«يوتيوب»... بين حماية المحتوى والحد من «غير الملائم»

«يوتيوب»... بين حماية المحتوى والحد من «غير الملائم»
TT

«يوتيوب»... بين حماية المحتوى والحد من «غير الملائم»

«يوتيوب»... بين حماية المحتوى والحد من «غير الملائم»

منذ انطلاق منصة الفيديوهات «يوتيوب» في عام 2005، وثمة سجال لا يهدأ حول «حقوق التأليف والنشر».
صحيح أن السنوات الماضية شهدت مكاسب حثيثة لمالكي المحتوى في شأن حقوق الملكية؛ لكن يبدو أننا على مشارف «ضجيج» ربما يثار من جديد، بعدما ربحت «يوتيوب» قبل نهاية الشهر الماضي نزاعاً قضائياً أمام المحكمة العليا في أوروبا يخلص إلى أن «المنصات الإلكترونية غير مسؤولة عن رفع المستخدمين لأعمال غير مصرح بها؛ إلا إذا تقاعست المنصات عن اتخاذ إجراءات سريعة لحذف المحتوى أو منع الوصول إليه».
وبينما يرى خبراء إعلام رقمي أن هذه الخطوة ربما تمثل تراجعاً قد يحد نسبياً من حقوق الناشر أو المؤلف. يرى آخرون أننا أمام قضية طويلة الأمد ونقاش ساخن لا يخص يوتيوب وحدها؛ بل يشمل جميع منصات التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بنشر محتوى غير ملائم أو نشر محتوى يحض على الكراهية».
أمير شعشاعة، المدير التنفيذي للإعلام الرقمي والنشر في شركة «روتانا للصوتيات والمرئيات»، قال في لقاء مع «الشرق الأوسط» موضحاً «يوتيوب من أفضل المنصات في شأن حقوق الملكية والنشر... ومنذ إطلاقها في 2005 ثمة اتفاقيات وشروط تحدد سياسة استخدام المحتوى من قبل المستخدمين. وحتى قبل يوتيوب، وتحديداً في أواخر التسعينات، أبرم قانون دولي لحفظ حقوق المؤلف تأهباً لدخول الألفية الرقمية، وعرف هذا القانون حينها باسم DMCA لتنظيم علاقة صانع المحتوى (أي المؤلف) مع الكيانات الرقمية». وأردف «في البداية لم تأخذ يوتيوب هذه الاتفاقات الدولية في الاعتبار، واكتفت بأن يقر المستخدم بملكية المحتوى للسماح له بالنشر. ولكن سرعان ما تحولت هذه المنصة إلى عملاق مقاطع الفيديو. وخلال عام 2007 شعرت المنصة بدورها الاجتماعي وضرورة حماية أدبيات المهنة، ولذا أطلقت نظاماً مطوراً لكشف التدليس والسرقة وحماية قطاع الصناعة الإبداعية».
شعشاعة ذكر أن «المنصة تتولى تحويل أي محتوى إلى بصمة، ثم تضاهي هذه البصمة للتأكد من حق ملكية المستخدم. وفي هذه الحالة يمكن بسهولة الكشف عن أي تعديات. كذلك تضمن سياسة يوتيوب للمؤلف أو الناشر صاحب الحق الاستفادة من الإعلانات في حال استغلال محتواه دون اتفاق مبرم، وهو ما يدحض فكرة المؤامرة من قبلها». واستطرد مضيفاً «المنصة تحقق أقصى درجات حفظ الحقوق. ولأن العالم يسارع إلى التحول نحو الرقمنة، أصبحت المكاسب المادية التي يحققها الناشر أو المؤلف من تكرار مرات نشر المحتوى على منصة رقمية، أفضل من الحضور على وسائل الإعلام التقليدية مثل التلفزيون أو الراديو».
وحول الفارق بين حقوق الملكية وحقوق النشر، قال شعشاعة بأن «حقوق النشر تختلف عن حقوق الملكية الفكرية تماماً، فلكل منهما قوانينه. وحسب سياسة روتانا، مثلاً، إذا نشر المستخدم المحتوى مع حفظ حقوق الملكية للشركة، فإننا نعتبر في هذه الحالة الأمر مقبولاً، إذ تعد الشركة وسيلة ترويجية. إلا أنه إذا أعيد نشر المحتوى بصورة تخل بالشكل الأصلي لترويج المستخدم لنفسه، هنا الأمر يتطلب التدخل الفوري، لأنه بات تعدياً سافراً... ومن جانبها، توفر يوتيوب الوسائل اللازمة لمقاضاة المستخدم».
