية) أنتاناناريفو. لكن كل ما يمكنني قوله هو إنني تلقيت خطاباً من الفاتيكان يعبّر عن تضامنه معي، بعد محاولة الاغتيال هذه». وهنا تجدر الإشارة، إلى أن مدغشقر (أو الجمهورية الملغاشية) التي تغطي أرضها إحدى أكبر جزر العالم، كانت إحدى الدول الأفريقية الخاضعة للاستعمار الفرنسي، ونالت استقلالها عام 1960. هذا، ومَثُل المتهمان الفرنسيان أمام قاضٍ في الرابع من أغسطس (آب) (أب) الجاري، كما أعلن محاموهما. وقرّر القاضي توجيه الاتهام إليهما رسمياً واحتجازهما في سجن شديد الحراسة، وذلك بعد توقيفهما لمدة أسبوعين بتهم «تعريض أمن الدولة للخطر، والتآمر لقتل الرئيس، والتعامل مع مجرمين»
حسب دليل الشركات في مدغشقر، يدير فيليب ف. شركة استثمار واستشارات للمستثمرين الدوليين في مدغشقر. وكان هذا الكولونيل السابق في الجيش الفرنسي استقر في الجزيرة مطلع 2020، كما أشارت وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب). أما بول ر. فهو فرنسي ملغاشي يعرف الرئيس راجولينا جيداً، بل كان مستشاراً دبلوماسياً له حتى عام 2011، وهو يقدم نفسه على الإنترنت على أنه مستشار لأبرشية أنتاناناريفو التي نأت بنفسها عنه مؤكدة أنها ليست «مسؤولة عن الأشخاص الذين يستخدمون اسمها من دون تفويض صريح».
وبول ر. هذا، من مواليد 1963 وكان برتبة كابتن عندما غادر قوات الدرك في 1994، حسب مصدر في الدرك الفرنسي.
- مُنسّق أسطوانات عصامي
محاولة اغتيال آندري راجولينا الأخيرة، هي حلقة ضمن حلقات حياته المليئة بالإثارة، بفضل تطلعاته وسعيه للصعود. إذ وُلد راجولينا يوم 30 مايو (أيار) عام 1974، في مدينة أنتسيرابي، ثالث كبرى مدن مدغشقر، لعائلة كاثوليكية ثرية نسبياً من شعب الميرينا، أكبر الشعوب المكوّنة للنسيج الديمغرافي الملغاشي. أما والده فهو العقيد المُتقاعد روجيه إيف راجولينا، الذي حارب في صفوف الجيش الفرنسي في «حرب الجزائر» ويحمل جنسية مزدوجة.
مارس آندري راجولينا الرياضة مبكّرا وتفوق فيها، وفي سن الـ13 أصبح بطلاً وطنياً في لعبة الكاراتيه لفئة الناشئين وكان ذلك عام 1987. ومع أن ثراء أسرة راجولينا كان كفيلاً بتعليم ابنها، اختار آندري أن يوقف دراسته بعد المرحلة الثانوية، ليبدأ مشواره كريادي أعمال «عصامي»، كما يفضل أن يوصف نفسه. وكانت أول مهنة امتهنها هي مُنسّق أغاني «دي جي» في النوادي، حيث كان مولعاً بالموسيقى منذ صغره، ثم امتهن لاحقاً تعهد الأحداث الموسيقية في العاصمة أنتاناناريفو وتنظيمها.
وبالفعل، عام 1993 أسّس راجولينا شركة إنتاج للمناسبات أسماها «شو بيزنيس». وبفضل معرفته وشغفه، إلى جانب شبكة علاقات أبيه الواسعة، نجحت الشركة بشكل كبير. وبحلول العام التالي وتثبيت قدم الشركة واشتهارها بين الشباب في تنظيم الحفلات نظمت الشركة الحفل السنوي «لايف» يجمع الفنانين الموسيقيين الأجانب والملغاشيين. وسُرعان ما أسّس إذاعة «فيفا راديو» الخاصة به، التي كانت تبثّ مزيجاً متنوعاً من الموسيقى، وهكذا، بدأ نجم راجولينا يلمع أكثر على مستوى البلاد.
الشهرة أهّلت راجولينا أيضاً لاقتحام عالم الإعلام؛ إذ أسس عام 1999 شركة «انجيت»، للإعلان والطباعة الرقمية، التي نمت أيضاً بسرعة وعُرفت في جميع أنحاء العاصمة، وكانت أول شركة جعلت تقنية الطباعة الرقمية متوافرة في عموم مدغشقر. وازدهرت أعمال الشاب الطموح أكثر وتوسّع حضوره في مجال الإعلام، وبعد زواجه عام 2000، استثمر والدا زوجته في شركته وأتاحا له الحصول على شركة الإعلانات «دومابوب» عام 2001، بعدما كانت هذه الشركة تنافسه. ومن ثم، وعمل الزوجان على إدارة شركات العائلتين؛ ما أسهم في خصول راجولينا حصوله على لقب أفضل رجل أعمال في مدغشقر من قبَل البنك الفرنسي عام 2003.
