أندريه راجولينا... رئيس مدغشقر المثير للجدل

لمّح إلى تورّط فرنسا في مخطط لاغتياله

أندريه راجولينا... رئيس مدغشقر المثير للجدل
TT

أندريه راجولينا... رئيس مدغشقر المثير للجدل

أندريه راجولينا... رئيس مدغشقر المثير للجدل

مستغلاً مهارته الإعلامية وعشقه اللافت للأضواء، منذ عمله «منسقاً للأسطوانات الغنائية» عندما كان العشرينات من عمره، استطاع أندريه راجولينا (47 سنة) رئيس جمهورية مدغشقر، جذب الانتباه العالمي إلى بلاده عبر تصريحاته وأخباره المثيرة للجدل دائماً، ولعل أشهرها إعلانه الكشف عن مشروب عشبي لعلاج «كوفيد - 19»، وأخيراً تلميحه بتورط فرنسا في محاولة اغتياله وقلب الحكم في المستعمرة الفرنسية السابقة.
فقد نجا راجولينا من محاولة اغتيال، وفق ما أعلنته النيابة العامة في مدغشقر، يوم 22 يوليو (تموز) الماضي، وجرى توقيف فرنسيين اثنين ومواطنين آخرين، خلال عملية أمنية على خلفية الأمر. ووفق النيابة، فإن المعتقلين كانوا يخططون لقتل مسؤولين كبار في الدولة، من بينهم الرئيس. ومع أن النيابة تحدثت عن وجود أدلة لدى أجهزة الأمن، فإن المدعي العام في مدغشقر لم يقدم أي معلومات بخصوص هذه الأدلة. أما الفرنسيان فهما شرطيان متقاعدان، كما ذكرت وكالة أنباء «تاراترا» المحلية التابعة لوزارة الاتصالات. ومن جانبها، قالت المدعية العامة برتين رازافياريفوني «لقد أوقف مواطنون أجانب وملغاش (أي مدغشقريون) في إطار تحقيق بشأن هجوم طال أمن الدولة». وتابعت «استناداً إلى الأدلة المادية التي نملكها، وضع هؤلاء الأفراد خطة للقضاء على العديد من الشخصيات الملغاشية وتحييدها بمن فيهم رئيس البلاد».
لم يخفِ رئيس مدغشقر آندريه راجولينا شكوكه حول تورط محتمل لفرنسا في مخطط لـ«الانقلاب» ببلاده. وقال بعد أسبوعين من توقيف المتهمين «إذا كانوا يريدون قتلي فذلك بسبب التزامي بحماية أمتنا». وأردف «من بين مدبري الاغتيال هناك كولونيل فرنسي قاد وحدات في تشاد وكوسوفو وأفغانستان». ومن ثم، دعا راجولينا، في مداخلة على القنوات التلفزيونية العامة، إلى «السماح للقضاء بمواصلة عمله»، مؤكداً «ليس لدي مشكلة شخصية في علاقاته مع فرنسا... وعلينا انتظار نتائج التحقيق التي ستكشف ما إذا كان عملاً منفرداً أم لا، والتحقيق هو الذي سيجيب على كل ذلك».
من ناحية أحرى، نفى راجولينا صلة الفاتيكان بالأمر، قائلاً «في السيرة الذاتية للعقل المدبر للخطة وبطاقات عمله، كتب أنه مستشار لرئيس أساقفة (العاصمة الملغاشية) أنتاناناريفو. لكن كل ما يمكنني قوله هو إنني تلقيت خطاباً من الفاتيكان يعبّر عن تضامنه معي، بعد محاولة الاغتيال هذه». وهنا تجدر الإشارة، إلى أن مدغشقر (أو الجمهورية الملغاشية) التي تغطي أرضها إحدى أكبر جزر العالم، كانت إحدى الدول الأفريقية الخاضعة للاستعمار الفرنسي، ونالت استقلالها عام 1960. هذا، ومَثُل المتهمان الفرنسيان أمام قاضٍ في الرابع من أغسطس (آب) (أب) الجاري، كما أعلن محاموهما. وقرّر القاضي توجيه الاتهام إليهما رسمياً واحتجازهما في سجن شديد الحراسة، وذلك بعد توقيفهما لمدة أسبوعين بتهم «تعريض أمن الدولة للخطر، والتآمر لقتل الرئيس، والتعامل مع مجرمين»