هنا شرح شعشاعة أن «حكم المحكمة العليا في أوروبا، لا يشكل أي إدانة، لأنه مجرد خطوة نحو تحييد دور يوتيوب فيما يخص العلاقة بين صانع المحتوى والمستخدم لهذا المحتوى. فالمنصة تمنح كل الأطراف الأدوات اللازمة لحفظ الحقوق من دون أن تنجرف كونها طرفا في النزاع في حال التعدي، ويحق لها ذلك لأنها نجحت في تأسيس نظام محكم». واستدرك قائلاً أن «حكم المحكمة يشكل عبئاً على الشركات الصانعة لمحتوى أو الناشرين بشكل عام فيما يخص جانب المراقبة».
من جانبه، قال أسامة عصام الدين، الخبير السعودي في تطوير مواقع التواصل الاجتماعي، إن «يوتيوب منصة لاستضافة الفيديوهات عبر الإنترنت، يرفع المستخدمون الفيديوهات عليها، ولا تستطيع أن تضمن ضماناً أكيداً أن لا يرفع المستخدمون فيديوهات محمية بحقوق النشر. إلا أنها تتلقى البلاغات من أصحاب المحتوى المحمي فتبادر إلى حذف ما ينتهك حقوق فيديوهاتهم».
وبينما يرى مراقبون أن يوتيوب ساهمت في الترويج لما يقدمه الناشر وحققت لهم مكاسب محسوبة، قال عصام الدين لـ«الشرق الأوسط» بأن «الأمر يختلف من شركة لأخرى. فإذا كانت الشركة تهدف لأن يصل المحتوى الذي تملكه إلى جميع مستخدمي الإنترنت، هنا يتوجب عليها ألا تمانع في ذلك، طالما أن الفيديو لأغراض الدعاية والإعلان. وبالفعل حقق الناشرون مكاسب عدة خلال السنوات الماضية، لا سيما في شكل تعاون أفضل واستجابة أسرع من عمالقة شبكات التواصل الذين بات يقلقهم هذا النوع من القضايا».
ومن ثم، عقد الخبير السعودي مقارنة بين منصات التواصل الاجتماعي اعتماداً على ما أحرزته من مكاسب تصب في مصلحة الناشر، فقال إن «يوتيوب بلا شك هي الأفضل بين المنصات الأخرى، إذ لدى هذه المنصة نظامها الخاص للتعرف على المحتوى المحمي، يسمى «نظام إدارة الحقوق» استثمرت فيه الملايين ليتعرف تلقائياً على أكبر قدر ممكن من المحتوى المخالف أو المعاد تحميله على المنصة من ناشر آخر». وتابع «تعمل يوتيوب في المنطقة (الشرق الأوسط) باجتهاد أيضاً على إزالة المحتوى المخالف؛ ولكن لا مقارنة لجهة سرعة الوتيرة بينها وبين يوتيوب في أوروبا أو الولايات المتحدة».
على صعيد آخر، حول ما ينتظره صناع المحتوى الإبداعي في الوطن العربي لتحقيق المزيد من حماية الحقوق، قال أمير شعشاعة «ما زلنا نعاني من مشكلة تتعلق بحقوق الملكية في الوطن العربي، سواءً على مستوى المنصات الرقمية أو القنوات التقليدية للإعلام. ذلك أن نظم تسجيل حقوق الملكية هنا معقدة ومكلفة، كما أن ثقافة حقوق الملكية ما زالت في بداياتها، كذلك طرق التقاضي الطويلة الأمد... لكننا نأمل أن تسير هذه الأمور قريباً نحو الأفضل». أما عصام الدين فلفت إلى أنه «لا ينتظر الناشرون اليوم الحماية لمحتواهم فحسب؛ بل يطالبون شركات الإنترنت بالدفع لهم مقابل المحتوى الذي ينتجونه، وتعرضه شركات الإنترنت على مستخدميها من دون الدفع للناشرين، ليتربحوا هم من الإعلانات، وهكذا، فالسجال مستمر حتى يتم تنظيم هذه العلاقة على أفضل وجه».


