ستّار سعد لـ«الشرق الأوسط»: الشجن في الأغنية العراقية وراء انتشارها

أطلق أغنيته «إحساس صفر» من بيروت

ستار سعد يطلق أغنيته «إحساس صفر» من بيروت
ستار سعد يطلق أغنيته «إحساس صفر» من بيروت
TT

ستّار سعد لـ«الشرق الأوسط»: الشجن في الأغنية العراقية وراء انتشارها

ستار سعد يطلق أغنيته «إحساس صفر» من بيروت
ستار سعد يطلق أغنيته «إحساس صفر» من بيروت

شكَّل إطلاق شركة «ميوزك إذ ماي لايف» أغنية النجم العراقي، ستار سعد، الجديدة «إحساس صفر» من على سطح مكاتبها في بيروت، عودة للمناسبات الفنية؛ فانتشار الجائحة من ناحية وانفجار المرفأ من ناحية ثانية، أصابا العاصمة اللبنانية بالشلل مما أثر سلباً على دورها الريادي في هذا المجال الحيوي. وتميز هذا اللقاء الذي تخلله عرض كليب الأغنية (من إخراج ريشا سركيس) وبحضور الفنان العراقي، بأجواء إيجابية انعكست بدورها على الحضور من أهل الصحافة والإعلام وأصدقاء الفنان العراقي.
ويصف ستار سعد أغنيته الجديدة بالعمل المتكامل الذي يعززه كلام ولحن جميلان. ويتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إنها أغنية تحمل في طياتها رصيداً فنياً رصيناً، وعندما أصفها بعمل متكامل فلأنها مؤلفة من عناصر فنية ترضي المستمع». الأغنية من كلمات عماد الأسعد وألحان أحمد زعيم، وتوزيع عمر صباغ وإنتاج شركة «ميوزك إذ ماي لايف».
وعن كيفية اختيار أغنياته يقول: «عادة ما ألجأ إلى استشارة المقربين مني ولا سيما فريق شركة (ميوزك إذ ماي لايف) التي أتعاون معها. وعندما اخترت (إحساس صفر)، أقمت جلسات طويلة مع كل الذين ذكرتهم، ورحتُ أستمع إلى آرائهم بدقة. وعندما اتفق الجميع على إعجابهم بها قررنا إطلاقها. وبرأيي أن كلام الأغنية يلعب دوراً أساسياً في نجاح أغنية، ومن الضروري أن ينطوي على صور تشغل خيال مستمعها. كما أبحث دائماً عن اللحن اللافت بحيث لا يكرر نوتات ألحان أخرى مستهلكة. وكما لاحظتم، فلحن الأغنية متنوع، ويجمع الإيقاع الإسباني والتركي والشرقي معاً. هذا الخليط الموسيقي زودها بتركيبة مميزة، لا سيما أن موزّع الأغنية عمر صباغ سجل المقطع التركي في إسطنبول مستعيناً بعازفين أتراك».
مؤخراً تشهد الأغنية العراقية عامة رواجاً كبيراً على الساحتين اللبنانية والعربية معاً. فنانون لبنانيون كثر غنوها ولاقت أعمالهم نجاحات واسعة. فما هو سبب رواج الأغنية العراقية في الآونة الأخيرة؟ يرد: «تشكل الأغنية العراقية اليوم (تراند) على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فهي قريبة إلى القلب، وكلماتها تحمل معاني جميلة، كما فيها كثير من الشجن، وهذا الأمر يجذب سامعها بشكل كبير». ويتابع: «ليس من السهل تقديم الأغنية العراقية على المستوى المطلوب، خصوصاً من قبل شخص لا يجيد لكنتنا. ولكن هذا الانتشار الذي تحرزه الأغنية العراقية يسعدني كثيراً، وبرأيي، على الفنان أن يغني جميع الألوان، ولا ينحصر مشواره في واحد فقط». وعمَّن أسهم برأيه في انتشار الأغنية العراقية يقول: «ليس هناك من شخص محدد، فلحنها وكلامها والشجن الذي يسكنها قربها من الناس بسرعة. واعتبر الملحن علي صابر من الأشخاص الذين لعبوا دوراً في نشرها في المنطقة. كما أن الفنانين العرب واكبوها ونشروها بدورهم».
من يشاهد كليب أغنية «إحساس صفر» لستار سعد يلفته أداؤه التمثيلي فيها إضافة إلى أجوائها الفنية عامة التي تبرز موهبة مخرجها ريشا سركيس. ويعلق الفنان العراقي: «بالنسبة لي أحب أن يقوم كل شخص بمهمته حسب اختصاصه. ولذلك لا أتدخل في تنفيذ الأغنية وتصويرها إلا مرات قليلة من أجل بث روحي فيها. أما عن أدائي التمثيلي فأعتقد أنه نتيجة مشاركتي في فيلم سينمائي عراقي بعنوان (إلى بغداد)؛ فمن خلاله دخلت تجربة التمثيل من بابها العريض، وردات فعل مشاهدي الأغنية جاءت إيجابية على أدائي التمثيلي فيها، ما يؤكد ذلك».
