فعاليات ثقافية تغادر أجواء القاهرة الحارة إلى الشواطئ

حفلات توقيع ومعارض تشكيلية من أبرزها

TT

فعاليات ثقافية تغادر أجواء القاهرة الحارة إلى الشواطئ

مع اشتداد لهيب شمس الصيف في العاصمة المصرية القاهرة، وزيادة أعداد المصطافين، نقلت مراكز ثقافية وغاليرهات تشكيلية أنشطتها إلى شواطئ البحر لتتماهى مع أجواء الصيف والإجازات.
على مدار سنوات، أصبحت الحفلات الغنائية لكبار المطربين واحدة من طقوس الصيف وبهجته، في الساحل الشمالي المصري، إلا أن هذا العام انضمت حفلات توقيع الكتب الجديدة، لاختيارات المصطافين، تلك التي اعتاد الجمهور على ارتيادها كطقوس تقليدية داخل جدران المكتبات بالمدن، إلا أن طبيعة الصيف وفترة الإجازات لا تمنع من التشجيع على القراءة كما تقول الناشرة المصرية فاطمة البودي، التي تقوم خلال فترة عطلتها الصيفية هذه الأيام بتنظيم فعاليات ثقافية بالقرب من البحر بمنطقة الساحل الشمالي، (أقصى شمال مصر)، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لأن الكتب كانت واحدة من وسائل الاستجمام التي ترتبط بفترات الإجازات، واصطحابها على الشاطئ أو خلال فترات السهر تعد من أمتع الأنشطة، قررنا هذا العام تنظيم حفل توقيع بحضور مؤلفته، وهو كتاب (برج الحوت) للكاتبة جليلة القاضي، على أن يكون حفل التوقيع بصورة بسيطة وخفيفة، كما قمنا بإتاحة قائمة من إصدارات دار نشر (العين) في أول مكتبة للاستعارة المجانية تم افتتاحها أخيرا في نادي سيارات مارينا كنوع من التشجيع على أن تكون الكتب متاحة بين يد المصطافين».
وتعتبر فاطمة البودي، صاحبة دار (العين) للنشر، أن فكرة الانتقال الأوسع للثقافة هي فلسفة أصيلة، وهي التي بنيت على أساسها فكرة قصور الثقافة في المحافظات والقرى المختلفة، لذا فمن الجيد محاولة تعزيز فكرة وصول المنتج الثقافي إلى محطات التصييف والإجازات، فهناك دائما متسع ووقت للاستمتاع بالقراءة على حد تعبيرها.
وافتتحت مكتبة «ديوان» التي تعد واحدة من المكتبات التي اشتهرت بفروعها في أحياء متفرقة في عدد من المحافظات المصرية، أحد فروعها أخيراً بمنطقة الساحل الشمالي، وحسب ليال الرستم، مديرة العلاقات العامة بالمكتبة، فإن هذا «الفرع يواكب فكرة خلق مناخ وتجربة ممتعة للقراءة بجوار البحر»، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن «حفلات التوقيع التي استضافها فرع المكتبة خلال هذا الصيف كانت تتسم بطابع خفيف يتماشى مع طبيعة موسم التصييف، وتسوده مناقشات ودية مع صاحب الكتاب، كما يترك الكاتب بعض النسخ الموقعة باسمه، فهناك عدد كبير من المصطافين الذين يبحثون عن أنشطة ممتعة ومنها فعاليات القراءة واصطحاب الكتب، أو المطالعة داخل المكتبة بصحبة كوب من القهوة، فهذه الأجواء تجد إقبالاً كبيراً هذه الأيام، خصوصاً أن الكثيرين يبحثون عما تتيحه القراءة من طبيعة هادئة، بعيدا عن الشاشات والتلفزيون».
وإلى جانب الكتب، انتقلت اللوحات والمنحوتات كذلك إلى جوار البحر، فقبل أيام أعلن غاليري «بيكاسو» افتتاح معرضه الصيفي بقرية «مراسي» في الساحل الشمالي، ويعرض أعمال نحو 30 فنانا تشكيليا من بينهم جورج بهجوري وعمر النجدي، وسمير فؤاد وحلمي التوني ونورا بركة ورندا فخري.
وفي مدينة الجونة (منتجع سياحي يقع بمدينة الغردقة على ساحل البحر الأحمر)، افتتح غاليري «أيسيل آند كاميرا» قاعة عرض دائمة بالمدينة بجوار البحر، وتعتبر الفنانة وئام المصري أن افتتاح قاعة عرض خارج القاهرة هي محاولة لتوسيع دائرة اقتناء الفن التشكيلي، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «اقتناء الفن بشكل عام يرتبط بالهدوء والتأمل وهو ما يتيحه الجو العام لمكان مثل الجونة، علاوة على أنه يستضيف في الفترة الأخيرة فعاليات فنية كثيرة تجعل الفن التشكيلي في بؤرة الرؤية لزوارها ومصطافيها».
ورغم ارتفاع درجة الحرارة نسبيا في مدينة الجونة مقارنة بالمدن الساحلية الشمالية الأخرى، فإن العديد من المصريين يتوجهون خلال فترة الإجازات الصيفية لتلك المدينة وغيرها من مدن البحر الأحمر صيفاً، ما جعل هناك انطباعات جيدة وتفاعل مع أعمال الغاليري الذي افتتح أولى معارضه بمنحوتات متنوعة، يتم عرض الأحجام الكبيرة منها في الهواء الطلق أمام الغاليري، ما يجعل هناك متنفسا يجمع بين الاستمتاع بالبحر والفن.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».