في مقر معهد «مسك للفنون» بالرياض تجولنا وتحدثنا ورأينا الكثير، هنا حركة مستمرة وفريق مبتسم دائماً محمَّل بالكثير من الأفكار والأحلام. المناقشات تدور في كل ركن ما بين العاملين وما بين المختصين والفنانين، يمكن القول إن هناك نبتة فنية قوية يتم تشكيلها والاعتناء بها لتزهر وتثري المملكة وخارجها بالفن والإبداع. ليست مبالغة، فالمعهد يضم مساحة للعروض واللقاءات والمناقشات، شهدنا أعمال فنانين شباب كلهم حماس وسمعنا عن مشروعات قادمة وبرامج متنوعة. الطموح عنان السماء وهو المطلوب.
وراء العمل فريق متمرس وشغوف بالفن، كل محادثة نخرج منها بانطباع عن جيل جميل من الشباب يصنع حلمه وحلم غيره خطوة بخطوة. في مقدمة الفريق تقف ريم السلطان الرئيسة التنفيذية للمعهد، تتابع من بعيد وتعلّق من قريب، وجودها ظاهر وملموس، تتحدث معنا بطلاقة وتمرس، تحضر معنا جلسات نقاش ولقاءات للتعريف بالبرامج الجديدة والفعاليات الجديدة، كان لا بد من الحديث معها لمعرفة المزيد مما يدخره برنامج المعهد للأيام والشهور المقبلة وأيضاً للوقوف على ما حدث خلال 2020 وهو عام التحديات الكبرى الذي غيّر الوباء فيه كل المسلّمات.
أبدأ حديثي معها بالعودة لحديثنا الأخير في شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي عندما تحدثنا عن سياسة المعهد للوجود في ظل الجائحة. أسألها: «في المقابلة السابقة تحدثت معك عن اللجوء للعالم الافتراضي بسبب الوباء، واليوم وبعد مرور شهور طويلة، أسأل: ما الذي خرجتم به من تلك الفترة؟».
تجيبني: «فترة الوباء أثّرت علينا بالتأكيد ولكنها أيضاً تطلبت منا المزيد من العمل، لم يتوقف عملنا بل بالعكس بدأنا في التفكير في كيفية بناء المعهد من الداخل وفي نفس الوقت العمل على تنفيذ برامجنا. بشكل عام نعد فترة الوباء لها جانب إيجابي نوعاً ما بالنسبة إلينا فقد منحتنا الوقت الكافي لنعمل على هذا الجانب».
تختصر التغيير الأهم في عمل المعهد في القدرة على العمل على المستويين الواقعي والافتراضي: «في الفترة السابقة للوباء كنا نركز في أثناء تطوير أي برنامج على أن يكون أغلبه على أرض الواقع مع الاستفادة من منصة الأونلاين في جانب أقل، ولكن بعد (كورونا) أصبحنا نحرص على أن يكون كل برنامج قابلاً لأن يُنفَّذ على المستويين وأن نكون مستعدين للاثنين». تضرب المثل بأحد البرامج التدريبية: «في بداية السنة كان عندنا أحد البرامج التدريبية اللي كانت من المفروض أن تقام في فبراير (شباط) وقبل إقامة البرنامج بقليل طلعت إجراءات احترازية جديدة من وزارة الصحة توقفت على أثرها كل الأنشطة، في نفس اليوم حوّلنا نشاطنا إلى الأونلاين، لم تكن لدينا مشكلة، كنا جاهزين من ناحية المنصة الرقمية، التغيير الوحيد كان في جانب المشاركين من خارج المملكة حيث لم يستطيعوا الحضور فعلياً».
باختصار: «الوباء جعلنا دائماً في وضع الاستعداد، لأي شيء ممكن يصير. هناك نقطة أخرى أن الوجود افتراضياً خدم الفكرة التي نعمل عليها، وهي تستجيب لفقرة مهمة من (رؤية 2030) والتي تؤكد أن الفن يجب أن يكون للجميع».
من الماضي للحاضر ومنه للمستقبل، أسألها عن الخطط المقبلة للمعهد فيما تبقى من العام، تقول: «في خطتنا القادمة هناك 6 برامج رئيسية ستكون موجودة بشكل سنوي، هذه البرامج تندرج تحتها مشاريع أو أنشطة تخدمها، وعندنا دائماً مساحة للتطوير والإضافة في الروزنامة السنوية للفعاليات».
- مساحة للإقامة الفنية وللإبداع
من ضمن خطة المعهد الدورة القادمة من برنامج الإقامة الفنية «مساحة» والتي تتيح الفرصة لعشرة فنانين وكاتب لمدة 3 أشهر للبحث والنقاش وتبادل وجهات النظر حول موضوع «الوطن: الوجود والانتماء».
تشير إلى أن عدد المستفيدين من الإقامة هم عشرة فنانين إلى جانب كاتب فني هو الأفضل لضمان «أن كل مقيم معنا يأخذ الفائدة الكاملة وكامل وقته خصوصاً إذا وضعنا في الحسبان أن هذا النوع من البرامج مصمّم لفئة معينة ولذلك يتم الاختيار بعناية».
