حفر الباطن... مدينة سعودية تختزل تاريخ غزو الكويت

الثاني من أغسطس يشهد فصولاً للمكان

كويتي أثناء اتّجاهه إلى الحدود السعودية قبل 31 عاماً (أ.ب)
كويتي أثناء اتّجاهه إلى الحدود السعودية قبل 31 عاماً (أ.ب)
TT

حفر الباطن... مدينة سعودية تختزل تاريخ غزو الكويت

كويتي أثناء اتّجاهه إلى الحدود السعودية قبل 31 عاماً (أ.ب)
كويتي أثناء اتّجاهه إلى الحدود السعودية قبل 31 عاماً (أ.ب)

تبزغ أشعة شمس الثاني من أغسطس (آب) الحارة، حاملة معها ذكرياتٍ لا تغادر المنطقة والعالم، بعد غزو نظام صدام حسين للكويت، خصوصاً مناطق سعودية تجاور الدولة الخليجية الوادعة.
الغزو العراقي للكويت، ذكرى لا تغيب عن ذاكرة أجيال كانت شاهدة على رياح غدرٍ، باغتت سكون شعب الكويت الذي أفاق على صدمة لا تزال حاضرة.
حفر الباطن، عاصمة الربيع السعودية، استيقظت على مشاهد غير مألوفة ومرحلة عصيبة، ظلت راسخة في الأذهان على مدار 31 عاماً، فالعلاقة بين أهالي محافظة حفر الباطن والكويت متينة بروابط الأرض والنسب، وكثيراً ما شهدت الحدود السعودية - الكويتية قبل سنوات الغزو تردد الكويتيين وأيضاً سكان الحفر، من أجل المشاركة في المناسبات الوطنية وحضور الاجتماعات العائلية، وحسب اختلاف المناخ في المنطقة يتنقل أصحاب المواشي من أهل البادية.
وكانت الكلمات التي انتظمت في أسطر أحد الخطابات السبعة، للملك فهد بن عبد العزيز «يانعيش سوا يا ننتهي سوا»، تعبر عن مشاعر الأخوة في نفوس السعوديين وأعطت الأمل للكويتيين وكانت بلسماً خفف من آلامهم بعدما وجدوا أنفسهم في ديار أشقائهم.
حفر الباطن مع ذكرى الغزو، استقبلت الآلاف من أهالي الكويت هرباً من الغزو بكل رحابة صدر وحفاوة عكست حجم مشاعر المحبة بينهم وامتزجت مع مشاعر الحزن والغضب على احتلال وطن عربي وخليجي شقيق، لتتعدد أشكال المساعدات الإغاثية التي تعاون على تقديمها مؤسسات حكومية خاصة وأخرى غير ربحية والمتطوعين من الأهالي، ليكتبوا في تاريخ الأزمة صفحة من المواقف المشرفة التي ظلت راسخة على مدار عقود.
ويستذكر التاريخ، الراحل عبد الله الشريع، رجل الأعمال السعودي من أهالي حفر الباطن، الذي استجاب لنداء الحكومة السعودية وللروابط الأخوية والتاريخية، وسخر جميع ممتلكاته لخدمة اللاجئين الكويتيين، وتخطى ذلك ليقدم المساعدات اللازمة التي احتاجتها قوات التحالف في معسكراتها بضواحي المحافظة وعلى امتداد الحدود.
وصحب «الشرق الأوسط» شريع عبد الله الشريع إلى مشاهد من حفر الباطن (أغسطس/ آب 1990)، ونقل الصورة الأبرز التي ظهرت في تقديم المساعدات بأشكالها وأنواعها، ويقول الشريع: «كان أهالي حفر الباطن في تلك الفترة متكاتفين ومتلهفين لتقديم المساعدة لأشقائهم، واستقبلوهم في بيوتهم وخففوا عنهم أحزانهم». ويضيف: «وكان والدي من الذين سخّروا جميع ممتلكاتهم لخدمتهم، وقدّم لهم المواد الغذائية بجميع أنواعها، واستقبلهم في منزله واستأجر لهم المباني وقدم لهم الطعام والمبالغ النقدية».
وأضاف الشريع أنّ والده كما بقية أهالي المدينة، يحبون عمل الخير، وهو ما جعلهم يرون من الأزمة فرصة لتقديم المساعدة، التي شملت أيضاً قوات التحالف الدولية التي كانت حاضرة في المنطقة لاستعادة الكويت، ووضع تحت تصرفهم جميع ورش إصلاحات السيارات والمعدات.
ويضيف الشريع أنّ والده استجاب لأمر الملك فهد بن عبد العزيز، وعمد إلى فتح محطات البنزين «مجاناً» لجميع السيارات الكويتية. وأشار إلى أنّ القيادة الأميركية عبّرت عن امتنانها لمبادرات والده نصاً: «لولا تفانيكم الشّخصي وقدرتكم المهنية لما استطاعت القوات الأميركية وقوات التحالف أثناء قيامها بواجبها في بيئة معادية من الانتصار، ويحق لنا أن نفخر بما حققته من إنجازات ونحييكم ونشكركم على ما قدمتوه من تضحيات».
وفي تلك الفترة، كان لجمعية البر لحفر الباطن مواقف أسهمت في تخفيف وطأة الاحتلال، وبرهنت على مواقف أهالي حفر الباطن. يتذكر عواد العنزي مدير الاتصال والتسويق في الجمعية مشاهد المتطوعين والمتبرعين الذين قدموا أنفسهم ومالهم في خدمة الأشقاء.
محمد الشمري، الأكاديمي في جامعة حفر الباطن، ينقلنا إلى شوارع مركز القيصومة التابعة لحفر الباطن، التي كانت من أوائل المستقبلين للأشقاء الكويتيين وشاهدة على تلك المرحلة العصيبة والمشاهد غير المألوفة التي استيقظ عليها الأهالي. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنا في إجازة الصيف في أيام أغسطس الحارة، ولفت انتباهنا السيارات التي كانت تحمل لوحات كويتية بكثرة وهي تجوب الشوارع، وبعد معرفتنا بالخبر الذي أزال غيمة الحيرة التي حلّت محلها صدمة لم نتوقعها أبداً، فالجميع كانوا في لحظة صدمة وذهول والكل فتح أبوابه للعائلات الكويتية». وأضاف: «استُقبل الكويتيون بكل رحابة صدر وحفاوة، لتقارب الثقافة والعادات والتقاليد التي امتزجت بين الأهالي بكل بساطة وحب، كما عملت حكومتنا الرشيدة على فتح المدارس وتحويلها لسكن وتجهيزها بكل المستلزمات الضرورية لكي تستوعب الأعداد الكبيرة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».