وسيلة علمية لـ«إعادة شحن» الدماغ

«الافتتان الناعم» يساعد على زيادة التركيز في بيئة العمل

وسيلة علمية لـ«إعادة شحن» الدماغ
TT

وسيلة علمية لـ«إعادة شحن» الدماغ

وسيلة علمية لـ«إعادة شحن» الدماغ

يعمل الدماغ بشكلٍ أفضل إذا منحتموه فرصة لإعادة شحن طاقته بطريقة محددة خصيصاً.

- قاعدة العشرين
عند التحديق إلى شاشة لفتراتٍ طويلة، غالباً ما ينصح الأطبّاء النّاس بما يُعرف بقاعدة 20 - 20 – 20، أي النظر كلّ 20 دقيقة على منظر يبعد مسافة 20 قدماً (6 أمتار) من الشاشة التي أمامهم لمدّة 20 ثانية. والفكرة من هذه القاعدة هي أنّ تغيير نقطة التركيز يساعد على وقاية العين من الإجهاد.
ولكن، هل يمكن أن يقود تغيير نقاط تركيزكم في مجالات أخرى من حياتكم إلى أن يقيكم من أنواعٍ أخرى من الإجهاد؟ حسناً. أشار مارهات هيد، الكاتب التخصص بالعلوم في موقع «إيليمنتل» إلى أنّ هذا الأمر ممكن وفقاً لدراسات عدّة حديثة. وإذا كان هذا الأمر صحيحاً، فهذا يعني أنّه توجد خطوات بسيطة يمكننا القيام بها لتخفيف الضّغط ليس على العينين فحسب، بل على العقل أيضاً.
هل هناك قاعدة 20 - 20 - 20 للدماغ؟ كتب هيد «كشف باحثون من كليّة الطبّ التابعة لجامعة إكستر البريطانية، في مراجعة أجروها عام 2016، عن أنّ قدرة الإنسان على تركيز انتباهه عمداً وحسب رغبته محدودة. فكما تنمو العضلة التي تتعرّض لتمارين مفرطة بشكلٍ ضعيف، يبدو أنّ الإفراط في العمل على التركيز في اتجاه معيّن يلقى المصير نفسه». فإذا أفرطت في حثّ نفسك على العمل، «سترى أن قدرتك على التركيز ستنخفض، وأنّ قوّة إرادتك وقدراتك على اتخاذ القرارات ستتأثّر أيضاً».
أفادت دراسة أخرى نشرت في دورية «أوكيوبيشنل هيلث ساينس» عام 2019، بأنّ إرهاق التركيز يمكن أن يؤدّي إلى الشعور بالتوتّر والتعب، لا سيما أن دماغكم يملك القدرة على التركيز لبضع ساعات متواصلة فقط (ترجّح الدراسات أنّها أربع تقريباً). ولكنّ الأسوأ هو طبيعة حياتنا الضاجّة والقابلة للتشتيت؛ ما يعني أن قدرة الإنسان على التركيز يمكن أن تتلاشى بسرعة أكبر. ويلفت هيد إلى أنّ «عوامل التشتيت، وتعدّد المهام، والأصوات العالية، والبيئات المدنية الضاجّة، وقلّة النوم، وغيرها الكثير من ملامح حياتنا العصرية، يساهم بشكلٍ كبير في الإرهاق النّاتج من التركيز»، ولا شكّ في أنّ معظم قرّاء هذا المقال يعرفون المشكلة التي يتحدّث عنها.
صحيح أنّ الدماغ البشري ليس مصمماً للتركيز ساعات عدّة في وقتٍ واحد، ولكنّ يوم العمل يمتدّ لثماني ساعات. ولأنّنا لا نستطيع إقناع أرباب العمل حول العالم بتقليص ساعات العمل إلى هذا الحدّ (رغم أنّ البعض يحاول ذلك)، فإننا نحتاج إلى حلٍ دماغي مشابه لقاعدة 20 - 20 - 20، أي طريقة سريعة لإعادة شحن قدرتنا على التركيز كي لا نضطرّ إلى تجاوز قدرات دماغنا ودفعه إلى مرحلة الإجهاد.

