الانطباع الأول عن سولينا، القرية الصغيرة التي تقع في قلب دلتا الدانوب، أنها قرية صيد متواضعة غير ملحوظة، ويزيد ذلك الانطباع حقيقة أن زوارها يصلونها من خلال القارب بسبب عدم وجود طرق تربط هذا المكان ببقية أنحاء العالم.
وبحسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية، فسولينا تحتفظ بمفاجأة لمن يزورها، تبدأ بالقصر الضخم المقابل للرصيف، والكاتدرائية الأرثوذكسية بأبراجها، والفيلات الرائعة التي قد لا تبدو متناسبة مع أقصى زاوية في أوروبا.
ويستغرق الطريق 4 ساعات بالقارب على طول نهر الدانوب للوصول من تولسيا الواقعة على بعد نحو 100 كيلومتر، إلى سولينا الواقعة على البحر الأسود، بالقرب من الحدود مع أوكرانيا.
وللحصول على انطباع أول عن المنطقة، يجب التوجه إلى المنارة القديمة التي يعود تاريخها إلى عام 1869، وتوفر المنارة إطلالة على البرية الخضراء من ناحية، والبحر الأسود من ناحية أخرى، حيث تنتشر شوارع القرية الستة، ويغطي القطران ثلاثة منها فقط، وتصطف فيلات كبيرة، وأحيانًا مبانٍ كبيرة، على جانبيها.
ولا يتطلب الأمر كثيراً من الوقت لتخمين أن هذا المكان كان قد شهد أوقاتاً أفضل في الماضي،
إذ كانت سولينا قبل نحو 100 عام مدينة بمعنى الكلمة. وفي عام 1856، تم اختيار قرية الصيد الصغيرة مقراً للجنة الدانوب الأوروبية التي كانت تعمل على ضمان حرية الملاحة في ثاني أكبر نهر بأوروبا. وفي غضون بضعة أعوام، لم يتم إقامة عدد من القنصليات هناك فحسب، ولكن استقطب الميناء المجاني أيضاً كثيراً من الزائرين من جميع أنحاء العالم. وقد عاش في سولينا عدة آلاف من اليونانيين والرومانيين والروس والأرمن والأتراك والنمساويين والمجريين والألبان والألمان والإيطاليين والبلغاريين، وغيرهم من جنسيات أخرى، مما جعلها تُعرف باسم «أوروبا المصغرة». وفي ذلك الوقت، كانت المدينة النائية تضم 150 متجراً و70 شركة.
أما اليوم، فيبلغ عدد سكان سولينا نحو 3 آلاف شخص، وينخفض العدد في كل عام. ولكن هناك بعض الأشخاص الذين ينتقلون للعيش هنا أيضاً، مثل فالنتين لافريك الذي يبلغ من العمر 53 عاماً، وينحدر في الأصل من قرية جبلية تقع في منطقة ترانسيلفانيا بوسط رومانيا، وقد قرر القدوم إلى سولينا قبل نحو 20 عاماً، حيث يقول: «كنت أعرف دلتا الدانوب منذ أن كنت صغيراً، وذلك من خلال رحلة مع الشيوعيين الرواد. وتعد الحياة أقل إرهاقاً وأقل ازدحاماً هنا، كما أن الوقت يبدو أنه يمر بصورة أبطأ في سولينا».
ويقوم لافريك بتدريس الأدب الروماني في المدرسة الثانوية المحلية. وفي أوقات فراغه، يحب التجول في الطبيعة، ودراسة تاريخ القرية.
وقد كُتب على أحد القبور في سولينا: «تخليداً لذكرى كابتن ديفيد بيرد الذي غرق في سولينا في 24 من أبريل (نيسان) عام 1876». وقد تم دفن بعض البحارة من ألمانيا وفرنسا هناك. وعند المشرحة الصغيرة الموجودة في القرية، هناك عربة خشبية سوداء، أحياناً ما تكون غير مقيدة ومنسية، وتقف بصفتها واحدة من آثار فيلم «دراكولا»، ممثلة لمصير سولينا.
وكان تراجع سولينا قد بدأ مع الحرب العالمية الثانية، عندما تم حل لجنة الدانوب الأوروبية، ثم صارت سولينا في طي النسيان. ولكن هل تعد السياحة هي المستقبل بالنسبة لسولينا؟ في عهد الديكتاتور الشيوعي نيكولاي تشاوتشيسكو، عادت القرية لفترة قصيرة تحت دائرة الضوء، حيث تم التخطيط لتحويلها إلى ميناء صناعي، وتم إنشاء حوض لبناء السفن، ومصنع لتعليب الأسماك، وتأسست جمعية تعاونية لصيد الأسماك، إلا أنه تم إغلاقها وحلها بعد ثورة 1989، وفقدت مئات العائلات مصادر رزقها.
وأين تقف سولينا اليوم؟ يقول لافريك: «لدينا نحو 10 إلى 15 مولوداً سنوياً، لكننا لدينا أيضاً ما يتراوح بين 70 و90 حالة وفاة... كما أنه لا يكاد يوجد عمل في سولينا».
وتنصب كل الآمال حالياً على السياحة. فبعد كل شيء، تعد «أوروبا المصغرة» السابقة نقطة انطلاق رائعة لاستكشاف دلتا الدانوب بتنوعها البيولوجي الفريد. ولكن لافريك يعتقد أن سولينا ما يزال لديها مستقبل.
وعموماً، كانت سولينا قد تحولت في وقت من الأوقات من قرية صيد إلى مدينة أوروبية بين عشية وضحاها، فمن يقول إن ذلك لا يمكن أن يحدث مرة أخرى؟!
سولينا... من قرية صيد إلى مدينة أوروبية
على دلتا الدانوب
سولينا... من قرية صيد إلى مدينة أوروبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة