مقتنيات ذهبية نادرة توثق لعمارة الإسكندرية

يقدمها «المجوهرات الملكية» ضمن احتفالات العيد القومي

TT

مقتنيات ذهبية نادرة توثق لعمارة الإسكندرية

يُبرز متحف المجوهرات الملكية في الإسكندرية مقتنيات ذهبية نادرة تعود لأسرة محمد علي، لتسليط الضوء على دورها في تطوير المدينة ضمن احتفالات العيد القومي لمحافظة الإسكندرية. كما ينظم المتحف جولات إرشادية ثقافية للجمهور تربط مقتنيات المتحف بأهم المعالم التي أنشأها أمراء وحكام الأسرة العلوية في المدينة، خصوصاً خلال الفترة الخديوية التي بدأت من الخديوي إسماعيل، ونجله الخديوي توفيق، وحفيده الخديوي عباس حلمي الثاني.
ومن بين القطع النادرة المعروضة ميدالية تعود للملك فاروق الأول، صُنعت بمناسبة إنشاء جامعة الإسكندرية عام 1938، محفور عليها رأس فاروق والإسكندر الأكبر وفنار الإسكندرية، بالإضافة إلى مجموعة من أدوات البناء الذهبية: «مسطرين» و«شاكوش» (مطرقة) ووعاء الإسمنت، التي استخدمت في وضع حجر الأساس لعدد من المشروعات الكبرى والقصور الملكية والمساجد التاريخية، على غرار مسجد عبد الرحيم القناوي الشهير في محافظة قنا (جنوب مصر) الذي وضع الملك حجر أساسه في 2 مارس (آذار) عام 1948، ومسجد فاروق الأول بحي المنتزه بالإسكندرية في 12 مايو (أيار) 1945.
وينظم المتحف جولات إرشادية ثقافية للجمهور، تربط مقتنياته بإنجازات حكام الأسرة العلوية، ودورهم في تطوير مدينة الإسكندرية، وفق صفاء فاروق، مدير عام متحف المجوهرات الملكية في الإسكندرية، التي تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الأسرة العلوية كان لها دور بارز في تطوير مدينة الإسكندرية وعمارتها التي ما زالت باقية، فمعظم القصور والمعالم الأثرية الشهيرة تعود إلى فترة حكمهم، حيث كانوا يعدونها باريس الثانية، ونحاول تسليط الضوء على هذه الإنجازات خلال الاحتفال بالعيد القومي للمحافظة».
وتعد مدينة الإسكندرية واحدة من أقدم مدن العالم التي ما زالت باقية، وقد أنشأها الإسكندر الأكبر عام 331 قبل الميلاد، لتكون عاصمة إمبراطوريته، ومن المفارقات التاريخية اللافتة أن العيد القومي للمحافظة يوافق 26 يوليو (تموز) من كل عام، وهو اليوم الذي يحيي ذكرى خروج الملك فاروق من مصر على يخت «المحروسة» إلى منفاه في إيطاليا عقب ثورة يوليو (تموز) 1952 التي أنهت حكم الأسرة العلوية، لتصبح المدينة شاهد عيان حي على بداية ونهاية حكم الأسرة، حيث شهدت أيضًا بداية حكم الأسرة. ففي عام 1802، دخل مؤسس الأسرة محمد علي باشا مصر عبر مينا أبو قير البحري في المدينة في أثناء قيادته أول كتيبة أرسلتها السلطنة العثمانية لطرد الفرنسيين.
ويولي المتحف اهتماماً خاصاً هذا العام بإبراز دور 3 حكام حملوا لقب «خديوي» في تطوير المدينة وفنون عمارتها، هم الخديوي إسماعيل الذي حكم مصر من عام 1867 حتى 1879، ونجله توفيق من 1879 إلى 1892، وحفيده عباس حلمي الثاني من 1892 إلى عام 1914، وفق ريهام شعبان، مدير متحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية، التي تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الفترة الخديوية كانت أكثر الفترات التاريخية في عهد أسرة محمد علي اهتمامًا بمدينة الإسكندرية وعمارتها، حيث أنشئت كثير من القصور والبنايات التراثية والمعالم الأثرية التي ما زالت باقية، وستظل المدينة شاهداً حياً على بداية حكم الأسرة العلوية ونهايته».
ويعد القصر الذي يشغله متحف المجوهرات الملكية أحد أهم الشواهد على اهتمام حكام الأسرة العلوية بفنون العمارة بالمدينة، فهو القصر الخاص بالأميرة فاطمة حيدر، حفيدة محمد علي باشا، ويعرض أيضًا المتحف مجموعة من اللوحات الزيتية (بورتريهات) لكل من الخديوي إسماعيل، ونجله توفيق، وحفيده عباس حلمي الثاني، لإبراز إنجازاتهم التاريخية.
ومن بين المقتنيات التي توثق لدور حكام الأسرة العلوية في مجالات مختلفة ميدالية تذكارية تعود للملك فاروق بمناسبة القضاء على وباء الكوليرا في المدينة عام 1865. ومن أبرز المعالم والبنايات التراثية التي أنشئت في فترة حكم أسرة محمد علي بمدينة الإسكندرية قصر رأس التين الذي أنشأه محمد علي باشا عام 1834، وأوبرا الإسكندرية، وقصر المتنزه، واستاد الإسكندرية، وقصر الحرملك، والمتحف اليوناني الروماني الذي أنشأه الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1905 لعرض كثير من التحف الفنية القديمة الخاصة في مدينة الإسكندرية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».