- افتتان ناعم
هل يوجد مثل هذا الحلّ؟ نعم، بحسب هيد وبعض الدراسات، وهو «الافتتان النّاعم soft fascination». إذن، كلّ ما عليكم فعله هو إضافة بعض «الافتتان النّاعم» إلى جدولكم اليومي. فكما يسمح لكم النظر إلى نقطة بعيدة بإراحة العينين ووقايتهما من الإجهاد، يمكنكم تحويل انتباهكم عن مهمّة واحدة إلى مجالٍ يجذب اهتمامكم بعض الشيء بغية تنشيط قدرتكم على التركيز. هنا، لا يمكنكم الجلوس في غرفة فارغة تشعركم بالملل طبعاً، بل يجب أن تجرّبوا التركيز على كتاب أو محادثة أو حتّى على محتوى شاشة.
تُعرف هذه الأرضيّة المشتركة باسم «الافتتان النّاعم»، ويُعدّ إمضاء الوقت في الطبيعة واحدة من أفضل الطرائق لتحقيقها. يعتبر هيد أنّ «البيئات الطبيعية جاذبة بطريقة مريحة، بحيث إنها تفرض سيطرة لطيفة على الدماغ دون أن تجهده بالتركيز». يمكننا الحديث عن هذا الأمر مع الكثير من الخبراء والاستعانة بالكثير من الدراسات، ولكن يبدو أنّ أعظم العقول التي مرّت في تاريخنا اكتشفت قدرة الطبيعة الرائعة على تنشيط دماغنا منذ وقتٍ طويل.
ولعلّ هذا الافتتان هو الذي دفع شخصيات مثل ستيف جوبز وتشارلز داروين وألبرت أينشتاين إلى إمضاء أوقاتٍ طويلة في الطبيعة (كان أينشتاين يفضّل الإبحار، بينما أحبّ الاثنان الآخران المشي في الطبيعة كثيراً). وقد يكون أيضاً سبباً لنتائج إحدى الدراسات التي وجدت أنّ السير في الطبيعة يعزّز القدرات الإبداعية بمعدّل 47 في المائة. ولكن هذا لا يعني طبعاً أنّه عليكم أن تمضوا أيّاماً في الغابات والطبيعة لتنشيط دماغكم والحصول على «الافتتان النّاعم».
وقد وجدت دراسة حديثة، أنّ مجرّد النظر من النّافذة إلى «سطحٍ أخضر» قريب مغطّى بالنباتات عزّز إنتاجية المشاركين فيها. ترجّح المعلومات الواردة أعلاه، أنّه كما يجب عليكم منح العينين استراحة من وقتٍ إلى آخر عبر النظر إلى نقطة مختلفة، يجب أن تمنحوا دماغكم استراحة مشابهة. سواء اخترتم التنزّه قليلاً في حديقة قريبة في وقت الغداء، أو إمضاء بضع دقائق بين نباتاتكم المنزلية بعد اجتماع طويل على «زووم»، يجب أن تخرجوا إلى الطبيعة حتّى يحظى دماغكم بفرصة لتجربة «الافتتان النّاعم» الذي سيساعدكم على حماية دماغكم من الإرهاق وتقديم أفضل أداء.
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان
TT

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

حقق الذكاء الاصطناعي تقدماً كبيراً في اكتشاف وتوقع جوانب مختلفة في علاج جذور الأسنان المسماة من قِبل عامة الجمهور بـ«حشوات العصب» Endodontics.

الذكاء الاصطناعي يرصد جذر الأسنان

في مجال الاكتشاف، تم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الآفات والخراجات حول قمة جذور الأسنان، وكسر التاج والجذر، وتحديد طول الجذر، وكشف تشريح الجذور والقنوات. تشمل مهام التنبؤ تقدير الحاجة إلى إعادة العلاج. تُعد الخراجات حول قمة جذور الأسنان، شائعة وتُشكّل تحديات في التشخيص وتخطيط العلاج للأطباء. ويمكن أن يُحسّن التعرف المبكر على هذه الآفات من نتائج العلاج من خلال منع انتشار المرض إلى الأنسجة المحيطة.

إن علاج جذور الأسنان أو حشوات العصب، المعروف أيضاً باسم «علاج العصب»، فرع من فروع طب الأسنان يركز على تشخيص، ومعالجة أمراض لب الأسنان (العصب) والجذور.

يتضمن هذا العلاج إزالة اللب التالف أو المصاب داخل السن (لب السن المحتوي على العصب والشريان والوريد والأوعية اللمفاوية وكثير من الخلايا لكن الكل يسمي اللب بالعصب!)، وتنظيف وتعقيم القنوات الجذرية، ثم حشوها بمواد طبية خاصة لمنع العدوى المستقبلية، وحماية الأسنان من مزيد من التلف.

أهمية علاج جذور الأسنان

- تخفيف الألم: يساعد علاج الجذور في تخفيف الألم الشديد الناتج عن التهابات العصب، إذ قالت العرب: «لا ألم إلا ألم الضرس».

- إنقاذ الأسنان: يمكن أن يمنع العلاج الفقدان الكامل للسن المتضررة، مما يحافظ على الأسنان الطبيعية بدلاً من اللجوء إلى التعويضات الصناعية.

