الإمارات تحتفي بانتهاء مبادرة تدريب مليون مبرمج عربي

تحديد «إكسبو 2020 دبي» لتكريم الفائزين

اختتمت مبادرة تدريب مليون شاب عربي على لغة البرمجة بعد ثلاث سنوات من إطلاقها (وام)
اختتمت مبادرة تدريب مليون شاب عربي على لغة البرمجة بعد ثلاث سنوات من إطلاقها (وام)
TT

الإمارات تحتفي بانتهاء مبادرة تدريب مليون مبرمج عربي

اختتمت مبادرة تدريب مليون شاب عربي على لغة البرمجة بعد ثلاث سنوات من إطلاقها (وام)
اختتمت مبادرة تدريب مليون شاب عربي على لغة البرمجة بعد ثلاث سنوات من إطلاقها (وام)

أعلنت الإمارات أمس اختتام مبادرة تدريب مليون شاب وشابة من الوطن العربي على لغة البرمجة، وذلك بعد ثلاث سنوات من إطلاقها، مشيرة إلى أن المبادرة التزمت بالبرنامج الزمني المحدد لها، وفق آلية تدريب حرصت على أن تكون منهجية، وذات مستهدفات واضحة ومحددة، موضحة أنها تغلبت على كافة العوائق والتحديات اللوجيستية التي فرضها تفشي وباء فيروس «كورونا» المستجد في العالم «كوفيد - 19».
دعا الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، اليوم خريجي برنامج مليون مبرمج عربي للمشاركة والتنافس على تطوير مشاريع برمجية مبتكرة بالاعتماد على المهارات والخبرات التي اكتسبوها ضمن منافسة تكنولوجية هي الأضخم من نوعها في المنطقة.
وبحسب المعلومات الصادرة أمس سيتم الإعلان عن الفائزين بهذا التحدي خلال «إكسبو 2020 دبي»، والذي ستنطلق فعالياته في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل؛ وسوف يتم تكريم المشروع الفائز بالتحدي بمنحه الجائزة الكبرى ومقدارها مليون دولار أميركي، فيما سيحصل 5 متسابقين، من أصحاب المشاريع الخمسة الأفضل، على جوائز بقيمة 50 ألف دولار لكل منهم، وسيتم تكريم 4 من أفضل المدربين المشاركين في مبادرة «مليون مبرمج عربي، بجائزة قدرها 25 ألف دولار لكل مدرب.
وكانت مبادرة «مليون مبرمج عربي»، التي تشرف عليها مؤسسة دبي للمستقبل، وتنظم تحت مظلة مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، قد أعلنت اختتام أكبر مبادرة تدريبية من نوعها في العالم لتدريب مليون شاب وشابة من أبناء الوطن العربي على لغة البرمجة.
وقال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في موقع «تويتر» أمس: «مليون مبرمج عربي من 80 بلداً التحقوا بأهم برنامج لتدريبهم على لغة المستقبل، من خلال 5 ملايين ساعة عمل و76 ألف ورشة تدريبية و100 ألف مشروع تخرج ناجح و1500 منحة للمتفوقين. إنجاز كبير لشبابنا العربي في ثلاث سنوات».
وأكد «مسيرة التطوير والتحديث في المنطقة متواصلة بقيادة الإمارات، وندعو خريجي (مليون مبرمج عربي) للمشاركة في أكبر تحدٍ للبرمجة، وسنكرم المتميزين منهم في (إكسبو دبي)، منصة الابتكار الأضخم في العالم، كي يكونوا جزءاً من أكبر حراك معرفي وإبداعي تشهده البشرية تحت فضاء دبي».
وأضاف الشيخ محمد بن راشد «نتطلع من خلال هذا التحدي إلى مشاريع تخدم الناس وتحدث نقلة في العمل والحياة... وتسهم في بناء مجتمعات مستقرة ومزدهرة»، وتابع سموه «شبابنا العربي هم ثروة أمتنا وهم عماد نهضتها وهم الذين سيضعون دولهم على الطريق إلى المستقبل... والبرمجة والتكنولوجيا والعلوم المتقدمة لَبِنات هذا المستقبل وأدواته الأساسية».
وسيتم اختيار الفائز الأول في التحدي المليوني، وأصحاب المشاريع الخمسة الأفضل وفق مجموعة من المعايير الخاصة، فيما ستعمل لجنة تحكيم متخصصة تضم مجموعة من الخبراء والمتخصصين في مختلف مجالات البرمجة والتكنولوجيا وريادة الأعمال من دولة الإمارات وخارجها على تقييم المشاركات واختيار أفضلها.
ويأتي «تحدي مليون مبرمج عربي» في أعقاب إعلان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مؤخراً عن إطلاق «البرنامج الوطني للمبرمجين»، بهدف تدريب واستقطاب 100 ألف مبرمج من مختلف أنحاء العالم ومنحهم الإقامة الذهبية للعمل في دولة الإمارات، إضافة إلى إنشاء 1000 شركة رقمية كبرى في الدولة خلال خمسة أعوام.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)