حسب دليل الشركات في مدغشقر، يدير فيليب ف. شركة استثمار واستشارات للمستثمرين الدوليين في مدغشقر. وكان هذا الكولونيل السابق في الجيش الفرنسي استقر في الجزيرة مطلع 2020، كما أشارت وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب). أما بول ر. فهو فرنسي ملغاشي يعرف الرئيس راجولينا جيداً، بل كان مستشاراً دبلوماسياً له حتى عام 2011، وهو يقدم نفسه على الإنترنت على أنه مستشار لأبرشية أنتاناناريفو التي نأت بنفسها عنه مؤكدة أنها ليست «مسؤولة عن الأشخاص الذين يستخدمون اسمها من دون تفويض صريح».
وبول ر. هذا، من مواليد 1963 وكان برتبة كابتن عندما غادر قوات الدرك في 1994، حسب مصدر في الدرك الفرنسي.
- مُنسّق أسطوانات عصامي
محاولة اغتيال آندري راجولينا الأخيرة، هي حلقة ضمن حلقات حياته المليئة بالإثارة، بفضل تطلعاته وسعيه للصعود. إذ وُلد راجولينا يوم 30 مايو (أيار) عام 1974، في مدينة أنتسيرابي، ثالث كبرى مدن مدغشقر، لعائلة كاثوليكية ثرية نسبياً من شعب الميرينا، أكبر الشعوب المكوّنة للنسيج الديمغرافي الملغاشي. أما والده فهو العقيد المُتقاعد روجيه إيف راجولينا، الذي حارب في صفوف الجيش الفرنسي في «حرب الجزائر» ويحمل جنسية مزدوجة.
مارس آندري راجولينا الرياضة مبكّرا وتفوق فيها، وفي سن الـ13 أصبح بطلاً وطنياً في لعبة الكاراتيه لفئة الناشئين وكان ذلك عام 1987. ومع أن ثراء أسرة راجولينا كان كفيلاً بتعليم ابنها، اختار آندري أن يوقف دراسته بعد المرحلة الثانوية، ليبدأ مشواره كريادي أعمال «عصامي»، كما يفضل أن يوصف نفسه. وكانت أول مهنة امتهنها هي مُنسّق أغاني «دي جي» في النوادي، حيث كان مولعاً بالموسيقى منذ صغره، ثم امتهن لاحقاً تعهد الأحداث الموسيقية في العاصمة أنتاناناريفو وتنظيمها.
وبالفعل، عام 1993 أسّس راجولينا شركة إنتاج للمناسبات أسماها «شو بيزنيس». وبفضل معرفته وشغفه، إلى جانب شبكة علاقات أبيه الواسعة، نجحت الشركة بشكل كبير. وبحلول العام التالي وتثبيت قدم الشركة واشتهارها بين الشباب في تنظيم الحفلات نظمت الشركة الحفل السنوي «لايف» يجمع الفنانين الموسيقيين الأجانب والملغاشيين. وسُرعان ما أسّس إذاعة «فيفا راديو» الخاصة به، التي كانت تبثّ مزيجاً متنوعاً من الموسيقى، وهكذا، بدأ نجم راجولينا يلمع أكثر على مستوى البلاد.
الشهرة أهّلت راجولينا أيضاً لاقتحام عالم الإعلام؛ إذ أسس عام 1999 شركة «انجيت»، للإعلان والطباعة الرقمية، التي نمت أيضاً بسرعة وعُرفت في جميع أنحاء العاصمة، وكانت أول شركة جعلت تقنية الطباعة الرقمية متوافرة في عموم مدغشقر. وازدهرت أعمال الشاب الطموح أكثر وتوسّع حضوره في مجال الإعلام، وبعد زواجه عام 2000، استثمر والدا زوجته في شركته وأتاحا له الحصول على شركة الإعلانات «دومابوب» عام 2001، بعدما كانت هذه الشركة تنافسه. ومن ثم، وعمل الزوجان على إدارة شركات العائلتين؛ ما أسهم في خصول راجولينا حصوله على لقب أفضل رجل أعمال في مدغشقر من قبَل البنك الفرنسي عام 2003.
- الرحلة إلى السلطة