وعما إذا يرغب في إعادة الكرة ودخول تجربة التمثيل مرة جديدة يقول: «إذا ما تلقيت عرضاً يناسبني ويحاكي طموحي كفنان، فأنا بالتأكيد سأوافق. فبعيد مشاركتي في الفيلم العراقي اكتشفت موهبتي التمثيلية، ولن أتردد في إعادة التجربة».
وكان ستّار سعد قد لعب دور البطولة في الفيلم الذي يحكي عن تهجير الكفاءات من العراق. ويعلق: «إن هجرة الكفاءات من العراق أو من أي بلد آخر من شأنه أن ينعكس سلباً عليه؛ فعلى المسؤولين البحث عن أساليب يحافظون فيها على هذه القدرات، لأن من شأنها أن تفيد البلد».
وعما إذا هو ينوي الغناء باللبنانية يقول: «قريباً جداً أحضر مفاجأة في هذا الإطار. سأقدم أغنية لبنانية عربية قديمة بعد تجديدها. لن أتكلم عن تفاصيلها، إذ أحرص على أن تشكل مفاجأة للناس».
وعن رأيه بالساحة الفنية اليوم يقول: «الساحة اليوم غنية بموسيقى وألحان منوعة. كل فنان يقطف ثمار جهده مقدماً أعمالاً مميزة. فكثافة الأصوات والأعمال الناجحة ولدت منافسة جميلة، ترجمت على الأرض أعمالاً حلوة وفترة ازدهار ملحوظة. ولكن هناك مَن يؤثر على أذواق الناس، من خلال أغنيات هابطة. وإذا ما سألت الفنان: لماذا تقدم هذا النوع من الأغاني؟ لا يتوانى عن إجابتك بأن الشارع يريد ذلك. فأنا لا أوافقه الرأي، لأن الفنان هو مَن يوجه المستمع، ويعوّده على مستوى أغنيات معينة».
ومن ناحية ثانية، لا يرى ستار سعد أن الفنانين في القرن الماضي حصلوا على الفرص التي يحصدها الفنانون اليوم. ويوضح: «في الماضي كان عدد الأصوات الجميلة أقل، وكانت تبرز بصورة تلقائية. الفنان اليوم يعاني من إثبات حضوره في ظل فوضى عارمة تسود الموسيقى المختارة والساحة الفنية معاً. ولذلك يتعب كي يتميز ويقدم عملاً يبقى بين الناس».
يتابع ستار سعد جديد الساحة الغنائية ويدندن أحياناً ألحاناً تعجبه. ويقول: «طالما أعجبت بقيصر الغناء العربي كاظم الساهر، فهو يأتي في مقدمة الفنانين الذين أستمع إليهم. ومن لبنان استمتعت مؤخراً بأغنيتي وائل كفوري (بدّك للحق) و(البنت القوية). أدندنهما نعم، لا سيما أن كفوري حقق نجاحات عالية من خلالهما، فانتشرتا بشكل كبير».
من الأعمال المستقبلية التي يحضّر لها ستّار سعد أغنية «نجمة»، وهي من اللون العراقي، ومن كلمات حيدر الأسير وألحان نور الزين وتوزيع عمار عدنان. ويقول: «إنها جاهزة، وأستعدّ لطرحها في الأسواق قريباً، بحيث يحمل تسجيلها المصور كلماتها فيسهل على المستمع تردادها بسرعة. وبالتعاون مع شركة (ميوزك ماستر) وضعنا خطة وبرنامجاً استراتيجيين خاصين بلائحة الأعمال التي سأصدرها قريباً».
ستّار سعد الذي يتنقل بين بيروت وبغداد بشكل دائم، يُعتبر لبنان هو من أسهم في انطلاقته، ويقول: «لبنان هو بلدي الثاني، ولا أحب أن أنكر فضله الكبير عليّ منذ نجاحي في (ذا فويس) حتى اليوم. كما أن هناك نقاط تشابه كثيرة بين البلدين، وأهمها الطيبة التي يتمتع بها الشعبان اللبناني والعراقي».
وعما علمته فترة الحجر المنزلي يقول: «كانت فترة صعبة على الجميع. وهي فتحت عيوننا على أشياء كثيرة لم نكن نعطيها الاهتمام المطلوب. (كورونا) زودتنا بوعي، وأدركنا مدى النعم التي كنا نعيش فيها، ولا نقدرها. فجاء ليحرمنا منها، ولنفكر مطولاً بإيقاع حياتنا السابق، ونتعلم منه الدروس».



