رون دي سانتيس حاكم فلوريدا ونجم «حزب ترمب» الصاعد

صعوده يعكس التغييرات البنيوية التي يشهدها الحزب الجمهوري

رون دي سانتيس حاكم فلوريدا ونجم «حزب ترمب» الصاعد
TT

رون دي سانتيس حاكم فلوريدا ونجم «حزب ترمب» الصاعد

رون دي سانتيس حاكم فلوريدا ونجم «حزب ترمب» الصاعد

قد يكون رونالد دي سانتيس حاكم ولاية فلوريدا الأميركية في طريقه ليكون أحد أبرز الشخصيات السياسية، التي سجلت اندفاعة صاروخية قياسية في المشهد الأميركي العام، والحزب الجمهوري بشكل خاص، خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً.
عام 2018 عندما كان في الأربعين من عمره، أصبح دي سانتيس أصغر حاكم ولاية في الولايات المتحدة، عبر مسيرة قادته للصعود سريعا، من خدمته العسكرية كضابط ومحامٍ في مكتب المحامي العام للبحرية الأميركية، إلى مقاعد مجلس النواب الأميركي نهاية عام 2012. وفي الفترة الأخيرة برز اسمه كأحد أبرز المرشحين، لنيابة الرئيس الأميركي، في حال ترشح الرئيس السابق دونالد ترمب في انتخابات 2024. وهو ما أوحى به في أحد خطاباته الأخيرة، أو لمنصب الرئاسة نفسها إذا أحجم ترمب عن الترشح... وهذا، بعدما تمكن من تقديم نفسه كأحد أخلص ورثة «الترمبية»، متبنيا خطابا زايد فيه على معظم «يمينيي» الجمهوريين و«وسطييهم» على حد سواء.
تمكن رون دي سانتيس سريعاً من التموضع تحت شعارات دونالد ترمب، منذ أعلن الأخير خوضه انتخابات الرئاسة الأميركية صيف العام 2015. ثم تحول إلى أحد أبرز المؤيدين لخطابه السياسي الشعبوي، المتناغم تماماً مع أفكاره ومعتقداته التي وصفت بـ«المتطرفة»، في العديد من الملفات والقضايا الخلافية التي شهدتها ولا تزال الولايات المتحدة. واليوم يقول منتقدوه إنه يدرك تماماً بأن حظوظه السياسية، سواءً في حال أراد خوض انتخابات التجديد لمنصب حاكم فلوريدا عام 2022 أو انتخابات الرئاسة عام 2024، مرهونة بعلاقته بـ«صانع الملوك» ترمب في الحزب الجمهوري.
كانت لافتة جداً اندفاعة دي سانتيس الأخيرة لتبني العديد من التشريعات المتشددة الهادفة إلى تقييد حق التصويت في ولايته وعلى المستوى الوطني. إذ دعا إلى إلغاء صناديق الاقتراع خارج مراكز الاقتراع، فضلاً عن الحد من التصويت عن طريق البريد من خلال مطالبة الناخبين بإعادة التسجيل كل عام للتصويت بالبريد والمطالبة بأن التوقيعات على بطاقات الاقتراع بالبريد «يجب أن تتطابق مع أحدث توقيع في الملف». وفي موضوع كوبا، هناك من يقول إن حرص دي سانتيس على الحفاظ على العلاقات المتوترة والقطيعة مع كوبا بشكل خاص، يعادل الاحتفاظ بولاية فلوريدا في قبضة الجمهوريين. ولذا عندما أعلن الرئيس الأسبق باراك أوباما عن إعادة العلاقات معها، مع ما كان يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل النظام الشيوعي نفسه في كوبا، كان الجمهوريون أكثر المتوترين.
- سيرته الشخصية
ولد رون دي سانتيس يوم 14 سبتمبر (أيلول) 1978 في مدينة جاكسونفيل الكبيرة بشمال شرقي ولاية فلوريدا. وهو كاثوليكي، والده رونالد دي سانتيس من أصل إيطالي ووالدته كارين روجرز. وهو متزوج من كايسي بلاك، المذيعة التلفزيونية السابقة.