مشاريع راجولينا الإعلامية الناجحة، أهّلته أيضاً لكسب نفوذ قوي في الدولة، ومهّدت لدخوله الساحة السياسية، عبر إنشاء حزب رسمي أسماه «تي جي في» - وتعني «الشباب الملغاشي المصمم» - . وبفضل هذا المنبر السياسي، ترشح لانتخابات منصب عمدة العاصمة أنتاناناريفو، وفاز بالمنصب.
ولم يتوقف قطار طموح الشاب المنطلق بقوة، إذ عارض بشدة الرئيس (يومذاك) مارك رافالومانانا. ومع حلول عام 2009، قاد سلسلة من التجمّعات السياسية في وسط أنتاناناريفو، للاحتجاج على سياسات رئيس بلاده، مستخدماً القنوات الإعلامية التي سبق واشتراها كمنافذ لنقد إدارة رافالومانانا، وسرعان ما حوّل صورته العامة إلى صورة زعيم معارض قوي، إلى أن أجبر الرئيس على تقديم استقالته. وفي 31 يناير (كانون الثاني) 2009، أعلن راجولينا، بدعم الجيش، أنه مسؤول عن شؤون البلاد، وقال «بما أن الرئيس والحكومة لم يتحملا مسؤولياتهما، فإني أعلن بالتالي أنني سأدير كل الشؤون الوطنية اعتباراً من اليوم».
وحكم راجولينا مدغشقر، اعتباراً مارس (آذار) 2009، وهو في عُمر الـ34 سنة كـ«رئيس انتقالي»، وبذا غدا أصغر رئيس في تاريخ البلاد، وفي قارة أفريقيا في ذلك الوقت.
غير أن انقلاب راجولينا قوبل برفض دولي واسع. إذ قاطع سفراء دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مراسم تنصيبه آنذاك، اعتراضاً على ما اعتبر «استيلاءً على السلطة» بطريقة غير دستورية، كما قرّر الاتحاد الأفريقي تعليق عضوية مدغشقر، مُعتبراً أن وصول راجولينا إلى الحكم «مُنافٍ للدستور». ومع هذا، لم يثنِ الموقف الدولي غير المرحِّب راجولينا عن مواصلة تنفيذ مخططه في الحكم. إذ اعتبر أن «صعوده جاء بعد انتفاضة شعبية». كذلك، أشار رئيس وزرائه الانتقالي مونجا روانديفو «لا نعتقد أننا نفذنا انقلاباً، بل نعتبر ذلك ممارسة مباشرة للديمقراطية».
- إجراءاته كرئيس
بعد وصوله إلى السلطة، حل آندري راجولينا مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية (مجلس النواب) ونقل صلاحياتها إلى مجموعة متنوعة من هياكل الحكم الجديدة التي ألقى على عاتقها مسؤولية الإشراف على التحول نحو سلطة دستورية جديدة. ثم دفع بتعديل دستوري أدى، من بين أمور أخرى، إلى خفض الحد الأدنى لسن المرشحين للرئاسة من 40 إلى 35 سنة؛ ما جعله مؤهلاً للترشح لهذا المنصب.
ووافق الناخبون على الدستور الجديد في استفتاء وطني نظمته إدارة راجولينا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، وبذا أعلن قيام «الجمهورية الرابعة»، وحدد 2013، موعداً للانتخابات الجديدة.
ولكن، تحت ضغط دولي، لم يخض راجولينا انتخابات عام 2013، وبدلاً من ذلك، دعم وزير المال السابق المنتصر هيري راجاوناريمامبيانينا. وفي الانتخابات الأخيرة، التي أجريت في ديسمبر (كانون الأول) 2018، فاز راجولينا على منافسه الرئيس وسلفه رافالومانانا في انتخابات شابتها ادعاءات بالتزوير من خصومه. وجرى تنصيبه من جديد رئيساً لمدغشقر يوم 19 يناير 2019، وبعدما أدّى القسم الرئاسي أمام 9 قضاة من المحكمة الدستورية في ملعب رياضي بالعاصمة إنتاناناريفو، قال راجولينا «للمرة الأولى في تاريخ جمهورية مدغشقر، منذ عودة الاستقلال، نشهد تغييراً ديمقراطياً ونقلاً سلمياً للسلطة بين رئيسين مُنتخبين». ومن ثم، وعد بأن «لا أحد سيكون فوق القانون، وسنستعيد قيم سيادة القانون»، مُتعهداً بتعزيز النمو الاقتصادي في البلاد التي تعدّ من أفقر بلدان العالم؛ إذ قال «سنبني مصانع في عاصمة كل إقليم لتأمين فرص عمل».