- الرحلة إلى السلطة
مشاريع راجولينا الإعلامية الناجحة، أهّلته أيضاً لكسب نفوذ قوي في الدولة، ومهّدت لدخوله الساحة السياسية، عبر إنشاء حزب رسمي أسماه «تي جي في» - وتعني «الشباب الملغاشي المصمم» - . وبفضل هذا المنبر السياسي، ترشح لانتخابات منصب عمدة العاصمة أنتاناناريفو، وفاز بالمنصب.
ولم يتوقف قطار طموح الشاب المنطلق بقوة، إذ عارض بشدة الرئيس (يومذاك) مارك رافالومانانا. ومع حلول عام 2009، قاد سلسلة من التجمّعات السياسية في وسط أنتاناناريفو، للاحتجاج على سياسات رئيس بلاده، مستخدماً القنوات الإعلامية التي سبق واشتراها كمنافذ لنقد إدارة رافالومانانا، وسرعان ما حوّل صورته العامة إلى صورة زعيم معارض قوي، إلى أن أجبر الرئيس على تقديم استقالته. وفي 31 يناير (كانون الثاني) 2009، أعلن راجولينا، بدعم الجيش، أنه مسؤول عن شؤون البلاد، وقال «بما أن الرئيس والحكومة لم يتحملا مسؤولياتهما، فإني أعلن بالتالي أنني سأدير كل الشؤون الوطنية اعتباراً من اليوم».
وحكم راجولينا مدغشقر، اعتباراً مارس (آذار) 2009، وهو في عُمر الـ34 سنة كـ«رئيس انتقالي»، وبذا غدا أصغر رئيس في تاريخ البلاد، وفي قارة أفريقيا في ذلك الوقت.
غير أن انقلاب راجولينا قوبل برفض دولي واسع. إذ قاطع سفراء دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مراسم تنصيبه آنذاك، اعتراضاً على ما اعتبر «استيلاءً على السلطة» بطريقة غير دستورية، كما قرّر الاتحاد الأفريقي تعليق عضوية مدغشقر، مُعتبراً أن وصول راجولينا إلى الحكم «مُنافٍ للدستور». ومع هذا، لم يثنِ الموقف الدولي غير المرحِّب راجولينا عن مواصلة تنفيذ مخططه في الحكم. إذ اعتبر أن «صعوده جاء بعد انتفاضة شعبية». كذلك، أشار رئيس وزرائه الانتقالي مونجا روانديفو «لا نعتقد أننا نفذنا انقلاباً، بل نعتبر ذلك ممارسة مباشرة للديمقراطية».
- إجراءاته كرئيس
بعد وصوله إلى السلطة، حل آندري راجولينا مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية (مجلس النواب) ونقل صلاحياتها إلى مجموعة متنوعة من هياكل الحكم الجديدة التي ألقى على عاتقها مسؤولية الإشراف على التحول نحو سلطة دستورية جديدة. ثم دفع بتعديل دستوري أدى، من بين أمور أخرى، إلى خفض الحد الأدنى لسن المرشحين للرئاسة من 40 إلى 35 سنة؛ ما جعله مؤهلاً للترشح لهذا المنصب.
ووافق الناخبون على الدستور الجديد في استفتاء وطني نظمته إدارة راجولينا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، وبذا أعلن قيام «الجمهورية الرابعة»، وحدد 2013، موعداً للانتخابات الجديدة.
ولكن، تحت ضغط دولي، لم يخض راجولينا انتخابات عام 2013، وبدلاً من ذلك، دعم وزير المال السابق المنتصر هيري راجاوناريمامبيانينا. وفي الانتخابات الأخيرة، التي أجريت في ديسمبر (كانون الأول) 2018، فاز راجولينا على منافسه الرئيس وسلفه رافالومانانا في انتخابات شابتها ادعاءات بالتزوير من خصومه. وجرى تنصيبه من جديد رئيساً لمدغشقر يوم 19 يناير 2019، وبعدما أدّى القسم الرئاسي أمام 9 قضاة من المحكمة الدستورية في ملعب رياضي بالعاصمة إنتاناناريفو، قال راجولينا «للمرة الأولى في تاريخ جمهورية مدغشقر، منذ عودة الاستقلال، نشهد تغييراً ديمقراطياً ونقلاً سلمياً للسلطة بين رئيسين مُنتخبين». ومن ثم، وعد بأن «لا أحد سيكون فوق القانون، وسنستعيد قيم سيادة القانون»، مُتعهداً بتعزيز النمو الاقتصادي في البلاد التي تعدّ من أفقر بلدان العالم؛ إذ قال «سنبني مصانع في عاصمة كل إقليم لتأمين فرص عمل».
