الشقيقان السوريان ماسو... من «قوارب الموت» إلى العناق العاطفي في «أولمبياد طوكيو»

المرافق الإعلامي: الصورة أخذت أبعاداً أكثر مما نتخيّل

عناق حار بين محمد وعلاء ماسو في افتتاح أولمبياد طوكيو 2020
عناق حار بين محمد وعلاء ماسو في افتتاح أولمبياد طوكيو 2020
TT

الشقيقان السوريان ماسو... من «قوارب الموت» إلى العناق العاطفي في «أولمبياد طوكيو»

عناق حار بين محمد وعلاء ماسو في افتتاح أولمبياد طوكيو 2020
عناق حار بين محمد وعلاء ماسو في افتتاح أولمبياد طوكيو 2020

تحكي سيرة الشقيقين السوريين محمد وعلاء ماسو، منذ مغادرة البلاد إلى المشاركة في «أولمبياد طوكيو»، قصص السوريين وانقساماتهم في العقد الأخير، خصوصاً اللاجئين الذين ركبوا «قوارب الموت» من تركيا إلى اليونان، وساروا في «طرق النار» بين الدول الأوروبية قبل الوصول إلى «خيمة آمنة» في معسكرات مدن أوروبية وشوارعها، ركضوا فيها وراء حلمهم في العمل والدراسة... والمنافسات الرياضة.
يشارك محمد مع البعثة السورية في رياضة الترياثلون، فيما ينافس علاء في السباحة مع منتخب اللاجئين الذي يضمّ أيضاً السباحة المشهورة يسرى مارديني التي حملت العلم في افتتاح طوكيو، وسبق أن شاركت تحت الراية نفسها في أولمبياد ريو 2016.
صورة العناق العاطفي بين محمد وعلاء في حفل افتتاح الأولمبياد يوم الجمعة، غزت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وظهرت روايات وقصص عن مواقفهما السياسية والمدة التي لم يلتقيا بها أو مكان إقامتهما، ما دفعهما إلى إغلاق حساباتهما على مواقع التواصل، للتفرغ لمسابقات الأولمبياد. «الشرق الأوسط» اتصلت عبر تطبيق «واتساب» بمحمد ماسو، وهنا ملخص أجوبته.

> كيف ومتى ولماذا تركت سوريا؟
- تركت حلب أنا وشقيقي علاء في نهاية 2015 لأننا لم نعد نشعر بالأمان. كنت وقتذاك أدرس في اللاذقية (غرب البلاد)، وكنا نشعر بالخوف في كل مرة ننتقل من حلب إلى اللاذقية. الأمور كانت تسير من سيئ إلى أسوأ، ولم نكن نريد الدخول طرفاً في النزاع فقررنا السفر إلى الخارج. سافرنا إلى بيروت ومن هناك في الطائرة إلى تركيا. دفعنا لمهرّب تركي نحو 110 دولارات أميركية عن كل واحد منا، وركبنا «البالم» (قارب مطاطي) من أزمير إلى جزيرة يونانية. المهرّب قال لنا إن القارب يحمل 16 شخصاً فقط، لكن عندما وصلنا بعد تسع محاولات سابقة، وجدت نحو 50 شخصاً في القارب الصغير، كان بينهم أطفال صغار خائفون.
لم أرتدِ سترة النجاة وأعطيتها للآخرين. أنا وأخي محترفان في السباحة، وقلنا للأطفال: «لا تخافوا، نحن تدرّبنا على إنقاذ الأطفال، وقادرون على إنقاذكم». رحلة الخوف والقلق استمرت ثلاث ساعات إلى أن وصلنا إلى الشاطئ اليوناني. أول شيء قمنا به، هو تمزيق القارب، كي لا يجبرونا على العودة».
> كيف خرجت من اليونان إلى هولندا وألمانيا؟
- بعد وصولنا إلى الجزيرة اليونانية، ذهبنا إلى مركز المدينة. انتظرنا الباخرة وذهبنا إلى أثينا، ثم بدأنا في السير إلى الشمال باتجاه أوروبا. مشينا نحو 12 يوماً، خلالها أخي علاء كان صغيراً (عمره حالياً 21 سنة) أضعته لثلاثة أيام لأنه كان في مجموعة أخرى. بعد أيام وصلنا إلى الحدود الألمانية. كنا نريد الذهاب إلى هولندا، لكنّ رجال الشرطة الألمان خدعونا وأخذوا بصمتنا، وقالوا: «البصمة لا علاقة لها باللجوء».
وصلنا إلى هولندا، وفي اليوم التالي لوصولي إلى المعسكر، ارتديت لباسي الرياضي ورحت أركض وأسأل: «هل لديكم مسبح أو مركز للتمرين؟». كنت أريد التعويض عن توقفي عن ممارسة الرياضة بين 2013 و2015. فجأة، جاء الهولنديون، وقالوا: «أنتم بصمتكم في ألمانيا، ويجب أن تعودوا إلى هناك». عدنا، وبدأنا من نقطة الصفر ثانية.
هنا، تواصلت مع نادي هانوفر وحصلت على قبول للتدرب فيه وشاركت في منافسات فيه. ثمانية أشهر في معسكرات هولندا وسبعة أشهر في معسكرات ألمانيا، وفي النهاية خرجنا إلى الحياة العادية. وفي 2017 شاركت في بطولة أوروبية في هولندا. وقتها، طلبت من الاتحاد الرياضي إرسال رسالة كي أشارك باسم سوريا، لأنه لم يكن ممكناً أن أشارك باسمي الشخصي. بالفعل، أرسلوا رسالة إلكترونية وشاركت».