- مشجّع كروي
بحضوره الحيوي وتشجيعه الحماسي، متخلياً عن رابطة العنق وزيه الرسمي، لفت آندري راجولينا الأنظار بشدة خلال تشجيعه منتخب بلاده لكرة القدم، من مُدرجات استاد الإسكندرية في مصر، إبان مُنافسات كأس الأمم الأفريقية عام 2019، التي وصلت إليها بلاده للمرة الأولى في تاريخها. ولقد حرص راجولينا على مؤازرة مُنتخب بلاده، متخلياً عن بروتكولات الرؤساء. ونزل غير مرة إلى غرف تبديل ملابس اللاعبين لتحفيزهم قبل المباريات، خاصة المباراة التي جمعت منتخب بلاده مع منتخب الكونغو الديمقراطية والتي تمكن فيها المنتخب الملغاشي من تحقيق إنجاز تاريخي بالتأهل إلى ربع نهائي بطولة أمم أفريقيا. وحقاً، ظهر الرئيس في حالة من الفرح العارم، إلى جانب زوجته ميالي، التي حرصت على الظهور بقميص المنتخب الأخضر، فاكتسبا إعجاباً كبيراً في القارة الأفريقية بسبب تفاعلهما التلقائي مثل أي مشجع عادي.
- أعشاب لعلاج «كوفيد ـ 19»
كعادته حصد راجولينا شهرة عالمية جديدة خلال أزمة جائحة فيروس «كوفيد - 19»، عندما أعلن توصل بلاده إلى علاج بالأعشاب ضد الفيروس، وأطلق عليه «كوفيد أورغانكس»، رفضاً الانتقادات الموجه للعلاج، وقال إنها جاءت لأن «الدواء أفريقي». ومن ثم، عبّر عن رفضه للانتقادات التي وجهت إلى «العلاج»، الذي «اكتشفته» بلاده ضد الفيروس، وهو عبارة عن مشروب من خلاصات الأعشاب. وقال، إن المشككين في هذا العلاج يشككون فقط لأنه يأتي من أفريقيا «ولا يمكنهم الاعتراف بأن دولة مثل مدغشقر... توصلت إلى هذا العلاج لإنقاذ العالم»، مضيفاً أنه «لا يجوز الاستهانة بالعلماء الأفارقة». كذلك، رفض خلال مقابلة مع قناة «فرانس24»، الانتقادات التي استهدفته لترويجه للعلاج، متهماً الغرب بازدراء الطب الأفريقي التقليدي.
هذا، ويؤمن راجولينا بأن الغرب لا يريد التقدم لبلاده أو لدول العالم الثالث بشكل عام، متابعاً «لو لم تكن مدغشقر هي التي اكتشفت هذا العلاج ولو كانت دولة أوروبية هي التي اكتشفته، فهل سيكون هناك هذا الكم من الشك؟ لا أعتقد ذلك».
في أي حال، يحتوي هذا العلاج على نبتة لها خصائص مثبتة مضادة للملاريا، وأعشاب محلية أخرى. غير أن منظمة الصحة العالمية حذّرت مراراً من أن مشروب الأعشاب «كوفيد أورغانكس»، لم يُختبَر سريرياً. ورداً على مخاوف المنظمة، قال راجولينا بنبرة تحدٍ «لن يمنعنا أي بلد أو منظمة من المضي قدماً». وتابع «إن الدليل على فاعلية المشروب هو شفاء مرضانا... لقد شُفي المرضى بحصولهم على جرعات من (كوفيد أورغانكس) حصراً»، على حد زعمه.
غير أن الواقع يقول إن مدغشقر تواجه راهناً موجة «قاتلة» من فيروس «كوفيد - 19»، منذ دخول السلالة الجنوب أفريقية إلى الساحل الغربي للبلاد. وبين شح الأوكسجين ونقص الأدوية واكتظاظ المستشفيات، يبدو الوضع الصحي في طريقه للخروج عن السيطرة، وذلك رغم طمأنة السلطات الصحية. وفي هذه الأثناء، تقلل الأرقام الرسمية إلى حد بعيد من خطر الأزمة الصحية التي غرقت فيها البلاد.


