وعد أميركي بمساعدات «كبيرة» لدعم الانتقال في السودان

مديرة «المعونة» تدعو إلى وقف القتال في إثيوبيا وبدء حوار

باور خلال مؤتمرها الصحافي بعد لقاء حمدوك في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
باور خلال مؤتمرها الصحافي بعد لقاء حمدوك في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

وعد أميركي بمساعدات «كبيرة» لدعم الانتقال في السودان

باور خلال مؤتمرها الصحافي بعد لقاء حمدوك في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
باور خلال مؤتمرها الصحافي بعد لقاء حمدوك في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)

أكدت مديرة وكالة المعونة الأميركية، سامانثا باور، رغبة بلادها الأكيدة في تقديم «دعم ومساعدات كبيرة» للسودان في المرحلة الانتقالية. ودعت إلى وقف النار في إثيوبيا وبدء حوار جاد لتسوية الأزمة في إقليم تيغراي.
وقالت باور، التي التقت عدداً من المسؤولين السودانيين في الخرطوم، أمس، إن الإدارة الأميركية تركز على دعم جهود الوصول إلى وقف إطلاق نار دائم وبدء حوار بين الحكومة الإثيوبية وإقليم تيغراي، مناشِدة الأطراف كافة السماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى الإقليم واللاجئين الذين فروا إلى معسكرات اللجوء في السودان.
والتقت المسؤولة الأميركية، أمس، رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ووزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي، ووزير المالية جبريل إبراهيم، وعدداً من المسؤولين في الحكومة الانتقالية، بحضور القائم بأعمال السفارة الأميركية في السودان برايان شوكان. وأضافت، في مؤتمر صحافي في الخرطوم، عقب لقاء حمدوك، أن بلادها تدعم الحل الفعال للنزاع بين جميع الأطراف في إثيوبيا. وقال حمدوك، بحسب بيان صحافي، إن بلاده «تتطلع لتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع أميركا ودفعها إلى الإمام».
وتناول اللقاء الدعم الأميركي المقترح للسودان البالغ قدره 700 مليون دولار، والذي سيتم توظيفه للأولويات التنموية للحكومة، وتنفيذ اتفاق السلام والترتيبات الأمنية عبر المساعدات المرتقبة التي ستقدمها الوكالة الأميركية للسودان. وقالت باور: «أتمنى أن تكون زيارتي ضربة البداية لشراكة حقيقية مع الحكومة الانتقالية في المستقبل القريب».
وأشارت إلى أن القضايا الشائكة الأكثر إلحاحاً بين الحكومتين الأميركية والسودانية تمت معالجتها في العامين الماضيين بالطريقة التي تجعل من الممكن أن يكون التعاطي بين «صديقين» يسعيان للخروج من المشكلات سوياً والتفكير في كيفية المساهمة في الأولويات التي تهم الشعب السوداني. وقالت: «نتطلع لزيارة حمدوك إلى أميركا في وقت قريب، وليس هناك ما يحد من آفاق التعاون بين البلدين».
وأبدت تفاؤلها بمسار الانتقال الديمقراطي في السودان، وقالت: «إننا حقيقة نرغب في دعم السودان في هذا الوقت، كما في كل الأوقات». وأضافت أن زيارتي للسودان لمعرفة تسلسل وترتيب أولويات الحكومة السودانية الملحة، بما فيها الاحتياجات الإنسانية، وأن الوكالة ستقدم مساعدات ودعماً كبيراً للسودان.
وقالت: «تحدثت إلى رئيس الوزراء عن زيارتي إلى معسكر زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور، ولم تتحسن الأوضاع الأمنية بشكل يسمح للنازحين العودة إلى مناطقهم، وهو ما نتطلع إليه بأسرع ما يمكن». وأوضحت أنها التزمت للنازحين الذين اشتكوا من هشاشة الأوضاع الأمنية بـ«ممارسة مزيد من الضغوط لإحراز تقدم» في هذا الجانب المنصوص عليه في اتفاقية جوبا للسلام.
وأكدت أن أميركا تسعى إلى تنشيط الشراكة الاقتصادية مع السودان، لجذب الاستثمارات الأجنبية وتحسين المناخ الاستثماري حتى يتسنى للشركات الضخمة والمصارف الراغبة للدخول في السودان أن يروا أن هناك تغييراً كبيراً يتيح فرصاً جديدة للشباب الذين حققوا هذه الثورة.
وأشارت إلى أن «الوكالة تدير حالياً نقاشات مع الشركاء والمانحين والمؤسسات الدولية لتوفير كل الدعم المطلوب للسودان». وذكر بيان مجلس الوزراء السوداني أن اللقاء تطرق إلى تعقيدات الانتقال، إذ قدم حمدوك شرحاً وافياً لمبادرته «الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال - الطريق إلى الأمام» وأولوياتها السبع.
وتطرق لقاء وزيرة الخارجية السودانية مع مديرة الوكالة الأميركية، إلى الأوضاع الإنسانية الحرجة للاجئين الإثيوبيين في شرق السودان وأعدادهم المتزايدة نتيجة الصراع في إقليم تيغراي. وأمّن اللقاء على ضرورة حثّ المجتمع الدولي على الشراكة ودعم السودان لاحتواء الأزمة في إثيوبيا. وعبّرت المهدي عن تطلع السودان إلى الانضمام للبرامج الإنمائية كافة التي تقدمها الوكالة للدول الأفريقية.
ومن المقرر أن تزور مديرة المعونة الأميركية، اليوم، معسكرات اللاجئين الإثيوبيين على حدود السودان الشرقية، وتتوجه الثلاثاء إلى أديس أبابا.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.