من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
TT

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)

ليست الوثائقيات المخصصة لاستكشاف أعماق البحار مادّةً تلفزيونية جديدة، فأول هذه الأعمال يعود إلى عام 1954. ومع مرور السنوات، توالت تلك الأفلام الوثائقية إلى أن باتت تُعَدّ بالآلاف وتملأ شاشات التلفزيون ومنصات البث. صحيح أنّها مادّة عابرة للأزمنة ولا يُملّ منها، غير أنه صار من الصعب إنتاج وثائقي آخر عن عالم ما تحت الماء، وتقديم محتوى جديد ومختلف عمّا سبق.

لعلّ التميّز والاختلاف هما أكثر ما سعى إليه فريق عمل «Our Oceans (محيطاتنا)»، السلسلة الوثائقية الجديدة التي تُعرض على «نتفليكس». وقد اجتمعت عناصر كثيرة لتحقّق هذا الهدف؛ بدءاً باللقطات الحصريّة للمخلوقات البحريّة التي جرى تصويرها بتكنولوجيا تُستَخدم للمرة الأولى ومن مسافاتٍ قريبة جداً، وليس انتهاءً بصوت الراوي... باراك أوباما شخصياً.

وما بين هاتين الميزتَين، عناصر أخرى كثيرة تجعل من مشاهَدة «Our Oceans» تجربة استثنائية، لا تختلف كثيراً عن متابعة مسلسل مشوّق وزاخرٍ بالمؤثّرات البصريّة.

تُخصَصُ كلٌ من الحلقات الـ5 لأحد محيطات هذا العالم، بدءاً بالمحيط الهادئ، وصولاً إلى الجنوبي، مروراً بالهندي والأطلسي والمتجمّد. يقول الراوي إنّ تيّاراً يسافر بين تلك المحيطات ويجعل منها عالماً واحداً. لكن بين الحلقة والحلقة، تختلف السرديّات وتتنوّع المَشاهد، لتبقى نبرة الراوي ثابتةً ومُريحة للسمع.

ليس من المنصف مقارنة موهبة أوباما الصوتيّة بأيقونة وثائقيات الطبيعة، المذيع والعالِم البريطاني ديفيد أتينبورو. فالأخير رائدٌ في مجاله وأحد مؤسسي هذا النوع من الأعمال التوثيقية، بينما أوباما حديث العهد في هذا المجال. قد يغرق الرئيس الأميركي الأسبق في السرد الرتيب أحياناً، إلا أنه يحاول جاهداً أن يجعل من صوته مرآةً للصورة المذهلة، لاجئاً إلى التلوين في النبرة، وإلى خفّة الظلّ المثيرة للابتسام، وإلى التفاعل الصوتيّ البارز مع المَشاهد المُدهشة. فأوباما، إلى جانب كونه موهبة تلفزيونية صاعدة، مدافعٌ شرس عن البيئة البَحريّة، هو الذي ترعرع في جزيرة هاواي الأميركية.

صُوّر الوثائقي بتكنولوجيا متطوّرة أتاحت الاقتراب من الكائنات البحريّة بشكل غير مسبوق (نتفليكس)

يتلاقى صوت أوباما مع نصٍّ كُتبَ بحنكةٍ وإحساسٍ عاليَين، مع لمسةٍ لافتة من الفكاهة. تتميّز السلسلة الوثائقية بسرديّتها التي لا تُشبه النصوص المرافقة عادةً لهذا النوع من المحتوى، وهي ترتكز إلى تقنية الكتابة على الصورة، أي استلهاماً ممّا تقدّمه المحيطات وكائناتها من مَشاهد مذهلة. في «Our Oceans»، تتحوّل الكائنات البَحريّة إلى شخصيات، لكلٍّ منها قصة بما فيها من كفاح وتحديات ومشاعر وعلاقات صداقة وعداوة. وأمام هكذا نص على قدرٍ عالٍ من الإنسانية، لا بدّ للمُتفرّج من أن يتماهى مع المواقف التي تواجه المخلوقات المائية والطيور البَحريّة.

