الإعلانات لدى المؤثرين... منافسة أم تهديد للإعلام التقليدي؟

بعد تزايد المعلنين على مواقع التواصل

الإعلانات لدى المؤثرين... منافسة أم تهديد للإعلام التقليدي؟
TT

الإعلانات لدى المؤثرين... منافسة أم تهديد للإعلام التقليدي؟

الإعلانات لدى المؤثرين... منافسة أم تهديد للإعلام التقليدي؟

في خطوة تثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل الإعلانات على وسائل الإعلام التقليدية، ازداد إقبال المعلنين على الإعلان عن منتجاتهم لدى المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، من مخاوف بعض المتخصصين وخبراء الإعلام أن يؤثر ذلك على الإعلام التقليدي، حيث تشكل الإعلانات رافداً أساسياً من اقتصاديات صناعة الإعلام، وتعد أحد الموارد الرئيسية للدخل في كثير من وسائل الإعلام التقليدية.
حسب مراقبين، فإنه مع تطور صناعة الإعلام وظهور مواقع التواصل ونمو ظاهرة المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، اكتسبت ما تسمى «الإعلانات الرقمية» أو «الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي» أهمية في سوق الإعلانات، وجذبت كثيراً من المعلنين. وبالتالي، أصبح للمؤثرين على مواقع التواصل نصيب من شريحة الإعلانات الرقمية تتزايد سنوياً، حتى باتت تؤثر على حصة الإعلام التقليدي من الإعلانات.
تقرير نشره موقع «إي ماركتير» في يوليو (تموز) الماضي توقع أن «يتجاوز الإنفاق على الإعلانات لدى المؤثرين في الولايات المتحدة الأميركية 3.69 مليار دولار أميركي مع نهاية العام الجاري، محققاً نمواً تصل نسبته إلى 33.6% عن العام الماضي، كما يتجاوز الإنفاق على إعلانات المؤثرين 4 مليارات دولار العام المقبل». وتوضح جاسمين إنبيرغ، كبيرة محللي موقع «إي ماركتير»، في تقريرها عن سوق إعلانات المؤثرين، أنه «مع بداية انتشار جائحة كوفيد - 19 أوقف عدد كبير من المعلنين حملاتهم الإعلانية لدى شريحة المؤثرين؛ لكن مع تشجيع الجائحة لظاهرة الترندات في مجال إنتاج المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، عاد المعلنون لاستئناف نشاطهم بسرعة، وأدركوا أن المؤثرين هم ورقتهم الرابحة للوصول إلى جمهور مواقع التواصل الاجتماعي».
رشيد جنكاري، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «المؤثرين على مواقع التواصل يحققون نجاحاً في سوق الإعلانات، وبالذات في مجالات معينة كالموضة والملابس، ما يدفع المعلنين للإقبال عليهم. وهذا تطور طبيعي في صناعة الإعلان مرتبط بتطور الإعلام بشكل عام واتجاهه بشكل أكبر للإعلام الرقمي».
واتفق مع هذا الرأي أحمد بسيوني، استشاري تسويق ومدير وكالة إعلانية في مصر. إذ أشار إلى أن «مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت وسيلة من وسائل التسوق، ومع انتشارها ظهرت دراسات وأبحاث أثبتت أن الجمهور لا يتفاعل بشكل كبير مع الإعلانات المباشرة. وأن هذه النوعية من الإعلانات لا تحقق العائد المرجو منها، ما أكسب المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي قوة وميزة في هذا المجال بقدرتهم على جذب الجمهور وتمتعهم بمصداقية لدى متابعيهم». وتابع بسيوني في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «الجمهور يتفاعل بشكل أكبر مع المؤثرين. وهو ما أدى لزيادة الاستثمارات في هذا المجال، ودفع كثيراً من المعلنين لاستغلال مزايا المؤثرين وشعبيتهم، حتى تطورت وأصبح يتم استخدام المؤثرين في إعلانات بالشوارع وحتى برامج تلفزيونية أو إذاعية تقدَّم برعاية شركات تسعى لتسويق اسمها أو منتجها».
من جهة ثانية، يقول المراقبون إن تنامي سوق الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي دفع هذه المواقع لتطوير أدوات التسوق عبر مواقعها. وهكذا أطلق «تويتر» الأسبوع الماضي أداة جديدة تتيح للعلامات التجارية بيع المنتجات مباشرة على الموقع، وتأتي خطوة «تويتر» هذه في أعقاب خطوات مماثلة من «فيسبوك» و«إنستغرام» اقتحما من خلالها سوق التجارة الإلكترونية.