- منع العدوى: العلاج الفوري والعناية الجيدة تمنعان انتشار العدوى إلى الأنسجة المحيطة والعظام، وقد تم تسجيل بعض حالات الوفاة من انتقال الصديد من خراجات الأسنان إلى الدورة الدموية.

وحسب المكتب العربي في منظمة الصحة العالمية فإن هناك أكثر من 130 مليون عربي بالغ يعانون من تسوس أو نخر الأسنان، ونسبة كبيرة منهم ستحتاج إلى حشوات العصب.

الذكاء الاصطناعي يسابق جراحي الأسنان

* رصد الخراجات: أجرى العالم البريطاني أندرياس وزملاؤه دراسة مقارنة ما بين أداء خوارزمية الذكاء الاصطناعي و24 جراح فم ووجه في اكتشاف الخراجات حول قمة جذور الأسنان على الأشعة البانورامية. وخلصت الدراسة إلى أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي القائمة على التعلم العميق تفوقت على بعض الجراحين. وبالمثل، أظهرت دراسة أخرى أن نماذج الشبكات العصبية التلافيفية CNN، (وهي من مكونات الذكاء الاصطناعي المستلهمة من العصب البصري لتحديد الأشكال)، أدت أداءً أفضل من ثلاثة أطباء استشاريي أشعة فم ووجه، في اكتشاف الخراجات حول قمة جذور الأسنان أثناء المحاكاة على الأشعة داخل الفم.

وفي دراسة أخرى نشرت في مجلة «طب الأسنان» البريطانية أخيراً، استخدم العالم أورهان وزملاؤه أكثر من 100 أشعة مقطعية للأسنان لاختبار نظام الذكاء الاصطناعي، وذكروا دقة اكتشاف عالية مقارنة باختصاصي الأشعة.

تشخيص كسور الجذور وأطوالها

* تشخيص كسور الجذور الأفقية والعمودية: وهو مهمة تتطلب الخبرة، ويفشل تقريباً 75 في المائة من الأطباء في تحديدها على الأشعة. تم تطوير نماذج من الذكاء الاصطناعي لاكتشاف كسور الجذور تلقائياً على الصور الشعاعية للأسنان ثنائية وثلاثية الأبعاد.

أظهرت دراسة لفوكودا وزملائه أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة واعدة لتشخيص الكسور الجذرية العمودية على الأشعة البانورامية. وأظهرت دراسة أخرى للدكتور جوهاري من «هارفارد» وزملائه أداءً ممتازاً باستخدام خوارزمية الذكاء الاصطناعي للكشف عن الكسور الجذرية العمودية بدقة 96.6 في المائة.

* تحديد طول الجذر بدقة: خطوة حاسمة لنجاح علاج قناة الجذر أو حشوات العصب، حيث إن 60 في المائة من فشل علاج حشوات العصب بسبب عدم الحساب الدقيق لطول قناة العصب، ما يؤدي إلى قصر أو زيادة الحشوة، ويؤدي بدوره إلى فشل العلاج، وتفاقم الخراج مع خطورة ذلك.

أظهرت الدراسات أن الشبكات العصبية الاصطناعية (وهي من مكونات الذكاء الاصطناعي) يمكن استخدامها لتحديد طول الجذر بدقة. أبلغ الدكتور ساغيري وزملاؤه في بحث منشور أخيراً في مجلة «طب الأسنان» الأميركية أن الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه أداة إضافية لتحديد موقع خروج العصب من قمة جذر الأسنان، وقد أثبت ذلك عدم وجود فروق في قياسات طول الجذر عند مقارنة الذكاء الاصطناعي مع القياسات الفعلية بعد إجراء القياسات الفعلية.

معدلات نجاح عالية

وهكذا فقد أظهرت خوارزميات الذكاء الاصطناعي القائمة على CNN معدلات نجاح عالية في الكشف التلقائي عن الأسنان وتجزئتها على الأشعة ثنائية وثلاثية الأبعاد.

ويتمتع الذكاء الاصطناعي بمستوى عالٍ، مقارنة بالمراقبين البشريين، ولكن مع أوقات معالجة أسرع بكثير. وبما أن تحديد تشريح الجذور والقنوات هو أمر ضروري لنجاح علاج قناة الجذر، فإن لدى تطبيقات الذكاء الاصطناعي القدرة على المساهمة في هذه المهام.

*رئيس جمعية الذكاء الاصطناعي بطب الأسنان في الشرق الأوسط.

حقائق

130 مليون عربي بالغ يعانون من تسوس أو نخر الأسنان ونسبة كبيرة منهم ستحتاج إلى حشوات العصب