في المحيط الهنديّ، يتعرّف المُشاهد إلى أنثى الحوت التي تسعى جاهدةً لأكل ما تستطيع، من أجل إرضاع صغيرها المولود حديثاً الذي يستهلك الكثير من الحليب. أمّا في المحيط الأطلسي، فيجهّز ذكور سمكة الفرّيدي الأرض لاستقبال إناثها من أجل أن تضع بيضها. تتنافس الأسماك فيما بينها لترتيب المكان وتنظيفه من كل ما قد يزعج الإناث، كالأعشاب والأصداف وحتى نجمات البحر.

يُدرك فريق «Our Oceans» أنّ المعلومات العلميّة وحدَها لا تُقنع الجمهور ولا تكفي لتُعلّقه في شرك العمل. لذلك فقد ارتأى أن يستند إلى المشاعر، من خلال ملاحقة الأسماك وسائر الحيوانات، وتصويرها ضمن مواقف يسهل التماهي البشري معها؛ كما أنثى الدب تلك في حلقة المحيط المتجمّد الشمالي، والتي تبحث بشراسة عن طريدةٍ ما من أجل إطعام صغيرها المتضوّر جوعاً.

ومن بين المَشاهد التي تذهل العين والفكر على حدٍّ سواء، ذاك الأخطبوط الصغير في المحيط الهندي، الذي يصرّ على العثور على طبقتين متجانستَين من إحدى الأصداف، كي يختبئ بينهما من عيون الأسماك المفترسة وأفواهها.

لا يعتمد الوثائقي بث المعلومات العلمية بقدر ما يرتكز إلى نص وتصوير زاخرَين بالمشاعر (نتفليكس)

ما يميّز السلسلة الوثائقية كذلك، مواكبتُها لسلوكيّات المجتمعات البَحريّة. تساعد في التقاط تلك المشاهد عن قُرب، تكنولوجيا متطوّرة جداً تُستخدم للمرة الأولى على هذا العمق. ولم تنتج عن ذلك التصوير الفريد متعة بصريّة فحسب، بل انهماكُ علماء البحار في تحضير 20 دراسة جديدة حول سلوكيّات الكائنات البحريّة، بناءً على ما شاهدوه ضمن السلسلة. مع العلم بأنّ 700 عالِم وباحث شاركوا في تحضير «Our Oceans».

من المواضيع المهمّة التي يلقي الوثائقي الضوء عليها، التلوّث البحري والآثار السلبية للتغيّر المناخي على المحيطات. يأتي ذلك انطلاقاً من الاهتمام الذي يوليه المنتجان المنفّذان، باراك وميشيل أوباما، للتوعية البيئية. وإذا كانت الحلقة الأولى مكرّسة لتصوير السِّحر البحري، فإنّ الحلقة الثانية والخاصة بالمحيط الهندي تُظهر كيف يمكن أن تتحوّل جنّة ما تحت الماء إلى حاوية نفايات ضخمة. وفي هذه الحاوية، كائناتٌ صغيرة وكبيرة تآلفت مع المواد البلاستيكية وسائر أشكال القمامة وباتت تقتات منها.

لا يغفل الوثائقي موضوع التلوّث البحري المتسببة به أيادي البشر (نتفليكس)

ليس الهدف من الوثائقي تجارياً بقَدر ما هو توعويّ إلى خطورة اليد البشريّة على جمال المحيطات. يجتاز فريق العمل 75 ألف ميل انطلاقاً من حب كبير للبحار والمياه التي تغطّي 71 في المائة من مساحة كوكب الأرض. على رأس الفريق، الثنائي الرئاسي الأميركي الأسبَق المنشغل منذ عام 2018 بمشروعٍ ترفيهيّ كبير، هو عبارة عن شركة إنتاج تُدعى Higher Ground.

اجتاز فريق العمل 75 ألف ميل واستعان بـ700 باحث وعالِم بحار (نتفليكس)

أنتجت شركة آل أوباما حتى اللحظة، أكثر من 20 مشروعاً تتنوّع ما بين أفلام روائية، ووثائقيات، ومسلسلات، وبرامج للأطفال، وبودكاست. وتُعتبر معظم تلك الإنتاجات هادفة، بما أنها تتضمّن رسائل توعويّة إنسانياً، وبيئياً، ومجتمعياً.

أمّا الموهبة الصاعدة التي يلوّن صوتُها بعض تلك الأعمال، أي باراك أوباما، فيبدو صاحبَ مستقبلٍ واعد في المجال. تُوّج مجهوده الصوتيّ بجائزة «إيمي» عام 2022 عن فئة أفضل راوٍ. وكان قد حاز سابقاً جائزتَي «غرامي» في الإطار ذاته.