لماذا غابت المسرحية الشعرية؟

يرى بعضهم أنها لا تنسجم مع سياق المتغيرات الكبيرة في الوطن العربي

عدنان الصائغ
عدنان الصائغ
TT

لماذا غابت المسرحية الشعرية؟

عدنان الصائغ
عدنان الصائغ

شعراء عرب كثيرون نسبياً كتبوا مسرحيات شعرية في مراحل مبكرة، كخليل اليازجي وأحمد شوقي وعزيز أباظة وعبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور وعبد الوهاب البياتي وعبد الرزاق عبد الواحد ومحمد علي الخفاجي وغيرهم، ولكن المسرحية الشعرية انحسرت في العقود الأخيرة انحساراً شبة تام.
ما السبب وراء ذلك؟ هل يعود الأمر لظروف اجتماعية - سياسية - ثقافية في هذا البلد العربي أو ذاك، إذ لم تعد المسرحية الشعرية تنسجم مع سياق المتغيرات الكبيرة التي حدثت، والتي أثرت بالضرورة على المسرح وهياكله المؤسسية، أم يعود لعزوف الجمهور عن مثل هذا النوع من المسرحيات، أم أنه متعلق بالشعراء والكتاب أنفسهم؟
هنا آراء عدد من الشعراء والكتاب والخريجين المسرحيين العراقيين الذين كتبوا مسرحيات شعرية في مرحلة من حياتهم الأدبية، ثم توقفوا:

عدنان الصائغ (شاعر): لا أعرف سر العزوف
المسرح الشعري قديمٌ منذ الحركات التمثيلية الأولى التي رافقت المقاطعَ الشعرية التي كانت تُغنى لإله الخمر باخوس، من قبل كورس في المعابد أو على خشبة مسرح، في العهد الإغريقي والروماني، وربما جربه السومريون أو البابليون، من يدري؟ لكن ظهور المسرح العربي بشكل عام جاء متأخراً، فما بالك بالمسرح الشعري الذي لا يتعدى محاولات عدد من الشعراء بدأت بـ: خليل اليازجي (1856-1889)، وأحمد شوقي (1868-1932)، وجورج شحادة، وسعيد عقل، وعزيز أباظة، وعبد الرحمن الشرقاوي، وصولاً إلى صلاح عبد الصبور، وعلي كنعان، وعز الدين إسماعيل، ومعين بسيسو، ومحمد الفيتوري. وفي العراق: سليمان غزالة (1854-1929)، وخالد الشواف، وعبد الوهاب البياتي، وعبد الرزاق عبد الواحد، ومحمد علي الخفاجي، ومعد الجبوري، ويحيى صاحب، ود. خزعل الماجدي، وعبد الرزاق الربيعي، وغيرهم قليل.
ولا أدري أيضاً سر هذا العزوف، من ناحيتين: كتابة المسرحية الشعرية، أو مسرحة الشعر، خاصة أن للشعر طاقة صورية إيحائية هائلة، بالإضافة إلى قدرة تعبيرية واسعة شاسعة. فالشِعر بالأساس -كما أرى- حاشدٌ بالكثير المثير من المعالجات الفنية، بل هو مسرح كبير تتحرك داخله الأحداث والشخوص والصور والمشاعر والأفكار، لا تحتاج إلا لمخرج خلاق قادر على توظيف وتحريك هذه التشكيلات، والارتقاء من خلالها بالمسرح إلى معناه الحقيقي الذي أكلت منه الآيديولوجيات وشبابيك التذاكر.

علي الزيدي (كاتب مؤلف مسرحي):
لا تنسجم مع واقعنا
بدأ التأليف المسرحي العربي متأخراً، بمعنى أنه استقر في العقود الأربع الأخيرة، وبدأت تظهر تجارب مسرحية مهمة على مستوى التأليف منذ أواخر الستينيات؛ أي بعد نكسة يونيو (حزيران) 1967، بصفتها حدثاً مركزياً تحول إلى رد فعل على مستوى الكتابة للمسرح، على الرغم من أن هناك تفاوتاً زمنياً، خاصة التجارب التي ظهرت في مصر ولبنان وسوريا مثلاً. وقد بدأت المسرحية الشعرية متأثرة بالشعر (الغنائي)، واحتفى بها (العرض المسرحي) في وقت كتابتها؛ أي قبل أكثر من مائة عام، منسجمة مع الذائقة آنذاك والبدايات الأولى للكتابة أصلاً، فكانت نصوص الشاعر أحمد شوقي هي الأكثر انتشاراً عربياً، ولكن سرعان ما تلاشى هذا الانتشار باتجاه كتابات جديدة، وإن خرجت من معطف الشعر أيضاً، مثل كتابات الشاعر صلاح عبد الصبور المسرحية؛ وكل هذا بتقديري أن هؤلاء ينتمون للشعر أكثر من كتابة نص مسرحي له علاقة وطيدة مع خشبات المسارح وحاجاتها وشكلها، فهي الآن لا تنسجم مع سياق المتغيرات الكبيرة التي حدثت في الوطن العربي، وتحوله إلى سوق من الأحداث التي غيرت في بنية المجتمعات العربية، خاصة في أثناء وبعد الاحتلالات، وبدايات التفكير بنصوص مسرحية تستفيد من النثر لطرح أفكارها، وتنسجم مع الذائقة الجديدة لجمهور المسرح المتأثر بتسارع الأحداث والتطورات في العالم، ولم يعد شكل الكتابة الشعرية الحاد الذي يفرض اشتراطاته ومقاساته في النص المسرحي مغرياً لكتاب المسرح، فأخذوا يذهبون لما يسمى «شعرية النص» الأكثر استيعاباً لما يحدث في الواقع، وقدرة على الانطلاق بفضاءات جديدة في شكل الكتابة نفسه.
وبتقديري، فإن المسرحية الشعرية التي كتبت نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر تنتمي للشعر أكثر من انتمائها للمسرح، لذلك انطفأ بريقها، ولم تعد خشبات المسرح تحتفي أو تهتم بها على الإطلاق، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الآن تقديم المسرحية الشعرية التي كتبها أحمد شوقي، أو خالد الشواف من العراق، بل حتى نصوص الشاعر صلاح عبد الصبور الأكثر حداثة منهم لم يعد يهتم بها المخرجون في الوطن العربي لتقديمها في صورة عرض مسرحي، بسبب منظومة التلقي الجديدة التي تأثرت بأحداث كبرى تحتاج إلى آليات مختلفة تماماً في تناولها على مستوى الكتابة. وبتقديري، فإن «شعرية النص» هي الشكل الأكثر استيعاباً لمشكلات عصرنا المعقدة، ويمكن لها الذهاب إلى مناطق أبعد على مستوى التجريب والتأثير بالمتلقي اليوم، وظهور جيل جديد في العراق تحديداً لا يحتفي بالشعر بصفته نصاً مسرحياً بقدر اهتمامه بشعرية النص بشكله الحديث.