جنكاري ذكر أن «سوق الإعلانات الرقمية باتت متنامية يوماً بعد يوم، وهو مجال متنوع ومفتوح للتسوق والإعلان... وإن بين أبرز عوامل جذب المؤثرين في مجال الإعلان، إمكانية قياس تأثيرهم، كغيرهم من وسائل الإعلانات الرقمية التي تتيح معرفة مَن شاهد الإعلان ومَن تفاعل معه، وهو ما يعد عامل جذب للمعلن». وللعلم، حسب المراقبين، ثمة توقعات بأن تتخطى الاستثمارات في مجال الإعلانات لدى المؤثرين الإعلام التقليدي. وفي هذا الإطار ذكر مركز «بيو» الأميركي للأبحاث نهاية يونيو (حزيران) الماضي، أن «عائدات الإعلانات في الصحف الأميركية عام 2020 وصلت إلى 8.8 مليار دولار، وأنها تنخفض سنوياً منذ عام 2015 بقيمة 2.5 مليار دولار». وتعليقاً على هذه الأرقام، أفاد موقع «نيمان لاب» الأميركي المتخصص في مجال الدراسات الإعلامية، بأنه «من المتوقع أن تتجاوز عائدات الإعلانات لدى المؤثرين عائدات إعلانات الصحف خلال سنة أو سنتين».
لكن جنكاري يرفض «طرح فكرة تغوّل سوق إعلانات المؤثرين على حساب الإعلام التقليدي». ودلل على ذلك بأنه «لم يحدث على مدار التاريخ أن طغت وسيلة على أخرى... ومن الطبيعي أن تتطور الوسائل وتظهر وسائل جديدة للإعلام والإعلان، وتأخذ جزءاً وموقعاً في السوق؛ لكنّ هذا لا يعني القضاء على الوسيلة القديمة».
ثم أضاف: «هناك تنوع كبير في سوق إعلانات المؤثرين، والعالم الآن يتجه للإعلانات الرقمية سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو على مواقع الصحف، وهذا تطور طبيعي. وبالتأكيد لن يُنهي الإعلانات في وسائل الإعلام التقليدي، بل قد يدفعها للتطور إذ لكل وسيلة دورها وجمهورها». وأردف قائلاً إنه «بحساب الميزانيات المخصصة للإعلانات الرقمية، فهي لا تزال هامشية مقارنةً بالميزانيات الموجهة لإعلانات التلفزيون والصحف».
من جانبه، أكد بسيوني أن «الأمر يختلف من سوق لأخرى ومن دولة لأخرى، فلو تحدثنا عن الولايات المتحدة والغرب سنقول إن سوق إعلانات المؤثرين صاعدة بقوة، وجميع التوقعات هناك تتحدث عن سيطرة الإعلام الرقمي؛ غير أن الأمر مختلف في منطقة الشرق الأوسط». وشرح أن «الأمور في منطقة الشرق الأوسط تسير بشكل أبطأ، حيث ما زال التلفزيون والصحف يجتذبان جزءاً كبيراً من ميزانيات الإعلان في مصر، وهو ما يعني أن المنافسة قد تكون وتيرتها أقل حدة... ثم إن حدة المنافسة تختلف من دولة لأخرى، فالمنافسة على سوق الإعلانات بين الإعلام التقليدي والمؤثرين في دول الخليج أكبر منها في مصر، حيث نرى تصاعداً لإعلانات المؤثرين».


مقالات ذات صلة

العالم إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

انتقد الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة «إكس»، قانوناً مُقترَحاً في أستراليا لحجب وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
إعلام تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً ...

إيمان مبروك (القاهرة)
يوميات الشرق لوسائل التواصل دور محوري في تشكيل تجارب الشباب (جمعية علم النفس الأميركية)

«لايك» التواصل الاجتماعي يؤثر في مزاج الشباب

كشفت دراسة أن الشباب أكثر حساسية تجاه ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الإعجابات (لايك)، مقارنةً بالبالغين... ماذا في التفاصيل؟

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
مذاقات الشيف دواش يرى أنه لا يحق للبلوغرز إعطاء آرائهم من دون خلفية علمية (انستغرام)

من يخول بلوغرز الطعام إدلاء ملاحظاتهم السلبية والإيجابية؟

فوضى عارمة تجتاح وسائل التواصل التي تعجّ بأشخاصٍ يدّعون المعرفة من دون أسس علمية، فيطلّون عبر الـ«تيك توك» و«إنستغرام» في منشورات إلكترونية ينتقدون أو ينصحون...

فيفيان حداد (بيروت)

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.