احتفالات «الأضحى» مقيّدة بالوباء والغلاء

أطفال يستمتعون باللعب في حديقة مائية بعد صلاة عيد الأضحى في مدينة المحلة الكبرى بدلتا النيل في شمال العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)
أطفال يستمتعون باللعب في حديقة مائية بعد صلاة عيد الأضحى في مدينة المحلة الكبرى بدلتا النيل في شمال العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)
TT

احتفالات «الأضحى» مقيّدة بالوباء والغلاء

أطفال يستمتعون باللعب في حديقة مائية بعد صلاة عيد الأضحى في مدينة المحلة الكبرى بدلتا النيل في شمال العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)
أطفال يستمتعون باللعب في حديقة مائية بعد صلاة عيد الأضحى في مدينة المحلة الكبرى بدلتا النيل في شمال العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)

بدأ المسلمون حول العالم أمس (الثلاثاء) الاحتفال بعيد أضحى مختلف مليء بالقيود والمحاذير وضعف القدرة الشرائية.
ففي الوقت الذي يتم فيه الحجاج في الأراضي المقدسة مناسكهم، يحتفل مئات الملايين في بقاع مختلفة من العالم بالعيد؛ وإن كان بأجواء أقل فرحاً.
ففي إندونيسيا احتفل عشرات ملايين المواطنين بأول أيام العيد أمس في ظل قيود مشددة لاحتواء انتشار فيروس «كورونا»؛ بحسب تقرير لـ«رويترز».
ونصح الرئيس جوكو ويدودو المواطنين بقضاء العيد في منازلهم متبعين إجراءات صحية صارمة لمنع انتشار العدوى. وأقامت الشرطة وهيئة النقل حواجز طرق لمنع السفر داخل إندونيسيا؛ كبرى الدول الإسلامية سكاناً.
وقال الرئيس في بيان في ليلة العيد إن القيود على الحركة لن ترفع إلا بعد تراجع أعداد الإصابات، مشيراً إلى أن ظهور سلالات جديدة يعني أن الوباء لم ينته بعد.
في لبنان؛ أدت الضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد إلى رفع أسعار الماشية وتقليل عدد القادرين على شرائها.
وبحسب «رويترز»؛ فقد كان تجار الأغنام في السنوات السابقة يتجمعون بالميدان الرئيسي في صيدا قبل العيد لبيع أغنامهم، «لكن هذا العام، وفي يوم الجمعة (16 يوليو/ تموز) لم يكن بالميدان سوى شخص واحد اشترى أغنامه من سوريا».
ولا يختلف الوضع في ليبيا كثيراً من هذه الناحية؛ حيث تشهد البلاد أوضاعاً اقتصادية صعبة، ويعاني الليبيون من ضعف رواتبهم بالمقارنة بمستوى المعيشة.
وحرم ذلك كثيرين في ليبيا من نحر الأضاحي في العيد، وألقوا مسؤولية الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد على الحكومات المتتالية.
في فلسطين عادة ما يكون عيد الأضحى موسم ازدهار لأعمال نزيه أعمر، مربي الأغنام وصاحب محل جزارة في أريحا بالضفة الغربية، لكن قبل بضعة أيام فقط من العيد لم يكن نزيه يجد زبائن قادرين على دفع ثمن بضاعته الراكدة هذا العام.
وقال لـ«رويترز» إن السبب هو ارتفاع أسعار العلف التي زادت بدرجة كبيرة من أسعار اللحوم والأغنام الحية.
وقال محمد فطافطة؛ المختص بالثروة الحيوانية في وزارة الزراعة الفلسطينية، لـ«رويترز» إن هناك أسباباً عدة لارتفاع الأسعار؛ منها الصعوبات الاقتصادية.
وفي العاصمة السورية دمشق تشهد الأسواق حركة خفيفة جداً لا تكاد تختلف عن حركة الأسواق في الأيام العادية من العام؛ حركة حد منها ارتفاع الأسعار ودرجات الحرارة التي تجاوزت المعدل بدرجات عدة بحسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية.
وقال شادي عيسى، في سوق الشعلان الشهيرة في دمشق: «تكاد تكون حركة الناس في السوق محدودة جداً، وذلك بسبب ارتفاع أسعار البضائع الذي لم يعد يطاق بالنسبة لغالبية المواطنين».
وفي سوق الصالحية القريبة من سوق الشعلان وسط العاصمة دمشق، يجلس أبو سعيد أمام محله بسبب انقطاع التيار الكهربائي، ويقول إن ما يحدث في السوق حالياً لا يشبه حركة البيع المعتادة خلال أيام العيد.
وعزا أبو سعيد ذلك إلى ارتفاع درجات الحرارة، وسفر كثير من سكان دمشق وريفها لمحافظات أخرى بسبب عطلة العيد الطويلة؛ «وهو ما ترك أثراً كبيراً على حركة السوق». ويضيف أبو سعيد لوكالة الأنباء الألمانية: «كانت حركة السوق في العيد الماضي إلى حد ما مناسبة، ولكن حركة السوق في هذه الأيام محدودة جداً ولا تختلف عن أي حركة في الأيام العادية».
وأرجع صاحب أحد المحال التجارية، في سوق الميدان، والذي يعرف بـ«سوق الحلويات» في دمشق، ارتفاع أسعار الحلويات إلى «زيادة في موادها الأولية ورفع سعرها عدة أضعاف»، مشيراً إلى أن «كيلو الحلويات الذي كان يباع بـ10 آلاف ليرة (نحو 3 دولارات) يباع اليوم بأكثر من 50 ألف ليرة سورية (ما يعادل 15 دولاراً أميركياً)، لذلك أصبح الطلب على حلويات العيد في حدوده الدنيا؛ بل معدوم».
وبالتوازي مع ارتفاع أسعار الملابس والحلويات، تشهد المواد الغذائية والخضراوات والفاكهة ارتفاعاً كبيراً بعد هبوط أسعارها بداية الشهر الحالي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».