مقالات ذات صلة

وفاة «أيقونة التعليق العربي» ميمي الشربيني

رياضة عربية المعلق التلفزيوني الشهير ميمي الشربيني (وسائل إعلام مصرية)

وفاة «أيقونة التعليق العربي» ميمي الشربيني

نعى النادي الأهلي أكثر الأندية المصرية تتويجاً بالألقاب في كرة القدم وفاة لاعبه السابق والمعلق التلفزيوني الشهير ميمي الشربيني.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا متفاعلة عند وصولها إلى منزلها في روما بعد إطلاق سراحها من الاحتجاز بإيران يوم 8 يناير 2025 (رويترز)

صحافية إيطالية كانت معتقلة بإيران تشيد بدور ماسك في إطلاق سراحها

قالت صحافية إيطالية، كانت محتجزة في إيران، إن اتصال صديقها بإيلون ماسك ربما كان عاملاً «جوهرياً» في إطلاق سراحها.

«الشرق الأوسط» (روما)
خاص مدير القنوات في «MBC» علي جابر يروي لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل عودته من المرض والغيبوبة (علي جابر)

خاص علي جابر «العائد من الموت» يروي ما رأى على «الضفة الأخرى»

جراحة فاشلة في العنق، ساقٌ مكسورة، نزيف في الأمعاء، ذبحات قلبيّة متتالية، ودخول في الغيبوبة... هكذا أمضى علي جابر عام 2024 ليختمه إنساناً جديداً عائداً من الموت

كريستين حبيب (بيروت)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

الإعلام الأميركي يستعد لـ«الجولة» الثانية من «النزال» مع ترمب

سيتوجّب على الإعلام الأميركي التعامل مجدّداً مع رئيس خارج عن المألوف ومثير للانقسام ساهم في توسيع جمهور الوسائل الإخبارية... وفي تنامي التهديدات لحرّية الإعلام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية عام 2024 (أرشيفية)

360 صحافياً مسجونون في العالم... والصين وإسرائيل في صدارة القائمة السوداء

أعلنت لجنة حماية الصحافيين، الخميس، أنّ عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية 2024، حيث احتلّت إسرائيل المرتبة الثانية في سجن الصحافيين، بعد الصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

ما تأثير تراجع استخدام «الهاشتاغ» على التفاعل في منصات «التواصل»؟

ما تأثير تراجع استخدام «الهاشتاغ» على التفاعل في منصات «التواصل»؟
TT

ما تأثير تراجع استخدام «الهاشتاغ» على التفاعل في منصات «التواصل»؟

ما تأثير تراجع استخدام «الهاشتاغ» على التفاعل في منصات «التواصل»؟

يبدو أن الفترة المقبلة ستشهد تراجعاً في استراتيجية تسويق الأخبار عبر «الهاشتاغ» التي كانت فعالة لسنوات، وذلك عقب إعلان «ميتا» تراجع الاعتماد على «الهاشتاغ» لتحقيق التفاعل والوصول، وتحديداً على «إنستغرام»، التي هي المنصة الأكثر استخداماً للهاشتاغات منذ إطلاقها. وتبع هذه الخطوة إعلان تطبيق «إكس» (تويتر سابقاً) عبر مالكه إيلون ماسك «انعدام جدوى استخدام الهاشتاغ (الكلمات المفتاحية) في العام الجديد»، مما أثار تساؤلات حول تأثير تراجع استخدام «الهاشتاغ» على التفاعل بمنصات التواصل الاجتماعي.

للتذكير، «الهاشتاغ» هو كلمة أو عبارة مسبوقة برمز #، تُستخدم على وسائل التواصل الاجتماعي لتصنيف المحتوى، مما يسهل على المستخدمين العثور على المنشورات المتعلقة بموضوع معين. لسنوات عديدة كان لـ«الهاشتاغ» دور بارز في تحقيق معدلات الوصول والتفاعل مع المنشورات، ومنها الأخبار. ووفق بيانات صدرت عن «شبكة موارد التعلم بكاليفورنيا» (CLRN) في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، «لا يزال نحو 95 في المائة من مستخدمي (إنستغرام) يعتمدون على الهاشتاغات لاكتشاف محتوى جديد».

