هل ورثت إيران دور سوريا في «صندوق» مزارع شبعا؟

قصف مدفعي إسرائيلي على جنوب لبنان أول من أمس (أ.ب)
قصف مدفعي إسرائيلي على جنوب لبنان أول من أمس (أ.ب)
TT

هل ورثت إيران دور سوريا في «صندوق» مزارع شبعا؟

قصف مدفعي إسرائيلي على جنوب لبنان أول من أمس (أ.ب)
قصف مدفعي إسرائيلي على جنوب لبنان أول من أمس (أ.ب)

في يوليو (تموز) 2001، قصف «حزب الله» موقع رادار إسرائيلياً، رداً على استهداف تل أبيب راداراً للجيش السوري في سهل البقاع اللبناني، بعد قصف من الحزب على مواقع في مزارع شبعا.
وبعد عشرين سنة، يقصف الحزب «أراضي مفتوحة» في شبعا، وترد إسرائيل بقصف مدفعي، في إشارة إلى التزام الطرفين بـ«قواعد الاشتباك» التي وضعت في 2006، بعد اختبار إمكانية تغييرها وربط جنوب لبنان بـ«حرب الظل» البحرية والبرية بين إسرائيل وإيران.
لكن، كيف أصبحت «جبهة الجنوب» مرتبطة بطهران أكثر مما هي مرتبطة بدمشق؟ وما علاقة الجولان بمزارع شبعا؟ وهل من رابط بين تصعيد درعا ومفاوضاتها واختبار جنوب لبنان؟
بعد تسلمه الحكومة في بداية 2001، حاول أرييل شارون تغيير «قواعد اللعبة» في لبنان، عندما رد على هجمات «حزب الله» بشن غارات على قوات سورية في لبنان، لأول مرة منذ 1982، بعدما كانت الهجمات الإسرائيلية تقتصر سابقاً على أهداف لبنانية. وقتذاك، كانت دمشق صاحبة «كلمة السر»، فتجنَّبت الانجرار إلى مواجهة مباشرة، وأوكلت الأمر إلى «حزب الله»، فكان تبادل الرسائل من بوابة مزارع شبعا، التي أصبحت «صندوق الرسائل» بعد انسحاب إسرائيل في منتصف عام 2000: رادار إسرائيلي مقابل رادار سوري، والمنفّذ «حزب الله».
منذ ذلك الحين، جرت مياه كثيرة في لبنان وسوريا والمنطقة، هذه بعض محطاتها:
أولاً، بعد انسحاب إسرائيل من لبنان، في مايو (أيار) 2000. قالت دمشق و«حزب الله» إن مزارع شبعا هي أراضٍ لبنانية محتلة، بصرف النظر عن ولاية الأمم المتحدة عليها، باعتبارها أرضاً سورية محتلة منذ 1967. وأبلغ وزير الخارجية السوري السابق فاروق الشرع ذلك إلى الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق، كوفي عنان، في 16 مايو (أيار)، ما شكل أرضية لـ«مقاومة حزب الله».
ثانياً، رحيل الرئيس حافظ الأسد، وتسلُّم الرئيس بشار الأسد في يونيو (حزيران)، وتغير المعادلة بين دمشق و«حزب الله» وأمينه العام حسن نصر الله، الذي وعد لدى زيارته ضريح الأسد في القرداحة في 2001 بـ«تحرير مزارع شبعا».
ثالثاً، الانسحاب العسكري السوري من لبنان في أبريل (نيسان) 2005، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وتنظيم «حزب الله» مسيرة «الوفاء لسوريا»، وزيادة دور الحزب في لبنان، وتصاعد نفوذ إيران على حساب دور دمشق، وحلفائها التقليديين.
رابعاً، كانت سوريا وإسرائيل، بفضل وساطة أميركية، على حافة توقيع اتفاق سلام في نهاية فبراير (شباط) 2011، قبل اندلاع الاحتجاجات السورية. وقد صاغ الوسيط الأميركي فريد هوف مسودة تضمنت قطع دمشق لـ«العلاقات العسكرية» مع طهران و«حزب الله»، و«تحييد» أي تهديد لإسرائيل، مقابل استعادتها الجولان المحتل إلى خط 4 يونيو (حزيران) 1967. وقال هوف إن الرئيس بشار الأسد أبلغه أن مزارع شبعا «أرض سورية، وليست لبنانية»، وتوقع الأسد أن ينخرط لبنان في معاهدة سلام مع إسرائيل، إثر الاتفاق السوري، وأن هذا سينعكس على دور إيران و«حزب الله».
خامساً، بدء الاحتجاجات في سوريا في ربيع 2011، ثم تدخل «حزب الله» وإيران للدفاع عسكرياً عن حليفه في دمشق، ثم انتقالهما إلى تعزيز وجودهما العسكري في مناطق سورية، خصوصاً في الجنوب، وربط جبهة الجولان بـ«جبهات» إيران الأخرى في الشرق الأوسط.
