مصر: منافسة شرسة على إيرادات «الأضحى السينمائي»

«البعض لا يذهب للمأذون مرتين» و«مش أنا» و«العارف» في المقدمة

فيلم «العارف» لأحمد عز 



أفيش فيلم «البعض لا يذهب للمأذون مرتين»
فيلم «العارف» لأحمد عز أفيش فيلم «البعض لا يذهب للمأذون مرتين»
TT

مصر: منافسة شرسة على إيرادات «الأضحى السينمائي»

فيلم «العارف» لأحمد عز 



أفيش فيلم «البعض لا يذهب للمأذون مرتين»
فيلم «العارف» لأحمد عز أفيش فيلم «البعض لا يذهب للمأذون مرتين»

يشهد موسم «عيد الأضحى» السينمائي في مصر، منافسة شرسة بين أفلام «نجوم الشباك» على الإيرادات التي تشهد تحسناً تدريجياً خلال الموسم الحالي بعد عدة أشهر من الركود بسبب إجراءات الاحتراز من «كورونا».
وحققت الأفلام المتنافسة إيرادات وُصفت بأنّها «متوسطة» بعد ارتفاع نسبة الإشغال في دور العرض لـ70 في المائة أخيراً، بعد تخفيف السلطات المصرية الإجراءات الاحترازية بعد انخفاض إصابات «كورونا» بشكل لافت بالآونة الأخيرة.
وفيما يؤكد موزعون مصريون أنّ إجمالي إيرادات أفلام الموسم السينمائي الحالي أقل من نصف إيرادات موسم عيد الأضحى 2019. يرى نقاد أنّ الأفلام المشاركة ليست بالقوة التي يروج لها البعض، رغم الجاذبية الظاهرية لنجومية وشعبية أبطالها.
وحصد فيلم «العارف» بطولة أحمد عز وأحمد فهمي، نحو 27 مليون جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 15.6 جنيه مصري) خلال 10 أيام، كما حقق فيلم «البعض لا يذهب للمأذون مرتين» بطولة كريم عبد العزيز ودينا الشربيني مبلغ 26 مليون جنيه، خلال أسبوعين، كما حصد فيلم «مش أنا» بطولة تامر حسني وحلا شيحة نحو 36 مليوناً خلال شهر كامل.
ورغم الملايين التي حصدتها هذه الأفلام، فإنّ الموزع السينمائي محمود دفراوي، مدير التوزيع في شركة «الإخوة المتحدين» المصرية، يرى أنّها قليلة، مقارنة بإيرادات موسم عيد الأضحى في 2019. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «الإيرادات الحالية ليست الأعلى أو المنشودة، ففي التوقيت نفسه من عام 2019. كانت الأفلام تحقق إجمالي يومي يتجاوز 20 مليون جنيه، أما الموسم الحالي فالأفلام مجتمعة تحقق يومياً نحو 8 ملايين جنيه فقط، مع الأخذ في الاعتبار إلغاء حفل منتصف الليل».
وبجانب الأفلام الثلاثة الجديدة يستمر عرض عدة أفلام في دور السينما المصرية من بينها «أحمد نوتردام» بطولة رامز جلال وغادة عادل، وفيلم «ماما حامل»، بطولة ليلى علوي وبيومي فؤاد، وفيلم «ديدو» بطولة كريم فهمي.
يذكر أنّ موسم عيد الأضحى من العام الماضي قد شهد عرض فيلم واحد فقط وهو «الغسالة» بطولة هنا الزاهد وأحمد حاتم، وحقق إجمالي إيرادات 15 مليون جنيه.
وبعيداً عن الإيرادات يرى الناقد السينمائي المصري، أندرو محسن أنّ المنافسة الجارية تقتصر على فيلمي «العارف» لأحمد عز، و«البعض لا يذهب للمأذون مرتين» لكريم عبد العزيز ويقول محسن لـ«الشرق الأوسط»: «شعبية كريم وعز صورت للمتابعين أنّ موسم الأضحى السينمائي هذا العام قوي جداً، لكن المتأمل لهذه الأفلام يجد أنّها ليست بالقوة أو الجاذبية المأمولة أو المتوقعة، ففيلم (العارف) أكشن قوي، حاول مخرجه الاقتراب من المستوى العالمي، وهو جيد في مجمله رغم تأثر مؤلفه بشكل واضح وصريح بسلسلة أفلام (جيمس بوند) التي قدمها النجم البريطاني دانيال كريغ خصوصاً فيلمي Sky Fall وCasino royal، كما لم يوفق كريم عبد العزيز، في الخروج من ثيمة فيلمه السابق (نادي الرجال السري)، فالكوميديا بالفيلم الجديد مستهلكة، بجانب كثرة المط في بعض أجزائه».
وفي عام 2019. تنافست مجموعة من كبيرة الأفلام التي حصد بعضها أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية، وأبرزها الجزء الثاني من «الفيل الأزرق» بطولة كريم عبد العزيز ونيللي كريم وهند صبري، حاصداً إيرادات اقتربت من 104 ملايين جنيه، تلاه الجزء الثاني من «ولاد رزق» بطولة أحمد عز وعمرو يوسف، الذي حقق نحو مائة مليون جنيه وفيلم «خيال مآتة» بطولة أحمد حلمي الذي حصد ما يقرب من 40 مليون جنيه.
ويؤكد أندرو أنّ فيلم «العارف» أمامه فرصة كبيرة للصمود على مدار موسم الصيف، إلا إذا حدثت مفاجأة كبيرة؛ فيما يخص مستوى فيلم «العنكبوت» بطولة أحمد السقا المتوقع طرحه في دور العرض خلال أيام، وتقل فرص فيلم كريم عبد العزيز بسبب اقتراب موعد طرح فيلم محمد هنيدي «النمس والإنس» بالنظر إلى شعبية هنيدي في الخليج العربي. لافتاً إلى أنّ «الخريطة السينمائية مرتبكة بشكل كبير وهو ما يجعل الأفلام لا تصنع الدعاية الكافية لها قبل عرضها».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)