عقيل مهدي (مخرج مسرحي): لم تغب تماماً
ربما لم تغب المسرحية الشعرية بالكامل، بدلالة ما قدم من مسرحيات، منها نصوص أجنبيه وأخرى عربية، ولكن المؤلفين الدراميين بعد أن غيبهم الموت، وقد كانوا من الأساس من الندرة بمكان، بحيث اختفى الرواد المبدعون أمثال الشرقاوي وصلاح عبد الصبور والخفاجي، وقبلهم شوقي وأباظة والشواف وبسيسو، وما اعترى المسرح من عقبات مقترنة بالظرف السياسي والمتغيرات الوطنية والدولية التي عصفت باستقرار المسرح وهياكله المؤسسية وخططها الإبداعية؛ كل هذه المستجدات، وسواها من تخصيصات مالية إنتاجية، كان لها تأثير في انزواء المسرحية الشعرية، فضلاً عن سوء التخطيط للبرنامج الخاص بالريبتوار، وانتقاء النصوص الشعرية بشكل متوازن مع النصوص النثرية الأخرى، علاوة على اقترانها بشعرية الحداثة في إظهار النص، كما في أطروحة الشكلانيين ومفهوم تودروف والاتجاهات العاصفة حول بنائية النص بعيداً عن تقانات الكتابة الأجناسية الجندرية، ونوع النص ونهجه الكلاسيكي التقليدي، حتى بات للعرض المسرحي نفسه شعريته المضاهية المتوازية معه، وربما التي تتفوق عليه بتأويلاتها الإخراجية الرفيعة، ومعالجاتها البصرية وإيقاعاتها المرتبطة جدلياً مع البعد السمعي، في تركيب إبداعي مفترض يخص وسائل تعميق جاذبيتهما المشتركة، بإبداع فضاءات مبتكرة مبتدعة؛ ولكن كل هذه الأسباب والذرائع لا تبرر انحسار النص الشعري في عروض المخرجين، سواء من الرواد أو من الشباب المقتدرين المتذوقين لضرورة تلقي الشعر في خطاباتهم الجمالية مع الجمهور المسرحي الخاص والعام.

صلاح حسن (شاعر): غياب الطبقة الوسطى
الغياب ليس في العراق فقط، بل في العالم العربي كله. فمنذ فترة طويلة، قد تصل إلى نصف قرن، هناك أسباب كثيرة لهذا الغياب، من بينها تلاشي النخب الثقافية التي كانت حاضرة في خمسينيات القرن المنصرم، وتراجع المجتمع المدني، وغياب الطبقة الوسطى التي كانت تمد العروض المسرحية الشعرية في كل وقت. بطبيعة الحال، هناك أسباب أخرى مختلفة، منها تفشي الأمية في المجتمعات العربية، وتراجع التعليم العالي، والحروب والنزاعات، وليس أخيراً تبدل الذائقة، والانحياز إلى العروض البسيطة الشعبية. ومن المفارقات التي جاءت مع الحداثة وما بعد الحداثة وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت الجميع يكتبون شعراً إلى درجة ضاعت معها القيم الفنية للشعر، ما دعا الشعراء الكبار إلى الانسحاب من الحياة الاجتماعية، ورفض المشاركة في هذه النشاطات غير المجدية.
هذا حول الفضاء العام الذي تبدل إلى درجة كبيرة، قياساً بفضاءات سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات في القرن الماضي التي كانت فيها بعض القيم الثقافية والفنية راسخة. أما اليوم، فلم تعد هناك حاجة إلى الشعر، ولا المسرح الشعري ولا الفلسفة ولا علم النفس، لأن العالم حول هذه الاحتياجات إلى سلع عبر الشركات العابرة للقارات والتجار الكبار.
وأظن أن المسرح الشعري قد تلاشى في العالم العربي، وقد يتلاشى في كثير من البلدان المتقدمة، وستكون هناك بين وقت وآخر عودة إلى الكلاسيكيات، فهي الوحيدة التي تتمتع بالتكامل الفني والثقافي، وغالباً ما تكون صالحة لكل زمان ومكان، كأعمال شكسبير على سبيل المثال.



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).