الجانب المظلم من تاريخ لندن

آثار القتل والإعدام باقية في الشوارع وبرج لندن

لندن تخفي آثارا تاريخية مظلمة
لندن تخفي آثارا تاريخية مظلمة
TT

الجانب المظلم من تاريخ لندن

لندن تخفي آثارا تاريخية مظلمة
لندن تخفي آثارا تاريخية مظلمة

هناك جانب مظلم في تاريخ لندن الحافل منذ العصور الوسطى، وتوجد شواهد كثيرة على هذا التاريخ العنيف في بعض شوارع لندن التي جرت فيها جرائم قتل وشهدت ساحات إعدام. وهناك الكثير من الجولات السياحية التي تتقفى آثار جرائم سفاح لندن الشهير «جاك ذا ريبر» الذي ارتكب سلسلة من جرائم القتل ولم يلق القبض عليه أبدا. ولكن الجانب الأكبر من عمليات الإعدام جرت في برج لندن التاريخي الذي يعد أيضا من أهم الآثار السياحية في لندن إلى اليوم. وهناك لقي الكثير من الملوك والمشاهير البريطانيين نهايتهم.
في منطقة ماربل أرش التي يعرفها السياح العرب جيدا توجد علامة على أرض الطريق يطلق عليها اسم «تايبرن تري» في موقع كانت تقام فيه الإعدامات العامة شنقا بين عامي 1195 وحتى نهاية القرن الثامن عشر. وعبر السنين توسع الموقع من مشنقة واحدة إلى سلسلة من المشانق التي يمكن شنق 24 سجينا عليها في الوقت نفسه.
في هذا الموقع كانت النهاية المحتومة للكثير من مجرمي لندن، كما كان الموقع أحد أماكن الخروج والنزهة لعائلات لندن في نهاية الأسبوع لمتابعة أحداث الشنق وتناول المأكولات والمشروبات من الباعة الجائلين. وفي بعض المناسبات كان الحضور كثيفا إلى درجة أنه بالمقاييس الحديثة كان يماثل حضور مباراة كرة قدم في استاد مليء عن آخره بالجمهور.
ودخل هذا الموقع التاريخ في عام 1661 عندما أمر الملك تشارلز الثاني بشنق الثائر أوليفر كرومويل عقابا على دوره في إعدام الملك تشارلز الأول. هذا على الرغم من كرومويل كان قد مات بالمرض قبل ذلك بعامين. وتمم سحب جثة كرومويل من قبرها وتقطيعها وتعليق رأسه على مبنى الحكومة في وستمنستر آبي حتى عام 1685.
ولم ينته هذا النوع من الإعدامات العامة في موقع تايبرن تري إلا في عام 1788 عندما انتقلت الإعدامات إلى سجن نيوغيت. وتم هدم هذا السجن في عام 1902 وبناء محكمة «أولد بيلي» للجنايات التي ما زالت تنظر القضايا الجنائية الكبرى إلى الوقت الحاضر.
ويعد السفاح جاك ذا ريبر هو أشهر قاتل في تاريخ لندن على الرغم أنه شخصية مجهولة لا يعرف أحد عنها شيئا يذكر كما انه لم يحاكم أبدا على جرائمه. وهناك مكتبات بها أركان كاملة عن كتب تتقفى أثر جاك ذا ريبر أو تقترح نظريات عن هويته. وشملت النظريات أشخاصا كثيرين من جراح الملك إلى مؤلف اسمه لويس كارولز ولكن أحدا لم يقدم أي دليل قاطع على هوية هذا السفاح.
ضحايا جاك ذا ريبر كلهن من النساء الساقطات، وجميع جرائمه وقعت في شرق لندن، وخصوصا في منطقة وايت تشابل. والصفة الوحيدة المعروفة عن سفاح لندن هو أنه كان أشول يستخدم يده اليسرى في القتل. وتميزت جرائم السفاح التي قضى فيها على خمس نسوة على الأقل بالعنف الشديد والتمثيل بالجثث. وزاد عنف الجرائم مع مرور الوقت إلى درجة أن الضحية الأخيرة، واسمها ماري كيلي، تم التعرف عليها بصعوبة لأن القاتل شوه كل جزء في جثتها. وأثار هذا السفاح الرعب في لندن في ذلك العصر.
