«إنك بأعيننا» معرض قاهري يستلهم السيرة النبوية

من أعمال معرض «إنك بأعيننا»
من أعمال معرض «إنك بأعيننا»
TT

«إنك بأعيننا» معرض قاهري يستلهم السيرة النبوية

من أعمال معرض «إنك بأعيننا»
من أعمال معرض «إنك بأعيننا»

في تغريد تشكيلي خارج السرب؛ يأتي معرض «إنك بأعيننا»، الذي يستلهم سيرة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - والدين الإسلامي في أعمال فنية، متخذاً عنوانه من الآية الكريمة «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِكَ فَإِنَكَ بِأَعْيُنِنَا»، والذي يهدف إلى الرد على الإساءات المتكررة ضد الرسول والتعبير عما يحمله الإسلام من رُقي وتحضر.
المعرض، الذي يحتضنه متحف طه حسين بالعاصمة المصرية، يضم 60 لوحة، يدور مضمونها حول المفاهيم الإسلامية والعبادات اليومية، والأخلاق الكريمة التي حضّ عليها الرسول، ومنهج الإسلام في المعاملات الحياتية، محاولاً ألا يكون الرد على الرسوم المسيئة بالأسلوب نفسه، ولكن بشكل بنّاء وإيجابي، يرقى بالنفس ولا يسخر أو يهين أحداً، ويحترم الأديان كافة.
يقول محمد رزق، صاحب فكرة ومنظم المعرض، لـ«الشرق الأوسط»، «كفنانين تشكيليين منحنا الله لغة التعبير بالفن، ومن خلال ما نملكه من موهبة وأدوات يأتي دورنا في الدفاع عن الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم، والتعبير عن رفضنا للسخرية المتكررة منه عبر الرسومات المسيئة؛ فالدفاع عنه ليس فقط بمقاطعة المنتجات وإطلاق الرسوم التي استخدمت حول العالم الإسلامي، لكن رؤيتنا كانت نابعة من إيماننا بالفن، وأننا نستطيع من خلاله تقديم رسالة عن المعنى الحقيقي للإسلام».
بعرضه هذه الرؤية على عدد من الفنانين التشكيلين، وجمعيات الفن التشكيلي، وكذلك مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، وجدت الفكرة إقبالاً كبيراً، وتحمس لها العديد من الفنانين من الدول العربية، حيث جذبتهم فكرة أن يعبروا عن جمال دينهم، ومع كثرة الأعمال طيلة الأشهر الماضية كانت فكرة إقامة معرض يضمها، ليكون أول معرض من نوعه في العالم، وتم اختيار القاهرة محطةً للدورة الأولى، على أن ينتقل قريباً لعواصم عربية أخرى في دوراته المقبلة كنوع من تبادل الثقافات الفنية.
لجأ الفنانون المشاركون بالمعرض إلى فرشاتهم، مستدعين مواقف من حياة الرسول والصحابة، وأخلاقيات الإسلام، فمن بين المشاركات استدعت الفنانة ولاء أشرف فوزي، الموقف الشهير يوم فتح مكة عندما أمر النبي محمد بلال بن رباح بأن يعتلي الكعبة، ويؤذّن فوقها، وعندما لم يَرُق صوته لبعض مَنْ سمعه من أهل مكة، نزلت الآية الكريمة «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ». وتلفت ولاء، إلى أن ما أرادت التعبير عنه في هذا الموقف هو فكرة المساواة التي أرساها الإسلام، وأنه لا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
أما الفنانة إيثار سمير، فاختارت المقارنة بين نور الإسلام وظلام الجاهلية عبر الألوان والمفردات البيئية في لوحتها التي قسمتها إلى نصفين لبيان هذه المقارنة، ففي النصف الأيسر الذي يبدو بالألوان القاتمة عبّرت الفنانة عن مظاهر الرِق والعبودية وانتشار الخمور والأصنام، في حين يأتي النصف الأيمن من اللوحة لبيان النقيض بعد دخول الإسلام لشبه الجزيرة العربية، حيث تستخدم الألوان الدافئة للإشارة إلى القضاء على العبودية، وانتشار الفتوحات الإسلامية، وتعلم القرآن.
لم تقتصر المشاركات على الفنانين المسلمين فقط؛ حيث جذبت فكرة المعرض الفنان أيوب فوزي، المسيحي الديانة، للمشاركة فيه بعمل يدافع فيه عن صورة الإسلام، يقول لـ«الشرق الأوسط»، «تربيت في مجتمع لا فارق فيه بين المسلم والمسيحي، وأزعجني أن أرى ما يسيء لنبي الإسلام، فالأديان كافة تحرّم أن أهين أو أسب أي شخص؛ لذا لم أتوان عن المشاركة في المعرض، لأبيّن صورة الإسلام التي ألمسها عن قرب».
ويلفت إلى أن مضمون عمله يدور حول كيف حافظ الإسلام على الهوية المصرية، فمع الفتح الإسلامي لمصر لم يقترب من المعابد الفرعونية أو الرموز المسيحية، فالإسلام لم يمح الهوية المصرية وانتشر بسلام بين أهل مصر.
«الإسلام دين الوفاء والرحمة»، بهذا العنوان جاءت لوحة الفنانة ماهيتاب محمد، التي تقول «لم تقتصر وصايا الإسلام على الرحمة بالإنسان بل تمتد إلى الحيوان والرفق به، ومع ما نراه من انتشار قتل الحيوانات وعدم الرحمة بها، كانت رسالتي الفنية أن الإسلام جعل الرحمة بالحيوان سبباً لدخول الجنة».
وتأتي مشاركة المصور الفوتوغرافي حسام عنتر، لتعبّر عن سعي الإنسان المسلم إلى صفاء روحه، متخذاً من «المولوية» - ذلك الطقس الصوفي - رمزاً لمحاولة كبح جماح النفس ورغباتها، والارتقاء بها، للتقرب إلى الخالق.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».