«السوق الشعبية للأنتيكا» مساحة إلكترونية تصل الماضي بالحاضر

تحوي السوق الشعبية للأنتيكا أغراضاً تعبق بالتاريخ والذكريات
تحوي السوق الشعبية للأنتيكا أغراضاً تعبق بالتاريخ والذكريات
TT

«السوق الشعبية للأنتيكا» مساحة إلكترونية تصل الماضي بالحاضر

تحوي السوق الشعبية للأنتيكا أغراضاً تعبق بالتاريخ والذكريات
تحوي السوق الشعبية للأنتيكا أغراضاً تعبق بالتاريخ والذكريات

تشهد اليوم أسواق الأنتيكا، أو ما يسمى بـ«فنتادج»، رواجاً ملحوظاً ليس فقط من فئات عمر متوسطة ومتقدمة كما هو شائع بل أيضاً من قبل شباب يهوى شراءها.
عادة ما كانت تستقطب هذه الأسواق التي تقام في ساحات وأزقة وشوارع معروفة في عواصم أوروبية وعربية كثيرة، اللبنانيين هواة جمع أغراض الأنتيكا. وبعضهم كان يقطع مسافات طويلة ويعبر المحيطات للحصول على ساعة حائط بريطانية أو طقم صحون من الليموج الفرنسي. وآخرون كانوا يلحقون مسار لوحة فنية وأواني بورسلين صينية مرسوم عليها باليد وغيرها. فهي بالنسبة لهم تشكل ارتباطاً مباشراً بتاريخ عريق يطمحون لدخوله على طريقتهم.
ومع الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، أصبحت هذه الهواية محصورة بعدد قليل من اللبنانيين. وهم في غالبيتهم من المقتدرين والأغنياء. وبات هؤلاء أيضاً يفضلون البحث عن هذه الأغراض محلياً، بحيث لا يتكبدون كلفة مرتفعة. جويل مطران فكرت في تقريب المسافات بين هذه الأسواق وبين اللبنانيين مستحدثة «السوق الشعبية للأنتيكا». «إنه كناية عن فسحة تجارية إلكترونية تسهم في تأمين المورد لأصحاب أغراض قديمة استغنوا عنها ويريدون بيعها للاستفادة من ثمنها»، تشرح مطران وهي أستاذة في الجامعة اللبنانية. وتتابع في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «هي في الوقت نفسه تولد تواصلاً بين العائلات المقتدرة مادياً وعامة الناس. فهؤلاء يتمتعون بإمكانيات مادية تخولهم شراء هذه الأغراض. ونكون بذلك طبقنا المثل القائل (عصفورين بحجر). فمن ناحية نساعد المحتاجين في ظل أزمة اقتصادية حرجة يعانون منها، ومن ناحية ثانية نحرك هذه السوق المحلية ونوفر الفرص لهواة اقتناء أغراضها». وعن كيفية ولادة السوق تروي لنا مطران: «سبق وسافرت إلى بلدان أوروبية كثيرة، بينها فرنسا. لفتني هناك مقهى يقيم أسبوعياً معرضاً للأغراض التي تحتاج للتصليح، وفي الوقت نفسه يجري بيع هذه الأشياء ويتم تبادل تجاري ضيق بين العارضين أنفسهم ورواد المقهى. من هنا ولدت الفكرة عندي وقررت إطلاق هذا السوق خلال فترة الحجر المنزلي الذي فرضته علينا الجائحة. فاستحدثت صفحة إلكترونية على حساب (فيسبوك) ولاقت تجاوباً كبيراَ من قبل الناس».
الأغراض الأنتيكا المعروضة على صفحة «السوق الشعبية للأنتيكا»، تتراوح بين نحاسيات وأواني كريستال وزجاجيات فاخرة وقطع بورسلين وساعات يد قديمة وغيرها. وتوضح مطران: «جميعنا لدينا موروثات من أهالينا وأجدادنا، وفي عز الأزمة الاقتصادية التي نعاني منها باتت هذه الأغراض عبئاً على البعض، إذ تحتل مساحات من بيوتهم، لا يستفيدون من وجودها، كما تحدث الزحمة في مشهدية المنزل ككل. البعض لا يحب التخلي عن هذه الأغراض لأنها عزيزة على قلوبهم، وترمز إلى ذكريات يحبونها. ولكن هناك عدد لا يستهان به وجدوا بها متنفساً مادياً يساعدهم على تجاوز محنتهم، في ظل توقفهم عن ممارسة عملهم أو انخفاض مدخولهم». وعن الزبائن الذين تستقطبهم هذه الصفحة تقول: «ينتمون إلى فئات عمرية مختلفة، وكذلك إلى شرائح اجتماعية من أطياف عديدة. وما لفتني هو جذبها لجيل من الشباب يخصص لهذه الأغراض حيزاً من مشترياته. أحياناً أقيم هذه السوق على الأرض في مدينة زحلة التي أسكنها. فيقصدها اللبنانيون هواة الأنتيكا من كل حدب وصوب، لا سيما وأن الأسعار التي نعتمدها مقبولة جداً».
تحرص جويل مطران على إرفاق الأغراض التي تعرضها على صفحة «السوق الشعبية للأنتيكا» بنصائح تسهم في إعادة حالتها إلى الأفضل. فتنصح من يرغب في شراء إبريق نحاسي من الهند بفركه بقطعة حامض. فيما تطلب ممن اشترى خاتماً قديماً مصنوعاً من الفضة أن يعيد إليه بريقه بقطعة قماش مغطسة بمادة تنظف هذا المعدن.
وتعلق مطران في سياق حديثها: «أحياناً أتلقى أغراضاً ثمينة جداً، أتمنى لو أحتفظ بها لنفسي، بعضها مصنوع من الفخار الأوروبي وغيرها من النحاس المحلي المشغول باليد. مرات أخرى أتلقى ساعة يد (فنتادج) عمرها يفوق الـ150 عاماً. ومرات يصلني شمعدان من الكريستال البوهيمي المعروف، يعود إلى عائلة أرستقراطية في هولندا». وحسب مطران، فإن المغتربين اللبنانيين لعبوا دوراً أساسياً في الترويج لهذه الصفحة. وتعلق: «لقد شجعونا بشكل ملحوظ فهم يحنون إلى اقتناء أغراض قديمة تذكرهم بموطنهم الأم من مطحنة بن ومكواة على الفحم وغيرها. نرسل لهم هذه الأغراض عبر البريد ويدفعون لنا ثمنها بـ(الفريش موني) الذي يفرج عائلات لبنانية كثيرة تبيع هذه الأغراض».
ولتزيد من أرباح أصحاب هذه القطع اتبعت مطران تنظيم مزادات علنية لبعض الأغراض النادرة. وتوضح: «يجري هذا المزاد مباشرة على الصفحة الإلكترونية بحيث تكون الزيادات رمزية لا تتجاوز الـ10 أو 20 ألف ليرة لبنانية على سعر القطعة الأصلي. ولكنها في النهاية تسهم في انفراج بعض العائلات مادياً، وتحث آخرين على عرض مقتنياتهم وبيعها».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».