اقتحام آخر للمستوطنين رغم تراجع بنيت عن تأييد صلاة اليهود في الأقصى

اليمين الإسرائيلي يقول إن موقفه يظهر تحكّم الحركة الإسلامية بحكومته

مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى يوم الأحد (وفا)
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى يوم الأحد (وفا)
TT

اقتحام آخر للمستوطنين رغم تراجع بنيت عن تأييد صلاة اليهود في الأقصى

مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى يوم الأحد (وفا)
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى يوم الأحد (وفا)

اقتحم مستوطنون المسجد الأقصى، أمس متحدين مشاعر المسلمين في «يوم عرفة»، في وقت ارتفع فيه الجدل حول نية الحكومة الإسرائيلية تغيير الوضع القائم في المسجد.
وفوجئ مصلون في الأقصى باقتحام عشرات المستوطنين للمسجد، تحت حماية الشرطة الإسرائيلية التي عززت وجودها في المسجد وفي البلدة القديمة في القدس. وقالت دائرة الأوقاف الإسلامية إن 101 مستوطن وعنصرين من مخابرات الاحتلال، اقتحموا ساحات المسجد الأقصى صباح الاثنين.
وانتشر جنود الاحتلال بكثافة داخل المسجد الأقصى، وأخرجوا المصلين من ساحاته، تزامنا مع اقتحام المستوطنين الذين أدوا طقوسا تلمودية في أماكن مختلفة من ساحات المسجد الأقصى. وجاء الاقتحام الجديد بعد يوم متوتر، اقتحم فيه أكثر من 1500 مستوطن ساحات المسجد، تلبية لدعوة منظمات الهيكل لإحياء ما يسمى «خراب الهيكلين»، ما فجر اشتباكات واعتقالات، والكثير من الغضب والإدانات العربية والفلسطينية، وتدخلات دولية.
واتهم الفلسطينيون إسرائيل بتثبيت واقع جديد في المسجد الأقصى يقوم على تغيير الوضع الحالي، الذي ينص على أنه لا يحق الصلاة في المسجد إلا للمسلمين، وذلك بعدما أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت الضوء الأخضر لاستمرار اقتحام المستوطنين، وأصدر بيانا قال فيه إنه يشكر الشرطة على الحفاظ على حق اليهود والمسلمين في الصلاة في الحرم، في تصريح غير مسبوق وآثار الكثير من الجدل، قبل أن يتراجع عنه أمس الاثنين.
وقال مكتب بنيت إن رئيس الوزراء كان يعني أن كلا من اليهود والمسلمين يتمتعون «بحقوق الزيارة» في الموقع المقدس وليس الصلاة.
وأضاف المكتب أن «بينت أخطأ يوم الأحد عندما قال إن كلا من اليهود والمسلمين يتمتعون بـ(حرية العبادة) في الحرم القدسي». وأردف، أن «ما صدر في البيان السابق اشتمل على خطأ في التعبير»، وأكد المكتب أن الوضع الراهن في الموقع سيبقى كما هو دون أي تغيير.
وحدث الجدل بعد بث تقرير مصور أظهر عدة يهود يصلون في الأقصى تحت أعين الشرطة الإسرائيلية التي لم تحرك ساكنا. وقال وزير الأمن العام، عومر بارليف، للقناة 13: «إذا كان اليهود يصلون في جبل الهيكل، فهذا بالتأكيد مخالف للقانون». وأضاف «أعتقد أن الصياغة كانت خاطئة في بيان رئيس الوزراء، وأن مكتب رئيس الوزراء كان يهدف إلى تسليط الضوء على حرية وصول اليهود إلى الموقع رغم كل التعقيدات».
وكان بيان بنيت، الأحد، قد فسر على أنه تغيير دراماتيكي في الموقف الإسرائيلي الرسمي، ويعني السماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، وهو الأمر الذي نددت به الرئاسة الفلسطينية، والقائمة المشتركة، والقائمة القائمة العربية الموحدة بزعامة منصور عباس الذي يشارك في الحكومة الإسرائيلية والذي نشر هو الآخر بياناً، أمس، أكد فيه أن الصلاة في الأقصى فقط حق للمسلمين.
وحذر حزب منصور عباس من حرب دينية في ظل الاقتحامات التي تجري ومشاركة أعضاء كنيست فيها. وقال الحزب العربي، في بيان مشترك مع المنظمة الأم، الحركة الإسلامية، إن «المسجد الأقصى المبارك بكل مساحته البالغة 144 دونما، هو حق خالص للمسلمين وليس لأحدهم أي حق فيه».
كما عبرت الرئاسة الفلسطينية عن إدانتها ورفضها القاطع للتصريحات الصادرة عن بنيت، واعتبرتها تصعيدا يدفع نحو صراع ديني خطير، تتحمل مسؤوليته الحكومة الإسرائيلية، باعتبارها تضع العراقيل أمام الجهود الدولية، خاصة أن هذا الاستفزاز يتم عشية الاحتفال بعيد الأضحى المبارك.
ودعت الرئاسة، إلى الحفاظ على الوضع التاريخي في الحرم القدسي الشريف، معتبرة أن هذه التصريحات تشكل تحدياً للمجتمع الدولي، بما فيها الموقف الرسمي الأميركي الذي أبلغنا به والداعي للحفاظ على الوضع التاريخي في الحرم القدسي الشريف. وقالت الرئاسة إن القيادة الفلسطينية «ستقوم باتخاذ كل الإجراءات المطلوبة والضرورية للحفاظ على حقوقنا التاريخية الثابتة في القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية». كما قال أحمد الطيبي عضو الكنيست الإسرائيلي عن القائمة العربية المشتركة، إن المسجد الأقصى والباحة حوله مكان مقدس للمسلمين فقط.
ولم يمر تراجع بنيت مرور الكرام لدى اليمين الإسرائيلي، وردا على بيانه، قال عضو الكنيست اليميني المتطرف أيتمار بن غفير، إن هذا البيان الجديد يظهر أن الحركة الإسلامية (حزب منصور عباس)، يطالب، وبينت ينفذ ويصدر بياناً محرجاً، وهو ما يظهر كيف يتم إدارة الائتلاف الحكومي». ودعا بن غفير إلى مواصلة اقتحام الأقصى، باعتباره «أقدس مكان للشعب اليهودي»، رغم «أنف وغضب أعضاء الحركة الإسلامية وشريكهم بينت».
من جهته، هاجم عضو الكنيست عن الليكود أوفير أكونيس، الحكومة الجديدة، وقال إنها «تعتمد سياسة الرضوخ والخضوع، وإن ما يحدث الآن هو ما اختارته الحكومة التي شكلها بنيت بدعم الموحدة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.