مقالات ذات صلة

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

حصاد الأسبوع كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

هل نجح انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من سباق الرئاسة في تجنيب الديمقراطيين هزيمة... كانت تتجمع نُذُرها حتى من قبل «مناظرته الكارثية» مع منافسه الجمهوري

حصاد الأسبوع ديفيد لامي

ديفيد لامي... وجه الدبلوماسية البريطانية الجديد يواجه قضايا عالمية شائكة

انتهت 14 سنة من حكم حزب المحافظين باتجاه بريطانيا يساراً مع تحقيق حزب العمال تحت زعامة السير كير ستارمر فوزاً ساحقاً منحه غالبية ضخمة بلغت 172 مقعداً. وفي حين توقف المحللون طويلاً عند حقيقة أن هذا الفوز الساحق لم يأت نتيجة زيادة كبرى في نسبة التأييد عما حصل عليه العمال في الانتخابات السابقة قبل 4 سنوات، بل بسبب انهيار الأحزاب والقوى المنافسة للحزب في عموم المناطق البريطانية التي كان يسعى إلى كسبها. وحقاً أدى تحدّي حزب الإصلاح الانعزالي اليميني المناوئ للهجرة وللتكامل الأوروبي إلى قضمه نسبة عالية وقاتلة من أصوات المحافظين ما أدى إلى انهيارهم في معاقلهم التقليدية. كذلك انهار الحزب القومي الأسكوتلندي في أسكوتلندا، وكانت الحصيلة إعادة العمال هيمنتهم عليها. ومن جهة ثانية، بينما كانت القضايا الداخلية - والاقتصادية بالذات - في اهتمامات الناخبين، فإن أنظار المتابعين الدوليين اتجهت إلى معالم السياسة الخارجية للحكومة العمالية الجديدة، أما الوجه الجديد الذي سيقود الدبلوماسية البريطانية للسنوات القليلة المقبلة فهو وزير الخارجية الجديد ديفيد لامي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع جيريمي كوربن (رويترز)

سنوات المحافظين الـ14 الأخيرة غيّرت الكثير في بريطانيا

> شهدت السنوات الـ14 الأخيرة تغيّرات مهمة على مشهد الساحة السياسية البريطانية أثّرت في كيميائها داخلياً وبدلت الكثير من الأولويات والمقاربات لمعظم القضايا .

حصاد الأسبوع الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)

تونس... على أبواب انتخاباتها الرئاسية الجديدة

تعيش تونس هذه المدة أجواء ما قبل الانتخابات الرئاسية الثالثة منذ إطاحة حكم الرئيس زين العابدين بن علي في يناير (كانون الثاني) 2011. إذ أعلنت السلطات و«الهيئة العليا للانتخابات» عن انطلاق العملية الانتخابية رسمياً يوم 14 يوليو (تموز) الحالي. ومن المقرر الكشف عن القائمة النهائية للمرشحين المقبولين في آخر الأسبوع الأول من أغسطس (آب) المقبل، في حين تنطلق الحملات الانتخابية الرسمية خلال سبتمبر (أيلول) تأهباً ليوم الاقتراع العام وهو 6 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. بيد أن هذه الانتخابات تنظم في «مناخ استثنائي جداً» وفق معظم المراقبين، وسط استفحال مظاهر أزمة اقتصادية اجتماعية سياسية أثرت في خطب غالبية المرشحين والسياسيين وأولوياتهم. وبالتالي، تكثر التساؤلات حول مدى انعكاس الملفات الاقتصادية الاجتماعية «الحارقة» على العملية الانتخابية الجديدة وعلى المشهد السياسي... وهل سيستفيد من هذه الملفات ممثلو المعارضة والنقابات أم الرئيس قيس سعيّد، الذي أعلن رسمياً ترشحه لدورة ثانية، وعاد إلى اتهام «المتآمرين على الأمن القومي للبلاد» بتأزيم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وقطع الكهرباء والماء ومواد الاستهلاك عن المواطنين لأسباب سياسية وانتخابية أو «خدمة لأجندات أجنبية».