انتقلت عائلته إلى مدينة أورلاندو، ثم إلى دنيدن بفلوريدا، عندما كان عمره ست سنوات. وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية عام 1997، التحق بجامعة ييل العريقة، حيث كان قائد فريق البيسبول (كرة القاعدة) في الجامعة وانضم في العام نفسه إلى أخوية دينية كاثوليكية. وبعد التخرج في جامعة ييل عام 2001 بدرجة البكالوريوس في التاريخ بامتياز مع مرتبة الشرف، أمضى سنة علم للتاريخ في إحدى المدارس، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة هارفارد، العريقة أيضاً، وتخرج فيها عام 2005 مجازاً في القانون بامتياز.
وعام 2004 تلقى دي سانتيس دورة ضابط احتياط بحري، وعين في فيلق المحامي العام في مركز الاحتياط البحري الأميركي في مدينة دالاس بولاية تكساس، بينما كان لا يزال طالبا في كلية الحقوق بجامعة هارفارد. وأكمل مدرسة العدل البحرية في 2005. وفي وقت لاحق من ذلك العام، عين مدعيا عاما في مكتب خدمة القيادة الجنوبية الشرقية في القاعدة البحرية «ماي فورت» بفلوريدا.
وفي عام 2006 رقي دي سانتيس إلى رتبة ملازم حيث عمل مع قائد «قوة المهام المشتركة» في قاعدة غوانتانامو، وعمل مباشرة مع المحتجزين في المعتقل. وعام 2007 عين مستشاراً قانونيا للقوات الأميركية الخاصة «نافي سيل» المنتشرة في الفلوجة في العراق، حيث خدم لمدة سنة، ليعين مجددا بعد عودته من العراق في الخدمة القانونية للمنطقة البحرية الجنوبية الشرقية.
بعدها، عينته وزارة العدل كمساعد المدعي العام الأميركي في المنطقة الوسطى بفلوريدا، ثم محامي دفاع للمحكمة حتى تسريحه من الخدمة الفعلية في فبراير (شباط) 2010. وحصل خلال هذه المسيرة على وسام النجمة البرونزية، وميدالية تكريم سلاح البحرية وميدالية الحرب العالمية على الإرهاب وميدالية الحملة العراقية.
- مسيرته في الكونغرس
سجل دي سانتيس في مجلس النواب يشهد بالتزامه السياسي اليميني، إذ تبنى عام 2017 تشريعاً يلغي القيود على الرئيس لمنعه من إقالة المستشارين الخاصين، مستهدفاً المستشار روبرت مولر الذي حقق في تدخل روسيا بالانتخابات. وقبل ذلك عام 2016 تبنى تشريعاً يلزم وزارة العدل على تقديم تقارير ولوائح إلى الكونغرس، في حال امتنعت أي وكالة فيدرالية عن إنفاذ القوانين تقديمها لأي سبب من الأسباب، مستهدفاً الرئيس الأسبق باراك أوباما. أيضاً، تبنى عام 2018 تشريعاً يدعو إلى تقييد فرض ضرائب جديدة، خصوصاً على الشركات، يتضمن تصويت الغالبية العظمى لإبطاله، وعارض السماح للبالغين الأصحاء الذين ليس لديهم أطفال الحصول على خدمات برنامج الرعاية الصحية «ميديكيد».
أيضاً تبنى دي سانتيس تشريعاً يدعم الذين يحملون تراخيص بحمل أسلحة نارية بعرضها علانية بدلا من إخفائها. وبينما شجع عمداء الشرطة المحليون في فلوريدا، على التعاون مع الحكومة الفيدرالية في القضايا المتعلقة بالهجرة، عارض بقوة مشروع «داكا» الخاص بالمهاجرين «الحالمين» الذين قدموا إلى الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية عندما كانوا أطفالا. ووقع في يونيو (حزيران) 2019 قانونا يفرض على الشركات استخدام برنامج التأكد «إي فيريفاي»، الذي يفرض حظرا على مستوى الولاية لحماية الملاذات الآمنة للمهاجرين غير الشرعيين، علما بأن ولاية فلوريدا ليس لديها تشريعات من هذا القبيل، ما دعا المدافعين عن الهجرة إلى القول إن القانون دوافعه سياسية.
