رحيل الثنيان الوزير الأول لأم الملوك وعميد التجار وذاكرة الرياض

بعد رحلة حافلة لامست المائة عام

الملك سلمان مع الراحل الثنيان (الشرق الأوسط)
الملك سلمان مع الراحل الثنيان (الشرق الأوسط)
TT

رحيل الثنيان الوزير الأول لأم الملوك وعميد التجار وذاكرة الرياض

الملك سلمان مع الراحل الثنيان (الشرق الأوسط)
الملك سلمان مع الراحل الثنيان (الشرق الأوسط)

بعد رحلة طويلة لامست القرن، ودعت السعودية أمس أحد أعيانها الشيخ ثنيان بن فهد الثنيان، الذي غيّبه الموت، بعد معاناة مع المرض، وصلي عليه عصراً في جامع الملك خالد.
وحفلت سيرة الثنيان بالكثير من الأعمال اللافتة في جميع المحطات التي مر بها، كما كان له حضور اجتماعي مميز، وتمتع بعلاقات واسعة مع الملوك والأمراء والتجار ورجال الأعمال وجميع طبقات المجتمع، وعدّ من أوائل رجال الأعمال الذين ساهموا في تأسيس وإدارة شركات خدمية كالكهرباء والغاز والجبس، وعرف بنزاهته وقدرته على إدارة الأعمال التي أوكلت له، ووصف بأنه شاهد العصر وذاكرة الرياض وعميد التجار، وقال عنه الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز: «إنه من أكثر الأشخاص الذين تعاملت معهم نزاهة وأمانة».
الشيخ الثنيّان، عاش وثيق الصِلة بالشؤون الأسريّة للأميرة حصة بنت أحمد السديري، وأبنائها الملك فهد وأشقائه الستّة (بمن فيهم الملك سلمان) وشقيقاتهم الأربع، وأخيهم من الأم عبد الله ابن عمّهم محمد بن عبد الرحمن، ويُعدّ الثنيّان أحد مصادر المعلومات عن نشأتهم جميعاً، وبخاصة الأمير نايف، وأماكن ولادتهم ودراستهم ومناقبهم وبرنامج حياتهم اليوميّة ومحيطهم ومرافقيهم.
وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالمغردين الذين نعوا الراحل، وأبرزوا بعضاً من جهوده ومناقبه، كما استعادوا أبرز ما كتب عنه من قبل المؤرخين وكتاب السير والقريبين من الراحل.
وبما يشبه سيرة مختصرة عن الراحل وصف الإعلامي والمؤرخ والباحث الراحل الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، الثنيان بـ«ذاكرة الرياض» وجاء في مقالة له نشرها في «الشرق الأوسط» في أكتوبر (تشرين الأول) 2018: «في الرياض، أدرك كاتب المقال منذ أواخر الخمسينات أحياء (مصدّة والعطايف وحلّة آل بحير) والنسخة المطوّرة الثانية من بقيّة ميادين العاصمة وأسواقها ومبانيها الطِينِيَة، وبدايات شق الشوارع الجديدة، على اعتبار أن النسخة التي سبقتها، كانت تلك التي يتذكّرها الآباء ممن أدرك جيل الملك المؤسّس عبد العزيز.
وأضاف الشبيلي: «اليوم، يبحث المرء بين المعمّرين من أجل أن يستلهم التاريخ، فيجد أن قائمتهم تتناقص، وأن عوامل التعرية وثقوب الأيّام صارت تنخرط في الذاكرة، فيلجأ الباحث إليهم ليستعين بهم على تثبيت المعلومات وتأكيد الروايات، ويعود إلى نُتَف الوثائق المهترئة والكتابات والمقابلات، علّه يجد خيوطاً ينسج منها أبحاثه ومقالاته، وبالتدريج أصبح جيل الخمسينات نفسه يدخل الآن ضمن هؤلاء الذين يتحدّث عنهم العنوان».
وأشار الشبيلي في رصده الكتابي: «كان البحث في يوم مضى لغرض توثيقي، عمّن تستعيد ذاكرته مساكن بعض رموز الأسرة المالكة قبل بناء منازل حي (المربّع) في أواخر الثلاثينات، وأماكن إقامتهم المحيطة بقصرَي الحُكم والمَصمك مما يلي شارعي الثميري ودخنة وميدان الصفاة، وكتاتيبهم ودور الضيافة (خريمس وثليم) والدواوين، وحدود الرياض ودراويزها وأسواقها، فقيل: تجدها اليوم عند أبي فهد الثنيّان (الحوشان)، وهو الوجيه ذو الديوانيّة المسائيّة المفتوحة، والمكتبة العامرة، والمحيّا والبِشْر الرّحْبَين».
وعمل ثنيّان مع أخويه عبد الله ومحمد على تأسيس بضعة مصانع وشركات، منها الجبس والكهرباء والغاز ومطابع الرياض ومؤسسة «اليمامة» الصحافية؛ مما ساعده على مراقبة التحوّلات المعيشيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في بيئة العاصمة وما حولها، وما طرأ عليها من متغيّرات مذهلة عبر تسعين عاماً وعاها ثنيّان وإخوته وأولادهم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».