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)

روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

مطلع الشهر الماضي ذهب الأوروبيون إلى صناديق الاقتراع لتجديد عضوية البرلمان الأوروبي، فيما أجمعت الآراء على وصفها بأنها أهمّ انتخابات في تاريخ الاتحاد،

شوقي الريّس (بروكسل)

سنوات المحافظين الـ14 الأخيرة غيّرت الكثير في بريطانيا

جيريمي كوربن (رويترز)
جيريمي كوربن (رويترز)
TT

سنوات المحافظين الـ14 الأخيرة غيّرت الكثير في بريطانيا

جيريمي كوربن (رويترز)
جيريمي كوربن (رويترز)

> شهدت السنوات الـ14 الأخيرة تغيّرات مهمة على مشهد الساحة السياسية البريطانية أثّرت في كيميائها داخلياً وبدلت الكثير من الأولويات والمقاربات لمعظم القضايا الدولية.

والواقع، أن نهاية حكم العمّال قبل 14 سنة لم تشهد صدمة انتقال آيديولوجية، لسببين مهمين: السبب الأول أن ذلك الحكم، الذي بدأ عام 1997، اتسم بحقبة «اعتدال واقعي» تمثلت بحكومتي توني بلير وغوردون براون بعيداً عن الخط الاشتراكي الراديكالي الذي ساد الحزب تحت قيادتي مايكل فوت (1980 - 1983) وجيريمي كوربن (2015 - 2020)، وكذلك كان غريمه حزب المحافظين نفسه تحت قيادة «المعتدل» ديفيد كاميرون. والسبب الآخر، أنه حتى مع نهاية عهد حكومة براون، عجز كاميرون عن الانفراد بالحكم؛ ما اضطره إلى تشكيل ائتلاف «يمين وسط» مع حزب الديمقراطيين الأحرار.

بوريس جونسون (رويترز)

غير أن مرحلة «الاعتدالين» العمالي، ثم المحافظ انتهت مع نجاح يمين المحافظين المتطرف في ابتزاز كاميرون ودفعه إلى طرح مسألة الخروج من أوروبا (بريكست) في استفتاء شعبي ما كان يتوقع أن ينتهي بالتصويت الشعبي على الخروج. لكن هذا ما حصل، فاستقال كاميرون وتولت خلافته لمرحلة قصيرة تيريزا ماي - المقربة من تياره «المعتدل» - لكن فترة حكمها كانت سنوات التمهيد للابتعاد عن أوروبا وتشديد قبضة اليمين المتطرف على الحزب. وهذا أيضاً ما حصل، مع انتخاب بوريس جونسون زعيماً وتوليه على الأثر رئاسة الحكومة، قبل أن تطيحه وصدقيته مشاكل وحزازات وفضائح فاقمتها ظروف جائحة «كوفيد - 19».

تيريزا ماي (رويترز)

والأسوأ، أن إطاحة جونسون، من ناحية راكمت المشاكل - وكثرة منها نابعة عن عواقب «بريكست» الاقتصادية –، ومن ناحية ثانية زادت تشدد المتشددين الهاربين بـ«دوغماتيتهم» اليمينية إلى الأمام... ما أدى إلى تعاقب 4 رؤساء حكومات محافظة في بريطانيا خلال 5 سنوات، إحداها لم تعش شهرين من الزمن. وانتهت، بالتالي، مرحلة رهان «مؤسسة السلطة» على حزب المحافظين؛ إذ رحبت بـ«صفحة جديدة» يمثل فيها العمال السير كير ستارمر، وهو زعيم معتدل ومقبول على شاكلة توني بلير، يرتاح له مجتمع المال والأعمال، ويطمئن إليه محور واشنطن – تل أبيب – حلف شمال الأطلسي (ناتو).