الدكتور حسن مصطفى، خبير التسويق الرقمي والإعلام الجديد في الإمارات العربية المتحدة، قال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً إن «الهاشتاغ كان في السابق أداة قوية لتنظيم المحتوى وجذب الجمهور المستهدف. ولكن مع تراجع دعمه من قبل منصات مثل (إنستغرام) و(إكس) من المتوقع أن ينخفض دوره كعامل رئيس في زيادة الوصول». وذكر أن السبب يكمن في «تغيير خوارزميات هذه المنصات التي تركز بشكل أكبر على جودة المحتوى وتفاعله بدلاً من الاعتماد على الكلمات المفتاحية أو الهاشتاغات».

مصطفى توقع أيضاً أن «يظل الهاشتاغ أداة ثانوية لتنظيم المحتوى بدلاً من كونه محركاً رئيساً للوصول، مع استمرار أهميته في بعض المنصات مثل (تيك توك) و(لينكد إن)، حيث لا يزال يشكل جزءاً أساسياً من استراتيجية الاستكشاف». وأضاف أن «التسويق بالمحتوى الجيّد يعتبر من أفضل طرق الوصول والتفاعل المستدام، وما زالت عبارة المحتوى هو الملك Content is The King تشكل حقيقة ماثلة». ومن ثم، نَصَح الناشرين «بضرورة الاعتماد في الوصول للجمهور المستهدف على تحسين جودة المحتوى، من خلال تلبية احتياجات الجمهور، ليضمن بذلك تفاعلاً، كما أنه سيحصل على أولوية في الخوارزميات».

مصطفى لفت أيضاً إلى أهمية التوجه نحو الفيديوهات القصيرة والمحتوى التفاعلي، موضحاً أن «(تيك توك) و(ريلز إنستغرام) أثبتا فعالية الفيديوهات القصيرة في الوصول لجمهور أوسع». ولضمان استمرارية معدلات الوصول للأخبار، رأى أن على الناشرين الاهتمام بـ«تحسين استراتيجيات تحسين محركات البحث (SEO)، وكذلك التعاون مع المؤثرين، فضلاً عن تفعيل أداة الإعلانات المدفوعة... التي هي من العوامل المهمة في الوصول بشكل أسرع وأكثر استهدافاً».

جدير بالذكر أن منصات مثل «تيك توك» لا تزال تولي أهمية لـ«الهاشتاغ». ووفقاً لبيانات صدرت عن «جمعية التسويق الأميركية» (American Marketing Association)، في أغسطس (آب) الماضي، فإن المنشورات التي تحتوي على 3 - 5 علامات تصنيف على الأقل إلى تحقيق انتشار أكبر. وأردفت أن «استخدام هاشتاغ مثل #fyp (صفحة For You) جمع ما يقرب من 35 تريليون مشاهدة... ثم إن استخدام الهاشتاغ على «فيسبوك» أقل أهمية، وقد يحمل آثاراً تفاعلية متفاوتة مما يستلزم اتباع نهج حذر واستراتيجي».

من جهته، في لقاء لـ«الشرق الأوسط» مع معتز نادي، الصحافي المصري والمدرب المتخصص في الإعلام الرقمي، قال نادي إن «ثمة تغييرات حثيثة تطغى على سوق الإعلام الرقمي وفضاء التواصل الاجتماعي، من ثم على الناشرين سرعة مجاراة التحديثات، لأن هذا من الأمور الحيوية التي يجب أن يلم بها الناشرون لضمان فعالية وصول المحتوى الذي يقدمونه إلى الجمهور المستهدف».

وعدّ نادي تحقيق التفاعل والوصول للأخبار مهمة تتطلب التكيف والتطوير، مضيفاً أنه «يجب أن يولي الناشرون أهمية لتطوير القوالب التي تضمن الانتشار مثل الفيديو على (تيك توك)، واتجاه الفئات الأصغر سناً إليه للبحث عن المعلومة وفقاً لتقارير معهد رويترز للصحافة قبل نحو سنتين، مما يعني أنه على وسائل الإعلام ومديري المحتوى على المنصات إدراك أهمية تلك المنصات بالتطور الدائم دون التوقف عند فكرة الهاشتاغات».

وأشار نادي إلى إمكانية تحسين معدلات الوصول من خلال «فن اختيار الكلمات في العناوين بما يتناسب مع العبارات المتداولة لضمان الوصول لأكبر قدر ممكن من الجمهور عند البحث عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي». ومن ثم شدد على أهمية «الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والتطبيقات التي باتت المنصات تعتمد عليها، مثل (فيسبوك) و(واتساب) و(إكس)، لا سيما أن هذا الاتجاه سيشكل لغة خوارزميات المستقبل في نشر المحتوى».