وفشلت كل جهود سكوتلاند يارد (شرطة لندن) في ضبط السفاح أو إحضاره إلى العدالة. ويقال إن أشباح بعض الضحايا تظهر بين الحين والآخر في منطقة وايت تشابل في المواقع التي قتلوا فيها. وتنظم الآن جولات سياحية تتقفى أثر سفاح لندن وتمر على مواقع ارتكاب جرائمه بداية من حانة اسمها «تن بيلز» تعمل منذ عام 1752 وارتادها بعض ضحايا السفاح قبل قتلهن.
أما أشهر موقع دموي في تاريخ لندن فهو برج لندن (تاور أوف لندن) وهو شاهد على تاريخ لندن الحالك من الإعدام والسجن للكثير من الشخصيات، أحيانا لأسباب تافهة أغضبت الملك أو الملكة.
وبدأت أعمال بناء البرج في عام 1078 من الملك ويليام واكتمل المجمع في عام 1660. وعلى مر السنين تم استخدام البرج كقلعة حماية وخزانة لجواهر العائلة المالكة ومخزن سلاح وأحيانا كقصر ملكي ومرة كحديقة حيوانات. ولكن أشهر استخدامات البرج كانت كسجن ومقر إعدامات.
واستقبل برج لندن الكثير من المشاهير من بينهم الملكة إليزابيث الأولى أثناء حكم أختها ماري. وكانت الإعدامات تجري بأسلوب الذبح بفصل الرأس عن جسم الضحية بمقصلة يدوية وذلك أمام البرج بحضور العامة. وأعدمت بهذا الأسلوب الملكة آن بولين زوجة الملك هنري الثامن وذلك في عام 1536 بتهمة الخيانة.
السير والتر رالي المكتشف المشهور ذاق مرارة سجن برج لندن مرتين، الأولى لزواجه من دون إذن الملكة إليزابيث الأولى والثانية بتهمة الخيانة، وبعدها تم إعدامه وقامت زوجته بتحنيط رأسه والاحتفاظ بها. كما تم سجن وإعدام غاي فوكس في عام 1605 لمحاولته حرق مبنى البرلمان بتفجيره.
وشملت إعدامات البرج أسماء مثل الملكة جين التي حكمت لمدة تسعة أيام فقط، وكان عمرها 16 عاما والفايكونت روتشفورد وزوجة هنري الثامن الأولي كاثرين واللورد غيلفورد دادلي والسير توماس مور لرفضه سلطة الملك هنري الثامن الدينية. وتمتد لائحة الإعدامات حتى عام 1745 بإعدام سايمون فريزر لدوره في ثورة ضد الملك. وكان معظم السجناء في البرج يعذبون قبل إعدامهم.
وشهد البرج في القرن العشرين سجن وإعدام الجواسيس الألمان في الحرب العالمية الثانية وكان إعدامهم يتم بالرصاص أمام سور البرج. وكان أشهر سجين ألماني في القصر هو مساعد هتلر، رودلف هيس.
وكانت المرة الأخيرة التي استخدم فيها برج لندن كسجن في الستينات عندما تم اعتقال رونالد وريجنالد كراي لتروعيهما منطقة شرق لندن بنشاطهما الإجرامي.
وفي لندن الحديثة وقعت بعض الجرائم المروعة كان أشهرها في عام 1811 وراح ضحيتها سبعة أشخاص من بينهم طفل رضيع. وتم القبض على القاتل ولكنه وجد مشنوقا قبل محاكمته. وطافت الجماهير بجثته في شوارع لندن وطعنوا جثته عبر القلب «للتخلص من روحه الشريرة».
إن المعيشة في لندن التاريخية كانت محفوفة بالمخاطر في صراعات معيشية وسياسية لا تنتهي، شكلت فيها بينها الجانب المظلم لتاريخ لندن التي نعرفها في الوقت الحاضر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».