> كيف كان الطريق إلى أولمبياد طوكيو؟
- أنا أبعد ما يكون عن السياسة. كان همي أن أشارك بالرياضة وأعطي صورة جميلة عن شعبي وأشجع اللاجئين للتطوع والانخراط في الحياة العامة والرياضة. وقد شاركت أنا وأخي في بطولات عدة في أوروبا والعالم.
بعد مشاركتي في بطولة في التشيك في 2018 قال لي أصدقائي: «لماذا لا تشارك في طوكيو؟». وقتذاك، بدأت رحلة الإعداد للمشاركة. كنت أعرف أن الاتحاد الرياضي غير قادر على توفير الإمكانات لي، فاعتمدت على رعاية ودعم من عائلة هولندية، وشاركت في كثير من البطولات في آسيا وأفريقيا والعالم العربي إلى أن حصلت على المرتبة 135 بين ألف شخص ما سمح لي بأن أشارك. أما أخي علاء فهو سباح كبير وسجل في 2019 ضمن أولمبياد اللاجئين، وبعد شهرين بدأ بالتمرينات في نادي هانوفر.
> ما سر الصورة العاطفية بين الشقيقين محمد وعلاء ماسو؟
- أنا كنت أتمرن في هولندا وأخي في ألمانيا استعداداً للأولمبياد في طوكيو، ولم نلتقِ لثمانية أشهر بسبب جائحة «كورونا». علاء دخل إلى حفل الافتتاح مع فريق اللاجئين وأنا دخلت مع المنتخب السوري. قلت له: «هذه لحظة تاريخية، دعنا نأخذ صوراً. دعنا نتعانق ونعمل صورة حلوة في الألعاب الأولمبية». هذا ما فعلناه. كان حلمنا منذ الطفولة المشاركة في الأولمبياد، وحققنا هذا الحلم رغم كل العقبات والتحديات. نحن لا نتدخل بالسياسة، ولو أردت المساهمة في الحرب لبقيت في سوريا. أنا لا أرفع صورة أحد ولا أتدخل بالسياسة. أنا أمثّل نفسي وبلدي وشعبي. شعبنا طموح وليس شعب حرب.
وكانت صورة الأخوين محمد وعلاء ماسو قد ملأت وسائل التواصل الاجتماعي وهما يتعانقان يوم الجمعة، خلال حفل الافتتاح الرسمي للألعاب الأولمبية، حتى إن بعض القنوات الإخبارية والوكالات العالمية ذهبت إلى نشر الصورة والقول إن الأخوين التقيا في العاصمة اليابانية بعد سنوات من الفراق بينهما بسبب الحرب السورية.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.