سادساً، تدخل الجيش الروسي في سبتمبر (أيلول) 2015، ودعم قوات الحكومة لاستعادة السيطرة ومنع الانهيار، وتحويل سوريا قاعدة روسية ونقطة انطلاق في الشرق الأوسط، ثم رعاية موسكو لاتفاقات وتسويات، بينها واحدة في منتصف 2018، تضمنت إخراج إيران من جنوب سوريا قرب حدود الأردن وهضبة الجولان.
سابعاً، بدء إسرائيل شن غارات ضد «مواقع إيران» و«حزب الله» في سوريا، لفرض «خطوط حمر» تشمل: منع إقامة قواعد عسكرية إيرانية، منع إيصال صواريخ دقيقة إلى «حزب الله»، منع التموضع العسكري وتأسيس خلايا في الجولان. وقامت أميركا بالتمركز في قاعدة التنف في زاوية الحدود السورية - الأردنية - العراقية، لقطع طريق طهران - دمشق - بيروت. وللدلالة إلى ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي في تقريره السنوي لعام 2020 أنه نفذ 50 غارة جوية على أهداف في سوريا، وأطلق أكثر من 500 قذيفة وصاروخ.
ثامناً، تحول سوريا إلى «صندوق بريد» بين إيران وإسرائيل. عندما اغتيل جهاد مغنية، ابن القيادي في الحزب عماد مغنية بقصف إسرائيلي في الجولان في بداية 2015، كان التصعيد «محدوداً ومتفقاً عليه» عبر مزارع شبعا، في إطار استمرار الطرفين التزام «قواعد اللعبة» المرسومة بعد حرب يوليو (تموز) 2006، وصدور القرار 1701.
وفي فبراير (شباط) 2018، أسقطت الدفاعات السورية طائرة «إف 16» إسرائيلية، رداً على ضربات إسرائيلية غداة اختراق «درون» إيرانية أجواء إسرائيل، وردت تل أبيب بغارات ضد مواقع سورية وإيرانية و«غرفة القيادة». وكانت تلك هي المرة الأولى التي تتواجه فيها إسرائيل وإيران بصورة مباشرة منذ «الثورة» الإيرانية، في عام 1979، وبدء الصراع بالوكالة بين إسرائيل وإيران، وأوسع هجوم ضد قوات سورية، منذ حرب لبنان عام 1982.
وأصبح الجولان جزءاً من «جبهات» الرد. وقتذاك، مرت طائرة إيرانية لشركة «ماهان إير» فوق قاعدة التنف لاختبار الرد الأميركي، فاقتربت مقاتلة «إف 15» من الطائرة الإيرانية لمسافة قريبة جداً، كما جرى إطلاق النار من ريف القنيطرة إلى الجولان، وردت عليه مروحيات إسرائيلية بجولة قذائف.
تاسعاً، لأول مرة، بدأت روسيا بالإعلان عن تفاصيل الغارات الإسرائيلية ضد مواقع إيران والحزب في سوريا، مع تسريبات عن تسليم دمشق منظومة صواريخ جديدة لإغلاق الأجواء السورية أمام الطائرات الإسرائيلية. وتزامن ذلك مع جهود من قيل روسيا لتنفيذ التزاماتها في اتفاق الجنوب السوري في درعا، وردع محاولات إيرانية للتقدم فيها هناك، بعد شكاوى أردنية وإسرائيلية وأميركية وصلت إلى موسكو.
عاشراً، أعلنت مصادر إيرانية أن هجمات «الدرون» على الناقلة الإسرائيلية في خليج عمان، التي قُتِل فيها اثنان، بريطاني وروماني، في أول تصعيد مباشر من نوعه، كانت رداً على الغارات الإسرائيلية في وسط سوريا، التي أسفرت عن مقتل قياديين من «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» في يونيو (حزيران) الماضي.
أعقب ذلك سقوط قذائف على شمال إسرائيل وليس شبعا، ولا من الجولان، فاستهدفت إسرائيل جنوب لبنان بقصف جوي وليس مدفعياً، لأول مرة منذ 2006. لكن سرعان ما عاد الطرفان إلى شبعا، «صندوق الرسائل» القديم، لكن الرسائل هذه المرة بين تل أبيب وطهران، اللتين تخوضان «حرب ظل» وأخرى مباشرة. فإسرائيل، برئاسة نفتالي بينيت، غير راضية عن مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي، وإيران، برئاسة إبراهيم رئيسي، تريد أن تشهر «أوراقها» في «الجبهات» العربية.



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.