آثار ماتشو بيتشو في بيرو قد تكون أقدم مما كنا نعتقد

بعد الاختبارات العلمية يواجه المؤرخون مهمة إعادة التفكير في تأريخ موقع الإنكا بالقرن الـ15 (شاترستوك)
بعد الاختبارات العلمية يواجه المؤرخون مهمة إعادة التفكير في تأريخ موقع الإنكا بالقرن الـ15 (شاترستوك)
TT

آثار ماتشو بيتشو في بيرو قد تكون أقدم مما كنا نعتقد

بعد الاختبارات العلمية يواجه المؤرخون مهمة إعادة التفكير في تأريخ موقع الإنكا بالقرن الـ15 (شاترستوك)
بعد الاختبارات العلمية يواجه المؤرخون مهمة إعادة التفكير في تأريخ موقع الإنكا بالقرن الـ15 (شاترستوك)

يشير التأريخ بالكربون المشع للعظام والأسنان البشرية في أطلال بيرو إلى أن شعوب الإنكا عاشت لأول مرة بالقلعة في نحو عام 1420، وليس بعد عام 1440.
ربما تكون شعوب الإنكا قد شيدت قلعة الأنديز في ماتشو بيتشو قبل عقود من التاريخ الذي كان معتقداً سابقاً. وخلص فريق من الباحثين في إطار دراسة نشروها بدورية «أنتيكويتي» إلى أن الاختبارات العلمية للبقايا البشرية من أنقاض الموقع القائم في بيرو كشفت عن أن الإنكا عاشت لأول مرة بالموقع في نحو عام 1420، وليس من بعد عام 1440 وهو التاريخ الذي كان مقبولاً على نطاق واسع. ويشكل هذا الاكتشاف تحدياً للرؤية الحالية التي يطرحها العلماء لتاريخ الإنكا، وقد يدفع كذلك بتاريخ التوسع الأول لإمبراطوريتهم سنوات إلى الوراء؛ وفق موقع «آرت نيوزبيبر».
استخدم العلماء سابقاً السجلات الاستعمارية الإسبانية لتحديد أقرب تاريخ لماتشو بيتشو، التي كانت بمثابة ضيعة ملكية للإنكا وبها قصر ملكي. بناءً على هذه الحسابات، بنى الإمبراطور باتشاكوتي الموقع بعد غزو المنطقة خلال حملاته للتوسع، مما أدى في النهاية إلى تأسيس إمبراطورية الإنكا. وتبعاً لهذه الرؤية التاريخية، تولى باتشاكوتي السلطة عام 1438، مما يعني أن الأحداث المهمة في عهده يجب أن تقع بعد هذا التاريخ.
الآن؛ فإن اختبار العظام والأسنان البشرية التي جرى العثور عليها عام 1912، في 3 كهوف للدفن في ماتشو بيتشو باستخدام تقنية التأريخ بالكربون المشع التي تسمى مطياف الكتلة المسرّع (تعرف اختصاراً باسم «إيه إم إس»)، أتاح إمكانية تحديد تواريخ أكثر دقة، علاوة على أنه كشف عن حدود القدرة في الاعتماد على السجلات الإسبانية.
وأوضح الباحثون في دراستهم أن «ندرة قياسات الكربون المشع الموثوق بها لماتشو بيتشو جاءت نتيجة للرأي السائد بين علماء الآثار العاملين في جبال الأنديز بأن مثل هذه التحليلات لم تكن ضرورية، لأن التأريخ الدقيق لمواقع الإنكا مثل ماتشو بيتشو يمكن تحديده على أساس الروايات التاريخية الإسبانية». وأضافوا: «حتى وقت قريب، أنتجت جهود العمل الأثري في كوزكو القليل من تواريخ الكربون المشع لمواقع فترة الإنكا، وحتى الدراسات المتعمقة الحديثة اعتمدت على التأريخ الإسباني».
وأوضح الباحثون أنه «يبدو أنّ العظام والأسنان التي جرى اختبارها، التي تنتمي إلى نحو 26 شخصاً، هي بقايا أشخاص عملوا هناك خدماً. يذكر أنّه عاش المئات من الخدم في ماتشو بيتشو على مدار العام لرعاية الموقع، رغم أن وجود نخبة الإنكا هناك كان موسمياً فقط».
وكتب الباحثون: «نظراً للاعتقاد بأن عينات العظام تتعلق بخدم الموقع، فإنه يجب أن تمتد هذه المقابر على تاريخ ماتشو بيتشو منذ استخدامها المبكر قصراً حتى التخلي عنها». وأظهرت نتائجهم أن الموقع كان مأهولاً بالسكان بشكل مستمر من نحو عام 1420 إلى 1530، مع عدم وجود أي دليل على استخدامه بعد الغزو الإسباني لبيرو عام 1532.
وقد يضطر علماء الآثار الآن إلى إعادة كتابة تاريخ إمبراطورية الإنكا المبكرة. وعن ذلك، أوضح الباحثون: «إذا كانت تواريخ (إيه إم إس) المقدمة هنا مدعومة بتحليلات مستقبلية فإن التقدير التقليدي المستند إلى النص بأن عام 1438 بعد الميلاد شهد اعتلاء باتشاكوتي العرش وفتوحاته الأولية، يجب أن يتراجع إلى ما لا يقل عن عقدين من التاريخ».
يذكر في هذا الصدد أن ماتشو بيتشو تعدّ من روائع الإنكا في مجالات الفن والعمارة والعمران والهندسة، وأحد مواقع التراث العالمي لليونيسكو منذ عام 1983.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».