وهكذا، باختصار شديد يمثل دي سانتيس نموذجا مثاليا للشخصيات السياسية الإشكالية التي تتصارع، سواء مع الطبقة السياسية التقليدية داخل الحزب الجمهوري نفسه، أو مع الحزب الديمقراطي وتياراته المختلفة. وصعوده السياسي قد يشكل مثالا صارخا عن التغيير البنيوي الذي يمر به الحزب الجمهوري، الذي بات يطلق عليه اليوم «حزب ترمب»، مبتعدا عن وسطيته وتقاليده السياسية التي وفرت للحياة السياسية الأميركية توازنا دقيقا، ما قد يهدد بنمو قوى التطرف السياسي في المقلب الآخر، مع قيادات يسارية راديكالية باتت تفرض يوما بعد يوم حضورها القوي، رغم انضباطها حتى الآن تحت سقف المحصلة العامة لدى الديمقراطيين.
- نحو منصب الحاكم
عام 2012، أعلن درون ي سانتيس أنه سيخوض الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري عن الدائرة السادسة لمجلس النواب في فلوريدا، حيث فاز على 6 مرشحين جامعاً 39 في المائة من الأصوات، ثم هزم مرشحة الحزب الديمقراطي هيذر بيفن في الانتخابات العامة بنسبة 57 مقابل 43 في المائة. وبقي في منصبه حتى العام 2018 ليترشح على منصب حاكم الولاية في ذلك العام.
خلال حملة انتخابات عام 2016 أعلن دي سانتيس ترشحه لمنصب عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا، بعدما ترشح السيناتور الجمهوري من أصل كوبي ماركو روبيو لمنصب الرئاسة الأميركية في مواجهة دونالد ترمب. ولكن بعد خسارته الانتخابات التمهيدية أمام ترمب، أعلن روبيو نيته الترشح مجدداً لمجلس الشيوخ، الأمر الذي أجبر دي سانتيس على الانسحاب من السباق، بضغط من الحزب الجمهوري الذي كان يخشى تشتت أصوات الناخبين، وخصوصاً الكتلة اللاتينية ذات الأغلبية الكوبية، ما قد يعرضهم لخسارة مقعد عزيز في «ولاية جمهورية». ومجدداً، اختار دي سانتيس الترشح مجددا لمقعده النيابي في مجلس النواب حيث غدا واحدا من أشد مناصري ترمب.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2017، أعلن ترمب أنه سيدعم دي سانتيس إذا ترشح لمنصب حاكم ولاية فلوريدا. وبالفعل، في يناير (كانون الثاني) 2018، أعلن دي سانتيس ترشحه لخلافة الحاكم الجمهوري المنتهية ولايته ريك سكوت. وخلال الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، شدد دي سانتيس على دعمه لترمب، عرض مقطعاً انتخابياً مصوراً يظهر فيه كيفية تعليم أطفاله «بناء الجدار» مع المكسيك. وردد شعار «اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، كما ألبس أحد أبنائه قبعة حمراء مطبوعا عليها ذلك الشعار.
وفي أغسطس (آب) 2018 ربح الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري لمنصب الحاكم، ليفوز في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) على منافسه الديمقراطي الأسود أندرو غيلوم، عمدة مدينة تالاهاسي، بعد إعادة فرز الأصوات. إلا أنه أثار لغطاً كبيراً لكلمات قالها زعم أنها عنصرية، حين قال إن «آخر شيء علينا القيام به هو محاولة رفع قرد يتبنى أجندة اشتراكية وزيادات ضريبية ضخمة وإفلاس الولاية». واعتبرت كلمة «قرد» عبارة عنصرية، لكون خصمه غيلوم أميركياً أسود من أصل أفريقي. وحظي الحادث بتغطية إعلامية واسعة، نفى بعدها دي سانتيس أن يكون تعليقه قد تعمد توجيه إشارات عنصرية.
