يغيب مطوّف سعودي بارز عمل في خدمة الحجاج الأجانب نحو 30 عاماً عن الحج هذا العام بعد وفاته جراء إصابته بـ«كوفيد - 19». لكنّ أبناءه الستة قرروا التطوع ومساعدة زوار الكعبة عوضاً عنه تنفيذاً لوصيته.
وكان طلعت جميل تونسي صحافياً رياضياً قبل أن يتفرغ لخدمة الحجاج الوافدين العرب سنوياً وكذلك المعتمرين على مدار العام.
والمطوّف هو من يرشد ويساعد الحجاج الأجانب على تأدية المناسك الدينية بالشكل الصحيح، كما يجب أن يكون على دراية كافية باحتياجاتهم خلال إقامتهم في الأراضي المقدسة.
وقال ابنه ماجد (32 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ والده أوصاه قبل وفاته قائلاً: «إذا حدث لي شيء عليك أن تكمل وأشقاؤك عمل الحج وتقفوا يداً واحدة لخدمة الحجاج».
وأضاف الشاب الطبيب بصوت يغلبه التأثر: «قررنا جميعاً العمل هذا العام لأول مرة لخدمة الحجاج تخليداً لذكرى الوالد» الذي توفي في أغسطس (آب) عن 52 عاماً تاركاً ستة أبناء وابنتين.
وأصيبت عائلة تونسي كلها بفيروس كورونا في يوليو (تموز) الماضي بعدما انتقلت العدوى إليهم عن طريق ابنته التي تعمل طبيبة.
وقال ماجد إنّ والده «أُدخل العناية المركزة وظل يعاني مضاعفات متعددة لكنه لم يستيقظ من الغيبوبة المصاحبة لـ(كورونا) والتي قضت على أغلب وظائف جسده».
وأعرب تونسي، الذي ترأس لجنة الطوافة بالغرفة التجارية بمكة، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية العام الماضي عن «حزنه الشديد» بعدما قررت السلطات السعودية قصر المناسك على نحو 10 آلاف حاج كلهم من داخل البلاد على خلفية الجائحة.
وسجّلت السعودية حتى الاثنين أكثر من 508 آلاف إصابة بفيروس كورونا من بينها أكثر من ثمانية آلاف وفاة.
في رمضان الماضي الذي بدأ في أبريل (نيسان)، تطوع ماجد وأشقاؤه في جمعية «هدية الحاج والمعتمر» بمكة لخدمة المعتمرين والسير على نهج والدهم.
ورغم غيابه عن الحج هذا العام، سيقف أبناؤه الستة الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و32 عاماً وحفيداه طلعت (10 سنوات) وسامي (7 سنوات) في مركز استقبال الحجاج في منطقة الزايدي في مكة لمساعدة زوار بيت الله.
وسيقدم الصغار الماء والقهوة والتمور للحجاج، فيما يقوم الأكبر سناً بإنهاء إجراءاتهم وإصدار تصاريحهم الإلكترونية وبطاقات الحج الذكية.
وأكّد ماجد الذي استرجع مساعدته لوالده في خدمة الحجاج أثناء طفولته، أن «إحساسي الآن أنني أكمل رسالة والدي ودوره».
وتعمل عائلة تونسي منذ أكثر من 80 عاماً في مجال الطوافة التي تحتكرها منذ عقود ست مؤسسات عائلية مكية تنتقل العضوية فيها من جيل إلى آخر بالوراثة فقط.
ومن الخدمات التي تقدمها مؤسسات الطوافة والتي يعمل فيها نساء ورجال، توفير النقل والغذاء والمساعدة في التسوق وزيارة المواقع الدينية التاريخية.
وتنظم السعودية منذ الأحد موسم الحج الذي سيقتصر على 60 ألفاً من المقيمين ممن أخذوا كامل جرعات اللقاحات المضادة لـ«كوفيد» فيما استثني منه الوافدون من الخارج للسنة الثانية توالياً.
وقال نجل طلعت، جمال (23 عاماً) الذي يعمل مهندساً «تعودنا منذ الصغر أن نقضي أيام الحج في المشاعر المقدسة مع والدي كل عام».
وتابع: «كانت وصيته لنا دوماً ألّا نترك كمطوّفين أو متطوعين مهنة الشرف هذه التي اختص بها الله أهل مكة».
وتدرج طلعت تونسي في مهنة الطوافة، حيث بدأ كمطوّف في مؤسسة مطوّفي الدول العربية ثم عضواً في مجلس إدارتها قبل أن يصبح نائباً لرئيسها.
وقال ابنه جمال: «قررنا أن نكون متطوعين لنكمل مسيرة ربع قرن قضاها والدي في خدمة الحجاج».
وأقامت جمعية «هدى» احتفالاً بتطوع أبناء المطوّف الشهير قبل انطلاق موسم الحج.
وأكّد عميد المطوفين عبد الله المالكي في فيديو نشرته المؤسسة الخيرية أنّ المطوف طلعت «غادرنا بالجسد لكن بالآثار الطيبة والأخلاق هو بيننا»، مشيراً إلى دور أبنائه في استكمال مسيرته.