- مشجّع كروي
بحضوره الحيوي وتشجيعه الحماسي، متخلياً عن رابطة العنق وزيه الرسمي، لفت آندري راجولينا الأنظار بشدة خلال تشجيعه منتخب بلاده لكرة القدم، من مُدرجات استاد الإسكندرية في مصر، إبان مُنافسات كأس الأمم الأفريقية عام 2019، التي وصلت إليها بلاده للمرة الأولى في تاريخها. ولقد حرص راجولينا على مؤازرة مُنتخب بلاده، متخلياً عن بروتكولات الرؤساء. ونزل غير مرة إلى غرف تبديل ملابس اللاعبين لتحفيزهم قبل المباريات، خاصة المباراة التي جمعت منتخب بلاده مع منتخب الكونغو الديمقراطية والتي تمكن فيها المنتخب الملغاشي من تحقيق إنجاز تاريخي بالتأهل إلى ربع نهائي بطولة أمم أفريقيا. وحقاً، ظهر الرئيس في حالة من الفرح العارم، إلى جانب زوجته ميالي، التي حرصت على الظهور بقميص المنتخب الأخضر، فاكتسبا إعجاباً كبيراً في القارة الأفريقية بسبب تفاعلهما التلقائي مثل أي مشجع عادي.
- أعشاب لعلاج «كوفيد ـ 19»
كعادته حصد راجولينا شهرة عالمية جديدة خلال أزمة جائحة فيروس «كوفيد - 19»، عندما أعلن توصل بلاده إلى علاج بالأعشاب ضد الفيروس، وأطلق عليه «كوفيد أورغانكس»، رفضاً الانتقادات الموجه للعلاج، وقال إنها جاءت لأن «الدواء أفريقي». ومن ثم، عبّر عن رفضه للانتقادات التي وجهت إلى «العلاج»، الذي «اكتشفته» بلاده ضد الفيروس، وهو عبارة عن مشروب من خلاصات الأعشاب. وقال، إن المشككين في هذا العلاج يشككون فقط لأنه يأتي من أفريقيا «ولا يمكنهم الاعتراف بأن دولة مثل مدغشقر... توصلت إلى هذا العلاج لإنقاذ العالم»، مضيفاً أنه «لا يجوز الاستهانة بالعلماء الأفارقة». كذلك، رفض خلال مقابلة مع قناة «فرانس24»، الانتقادات التي استهدفته لترويجه للعلاج، متهماً الغرب بازدراء الطب الأفريقي التقليدي.
هذا، ويؤمن راجولينا بأن الغرب لا يريد التقدم لبلاده أو لدول العالم الثالث بشكل عام، متابعاً «لو لم تكن مدغشقر هي التي اكتشفت هذا العلاج ولو كانت دولة أوروبية هي التي اكتشفته، فهل سيكون هناك هذا الكم من الشك؟ لا أعتقد ذلك».
في أي حال، يحتوي هذا العلاج على نبتة لها خصائص مثبتة مضادة للملاريا، وأعشاب محلية أخرى. غير أن منظمة الصحة العالمية حذّرت مراراً من أن مشروب الأعشاب «كوفيد أورغانكس»، لم يُختبَر سريرياً. ورداً على مخاوف المنظمة، قال راجولينا بنبرة تحدٍ «لن يمنعنا أي بلد أو منظمة من المضي قدماً». وتابع «إن الدليل على فاعلية المشروب هو شفاء مرضانا... لقد شُفي المرضى بحصولهم على جرعات من (كوفيد أورغانكس) حصراً»، على حد زعمه.
غير أن الواقع يقول إن مدغشقر تواجه راهناً موجة «قاتلة» من فيروس «كوفيد - 19»، منذ دخول السلالة الجنوب أفريقية إلى الساحل الغربي للبلاد. وبين شح الأوكسجين ونقص الأدوية واكتظاظ المستشفيات، يبدو الوضع الصحي في طريقه للخروج عن السيطرة، وذلك رغم طمأنة السلطات الصحية. وفي هذه الأثناء، تقلل الأرقام الرسمية إلى حد بعيد من خطر الأزمة الصحية التي غرقت فيها البلاد.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.