وبعد ثلاثة أيام من تأديته اليمين الدستورية في 8 يناير 2019، أصدر عفواً عن أربعة رجال سود أدينوا زورا بالاغتصاب عام 1949، لينفي عنه تهمة العنصرية. ولكن في الأسبوعين الأولين له في المنصب، عين 3 قضاة، هم باربرا لأجوا وروبرت جيه لوك وكارلوس جي مونييز، لملء الشواغر الثلاثة في المحكمة العليا في فلوريدا، ما أدى إلى تحويل غالبية المحكمة من ليبرالية إلى محافظة.
- مواقفه من كوفيد ـ 19
لعل المبارزات السياسية الأكثر إثارة للجدل التي خاضها دي سانتيس، هي تلك المتعلقة بالتعامل مع جائحة كوفيد19. إذ قرر في مارس 2020، ألا يعلن حال الطوارئ في فلوريدا. وبعد إلغاء المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري عام 2020 في مدينة تشارلوت في أعقاب النزاع بين ترمب وحاكم ولاية نورث كارولينا روي كوبر، بسبب اعتراض الأخير على تنظيم تجمع كبير بغياب «بروتوكولات» للصحة العامة لمنع انتشار الفيروس. أطلق دي سانتيس حملة ناجحة لجعل مدينة جاكسونفيل في فلوريدا مكاناً بديلاً للمؤتمر، متنافسا مع ولايات جمهورية أخرى هي تينيسي وجورجيا. ولكن في النهاية، تقرر إلغاء الحدث بأكمله لصالح التجمعات عبر الإنترنت والتلفزيون.
ووفقاً لصحيفة «صن سنتينال»، فإن الرجل الذي يدين بمنصبه إلى الدعم المبكر من ترمب، فرض نهجا يتماشى مع آرائه وقاعدته القوية من مؤيديه. فلقد رفض دي سانتيس تنفيذ قرار ارتداء الكمامات الفيدرالي في ولايته، وتأخر في تطبيق قرار البقاء في المنازل «لأن الرئيس ترمب لم يصدر قراراً بعد»، في الوقت الذي كانت فلوريدا واحدة من أكثر المراكز العالمية التي ينتشر فيها الفيروس، حيث اتهم بتهميش خبراء الصحة والعلماء. وإبان حملة إعادة انتخاب ترمب، عمل على مساعدته في الفوز بفلوريدا، حيث حضر تجمعاته من دون ارتداء الكمامة، خلافاً لتوجيهات الصحة العامة في ذلك الوقت.
- سياسي يميني محافظ
كسياسي محافظ، يتبنى دي سانتيس مواقف يمينية تتراوح من معارضته الإجهاض وموانع الحمل، إلى «خفض الإنفاق بدلا من زيادة الضرائب لتقليل العجز في الميزانية الفيدرالية وتقليص حجم الدولة لتحفيز النمو الاقتصادي». وحقاً، صوت لمصلحة قانون التخفيضات الضريبية والوظائف لعام 2017. وقال إن مشروع القانون سيؤدي إلى «معدل ضرائب أقل بشكل كبير» و«إنفاق كامل للاستثمارات الرأسمالية» وضمان المزيد من الوظائف لأميركا.
أخيراً يعارض دي سانتيس برامج التعليم الفيدرالية مثل قانون «عدم ترك أي طفل وراء الركب»، بحجة أن سياسة التعليم يجب أن تقر على المستوى المحلي. وفي يونيو الماضي، قاد دي سانتيس جهدا لحظر تدريس نظرية العرق النقدي في المدارس العامة في فلوريدا، رغم أنها لم تكن أبدا جزءا من المنهج الدراسي في الولاية. وفي المقابل، قدم مواد جديدة لتعليم التربية المدنية، بما في ذلك دروس حول «شر الأنظمة الشيوعية والشمولية»، ما دعا منتقدو القانون، بما في ذلك جمعية فلوريدا التعليمية، إلى القول إنه سيكون له «تأثير مخيف على الحرية الفكرية والأكاديمية»، وأن مشاريع القوانين صممت لترهيب المعلمين وقمع التبادل الحر للأفكار.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».