اللبنانيون ينامون على هوية انتحاري مفترض.. ويتضح لاحقا أنه حي يرزق

شبان تحت «الأضواء» عقب كل تفجير.. وأحمد فوزي عبد الكريم ينضم إلى «ضحايا» الإعلام

اللبنانيون ينامون على هوية انتحاري مفترض.. ويتضح لاحقا أنه حي يرزق
TT

اللبنانيون ينامون على هوية انتحاري مفترض.. ويتضح لاحقا أنه حي يرزق

اللبنانيون ينامون على هوية انتحاري مفترض.. ويتضح لاحقا أنه حي يرزق

بعد كل تفجير انتحاري يستهدف لبنان، تتنافس وسائل الإعلام اللبنانية، لا سيما المرئية منها، في البحث عن «السبق» والخبر الحصري، فينام اللبنانيون على هوية انتحاري مفترض، يتضح بعدها غالبا أنه لا يزال حيا يرزق. روايات وقصص تُبث على الهواء حول هوية منفذ التفجير، من دون التدقيق في صحتها أو تكلّف عناء الاتصال بالشخص المعني.
ومع تكرار التفجيرات في الشهرين الأخيرين، وقعت وسائل إعلام لبنانية عدة في أخطاء مهنية جعلت من شبان لبنانيين «انتحاريين» بالقوة، ليتضح لاحقا أنهم أحياء ولا علاقة لهم من قريب أو بعيد بتنفيذ التفجير.
بعد تفجير الهرمل، مساء السبت الماضي، سارعت وسائل الإعلام إلى إطلاق التهم بشكل عشوائي، فأفادت أولا بالاشتباه في شادي المولوي، الذي سبق وأوقفته الأجهزة الأمنية قبل أن تطلق سراحه في 22 مايو (أيار) 2012. بعد أن ادعت عليه النيابة العامة العسكرية في لبنان بجرم «الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلّح (القاعدة) والقيام بأعمال إرهابية في لبنان والخارج، والنيل من سلطة الدولة وهيبتها».
ورغم أن صفحة المولوي الشخصية على «فيس بوك» تشير إلى مواقفه الإسلامية المتشددة والداعمة للمعارضة السورية، لكنه سارع عبر صفحته ذاتها إلى نفي تورطه بالتفجير، منتقدا وسائل الإعلام التي لم تكلف نفسها عناء الاتصال به للتأكد. وتهكم ممن بث اسمه بوصفه «انتحاري» الهرمل، وذلك في وقت كان كتب فيه تعليقات على صفحته بعد التفجير.
وبعد أن ثبت أنه لا علاقة للمولوي بالتفجير، برز اسم الشاب الطرابلسي أحمد فوزي عبد الكريم (27 سنة)، متزوج وله أولاد، بوصفه الانتحاري، بعد أن فوجئ باتصال هاتفي مساء أول من أمس من أحد أقربائه يعلمه بأن وسائل الإعلام نشرت بطاقة عسكرية عليها صورته بعد الاشتباه في تنفيذه تفجير الهرمل.
وقال عبد الكريم لـ«الشرق الأوسط» معلقا على نبأ الاشتباه به «يحصل في لبنان أن ننام أبرياء ونستيقظ انتحاريين بفضل الإعلام»، مضيفا بلكنة طرابلسية هازئة «الله يخليلنا إياه».
يعمل أحمد في محل للأدوات الكهربائية في منطقة باب التبانة في مدينة طرابلس (شمال لبنان). ويوضح أنه أضاع بطاقته العسكرية بعد يومين على تجديدها، وقال: «بحثت عنها كثيرا لأجدها أخيرا منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، التي تداولتها على أنها البطاقة العسكرية لانتحاري الهرمل، فنزل علي الخبر كالصاعقة».
ويقول عبد الكريم بأنه لا يعرف الجهة المسؤولة عن تسريب هويته وزج اسمه في التفجير، ويضيف مازحا «لا أستطيع قتل نملة فكيف لي أن أقتل أطفالا صغارا أبرياء بهذه الوحشية؟».
وبرغم براءته وإثبات عدم تورطه بتفجير الهرمل، لكن عبد الكريم يشعر بخجل كبير من أصدقائه وأقربائه ووالدته التي عانت من انهيار عصبي فور تلقيها الخبر عبر وسائل الإعلام. ويقول «اتصلت بي والدتي لتتأكد من أنني على قيد الحياة ولست متورطا بعمل إرهابي».
وروت والدته لـ«الشرق الأوسط» لحظات معرفتها بالخبر قائلة: «فقدت أعصابي وسارعت للاتصال به لأطمئن عليه، رغم أنني كنت رأيته صباح اليوم وودعني قبل ذهابه إلى عمله في باب التبانة». وتساءلت «كيف يمكن أن تنتهك أعراض الناس وتشوّه صورهم في العلن ويكتفي المسؤول بتوجيه اعتذار سخيف برسالة نصية على الهاتف الجوال».
وتقول الأم بأنها وابنها «لن يسكتا عما حصل وسيقاضيان المسؤولين عن ذلك مهما ارتفع شأنهم»، في حين يبدي عبد الكريم أسفه للدرك الأسفل الذي بلغته الأمور في لبنان. ويقول «سأتقدم بدعوى قضائية لمحاسبة المؤسسة الإعلامية التي روجت أنني الانتحاري»، مؤكدا أنه «لا علاقة لي بالسياسة ولست متعصبا ولا أنتمي إلى أي تيار حزبي ولا أشجع قضية سياسية على حساب أخرى». وتابع قائلا: «ليتركونا نعمل بسلام لتأمين لقمة العيش لأولادنا الذين يموتون من الجوع والفقر كل يوم».
ويتطابق حال أحمد عبد الكريم وعائلته مع وضع عائلة حسن غندور الذي وصف بأنه انتحاري «الهرمل»، عقب التفجير الأول في السادس عشر من الشهر الماضي، ولكن سرعان ما كشفت مطابقة فحوص الحمض النووي أنه بريء من التهم التي نسبت إليه.



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.