تمتشق راي باسيل بندقيتها، تستجمع تركيزها، وتنظر إلى حقل رماية متنبهة ومنتظرة الصحن الطائر لتسقطه. تتزيّن بألوان العلم اللبناني والأرزة التي توضع على كل جزء من أدواتها خلال ممارسة رياضة الرماية، سواء في سماعة أذنها أو سترتها الخاصة وحتى البندقية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
تحمل باسيل آمال شعبها المنهك بالأزمات، تأتي إلى طوكيو بحثاً عن أول ميدالية لـ«وطن النجوم» منذ 41 عاماً. استهلكت إمكانات كبيرة في التحضير والاستعداد وهدفها واحد «إفراح شعب بلادي».
يضع اللبنانيون أملهم في باسيل، التي ستنافس يومي 28 و29 يوليو (تموز) الحالي في مسابقة رماية الحفرة «تراب»، ويرون بأن الأمل كبير بعدما اكتسبت ابنة الثانية والثلاثين الخبرات الكبيرة خلال مشاركاتها الدولية السابقة، لا سيما أولمبيادي لندن 2012 وريو دي جانيرو 2016.
الأمر عينه تشعر به الرامية اللبنانية بتأكيدها: «هدفي الميدالية الأولمبية وليس مجرد المشاركة».
بدأت باسيل مسيرتها الرياضية في سن الرابعة عشرة، بتشجيع وإشراف من والدها جاك، إذ كانت ترافقه في رحلات الصيد، وكانت أولى مشاركاتها الخارجية في دورة الألعاب العربية في الجزائر 2004.
تكرّرت مشاركاتها وانتقلت من نجاح إلى آخر، حاصدة العديد من الميداليات الإقليمية والقارية والدولية، بانتظار الأولمبية.
وتحدّثت باسيل إلى وكالة الصحافة الفرنسية بداية من تحضيراتها التي كانت في مدينة ماسا مارتانا الإيطالية: «بالنسبة لي التحضيرات كانت جيدة جداً في إيطاليا لأن الوضع في لبنان ليس مساعداً، حيث كنت أحتاج إلى إطار معين ووضع ملائم لأقوم بالاستعدادات على أفضل نحو وأكتسب خبرة. قمت بكل ما ينبغي لأكون جاهزة للمنافسات الأولمبية وأستطيع القول بأني جاهزة».
وتابعت: «أدرك أن الوضع في لبنان سيئ جداً على كافة المستويات الاقتصادية والمعيشية والناس منهكة لكن لا نريد أن نتأثر بهذه الظروف».
وأضافت باسيل: «لذلك هدفي أن أمنح اللبنانيين أملاً، لأن باب الرياضة يمكن أن يعود بالأمل على وطننا، وكل المشاركين في الأولمبياد قادرون على تحقيق هذا الأمر... كلّ ما علي أن أرمي على الأطباق وأصيب العدد الأكبر منها».
ويشهد لبنان أزمة اقتصادية خانقة منذ خريف 2019. حيث انهار سعر صرف العملة المحلية الليرة أمام الدولار الأميركي بأكثر من عشرة أضعاف، وباتت القدرة الشرائية لدى الشعب ضئيلة للغاية، وتأثر القطاع الرياضي كثيراً بهذا الأمر.
وتُعدّ لعبة الرماية مكلفة لكونها تحتاج إلى شراء خرطوش وأطباق، وهذا ينبغي استيراده من الخارج.
رأت باسيل أن ميزانية تحضيراتها ومشاركتها لم تتأمن بالشكل السهل، إذ تقاسمت كل من اللجنة الأولمبية اللبنانية ووزارة الشباب والرياضة وبعض الجهات الداعمة والشركات الراعية تأمين الحد الأدنى من المتطلبات.
وقالت: «أنا أؤمن بأن الإنسان وحده لا يمكن أن يقوم بشيء، حتى تأمين الخرطوش لم يكن بالأمر السهل، إذ ثمة داعمون من إيطاليا وبعض اللبنانيين الذي سهلوا شحنهم إلى بيروت تولوا هذا الأمر برغم الصعوبات المصرفية والنقدية».
وأضافت: «أنا أحصر تفكيري بالمنافسة وإهداء وطني الميدالية، إذ وضعت نفسي بإطار محدد، ولا أريد أن أتأثر بأي شيء سلبي يحدّ من طاقتي».
ولا ترى باسيل أن ثمة فوارق بينها وبين غيرها من الرياضيين اللبنانيين المشاركين في الألعاب، وقالت: «أريد أن أعبّر عن نفسي من أنا، وأرى أن بلادي تحتاج أي إنجاز مني أو من باقي زملائي، ما أريد أن أقوم به وأنجزه لأجلي ولأجل عائلتي واللبنانيين، ليس لأي حكومة أو نظام».
ووجّهت باسيل رسالة إلى الشعب اللبناني قائلة: «نحن حقاً شعب لا يموت، رغم كل الصعوبات نحتاج إلى الأمل في وطننا، لأننا قادرون على تغيير الواقع، وأتمنى أن ينال اللاعبون في طوكيو دعماً معنوياً لأنهم يمثلون لبنان وليس أنفسهم».
وعن سؤال حول ماذا ستفعل إذا حصدت ميدالية، ضحكت باسيل وفكّرت كثيراً بالإجابة، ثم قالت: «ستكون هذه أكبر فرحة للبنان. كل حياتي أحلم بأن أنثر الفرحة لدى اللبنانيين وإسعادهم، وبالتالي ستكون هذه الفرحة لهم وليست لي... حبيبي لبنان».
ويشارك 6 رياضيين في البعثة اللبنانية، في 5 رياضات هي الرماية عبر باسيل، الجودو عبر ناصيف إلياس، رفع الأثقال للسيدات عبر محاسن فتوح، ألعاب القوى عبر نور الدين حديد، والسباحة إذ سيمثلها منذر كبارة وغابرييلا الدويهي.
وكان حسن بشارة (المصارعة اليونانية الرومانية) آخر من وضع اسم لبنان في جدول الميداليات بنيله البرونزية في دورة موسكو 1980.
وكانت باكورة الميداليات الأولمبية للبنان في دورة هلسنكي 1952 حين أحرز زكريا شهاب فضية المصارعة اليونانية - الرومانية لوزن دون 57 كلغ، وخليل طه برونزية المصارعة اليونانية - الرومانية لوزن دون 73 كلغ، ثم شهد أولمبياد ميونيخ 1972 تحقيق محمد الطرابلسي فضية رفع الأثقال لوزن دون 75 كلغ.