في برنامج الإقامة الأخير كان هناك فنان من أوروبا، أسألها عن ذلك، وتجيب: «من الركائز الأساسية في برامج الإقامة الفنية بالنسبة لنا هو عنصر التبادل الثقافي ولذلك نحرص على أن تكون هناك نسبة من خارج المملكة من ضمن عدد المشاركين، ولا يُشترط أن يكونوا من المقيمين بالمملكة».
أشير إلى أن الأعمال الفنية التي نتجت عن الدورة السابقة من إقامة «مساحة» والتي سنحت لنا الفرصة لرؤيتها أخيراً وكانت متميزة جداً، وأسألها إن كان هناك تفكير بعرض بعضها للجمهور الأوسع خارج المعهد. تقول: «حالياً لا توجد لدينا الفكرة، ولكن إذا رأينا أنها ستدعم هدف الإقامة الفنية بالتأكيد سننظر فيها. ولكن تجب ملاحظة أن طبيعة برامج الإقامة الفنية تختلف عن المعارض، فالهدف الأساسي منها هو تطوير مهارات للفنان وإعطاؤه فرصة للبحث والتدريب لكي يرتقي بمستواه المهني. لذلك لا نركز على المخرجات فهي المنتج وليست الأساس، ولكننا نعطي فرصة أن تكون متاحة للجمهور لفترة زمنية محدودة وبعد ذلك نحاول ربط الفنانين مع أي جهات مهتمة أو ندعمهم للوصول لمستوى أعلى».
أسألها: «ما الدعم الذي يتلقاه أي شخص يحصل على الإقامة الفنية؟» وتجيبني قائلة: «نبدأ بالدعم اللوجيستي، في حال كان الفنان من خارج السعودية فتكاليف السفر والسكن والمواصلات يتكفل بها المعهد وذلك حتى بالنسبة إلى المقيمين في الرياض. بالنسبة إلى الجانب الفني، نقدم برامج مكثفة خلال برنامج الإقامة مع برنامج إرشادي بحيث يكون للفنان مرشد يساعده. نحرص أيضاً على تكون هناك زيارات لاستديوهات الفنانين السعوديين خارج المعهد، وأيضاً نوجه دعوات إلى الفنانين والنقاد لزيارة الفنانين في الإقامة حيث تقام جلسات حوارية. وفي نهاية الشهور الثلاثة مدة الإقامة الفنية تكون هناك عروض للأعمال الناتجة».
بالنسبة إلى موضوعات الإقامة الفنية والتي يُطلب من الفنانين الفائزين العمل ضمنها تقول إن الموضوع يتم اختياره من المعهد ويُطلب من الراغبين في التقديم تقديم مقترحات لمشاريع تعبّر عن ذلك الموضوع الرئيسي، «إذا تم قبول مقترح الفنان له الحرية في التعبير عن الموضوع بالشكل الذي يراه من خلال الجدول الزمني للبرنامج (3 أشهر). باختصار للفنان اختيار طريقة العمل والمواد المستخدمة على أن يلتزم بالموضوع العام».
موضوع الإقامة الفنية القادمة وهو «الوطن: الوجود والانتماء»، وحسب بيان المعهد فـ«هو فرصة لإعادة تشكيل علاقتنا بالثقافة بنظرة مختلفة، فيدفعنا للتفكير بطرق الاستفادة من التعددية لنثير التساؤلات حول الروايات السائدة عن الذات وعن احتمالية الأصالة أو عدمها عند وصف الوطن».
يلفتني توفير فرصة الإقامة الفنية لـ«كاتب» وليس فناناً، تشرح لنا: «يهمنا أن يكون الكاتب متخصصاً في الفن، ومثلما نحاول إعطاء الفنانين فرصة لتطوير مهاراتهم، نريد أن نعطي فرصة للكتاب أن تتطور مهاراتهم الكتابية، وأن يكون لهم دور مساهم في المطبوعات التي تنتج من برنامج الإقامة». تحرص على وضع أكثر من خط تحت المعلومة التالية: «برنامج الإقامة ليس موجهاً إلى المبتدئين، فمثلاً الشخص الذي يقْدم على الإقامة ككاتب يجب أن يكون ممارساً، تكون فرصة للكاتب أن يعيش مع الفنانين، ويعرف الأجواء. هذا نوع من تشجيع الكتابة الفنية. فهدفنا هو تطوير كتاب يتحدثون عن الساحة الفنية في السعودية وخارجها».
ما الذي تحمله الشهور القادمة إضافةً إلى إعلان الفائزين بالإقامة الفنية؟ «في النصف الثاني من العام هناك أسبوع (مسك للفنون)، ويتضمن معرضاً للأعمال الفائزة في برنامج منحة (مسك) الفنية، وسنستكمل الحوارات التي بدأناها العام الماضي».