هل تؤشر أحداث كوبا إلى بداية نهاية «الكاستروية»؟

كسرت حاجز الخوف وهزت هيبة النظام الأمني

الرئيس ميغيل دياز - كانيل (يسار) والرئيس السابق راؤول كاسترو في هافانا أمس (أ.ف.ب)
الرئيس ميغيل دياز - كانيل (يسار) والرئيس السابق راؤول كاسترو في هافانا أمس (أ.ف.ب)
TT

هل تؤشر أحداث كوبا إلى بداية نهاية «الكاستروية»؟

الرئيس ميغيل دياز - كانيل (يسار) والرئيس السابق راؤول كاسترو في هافانا أمس (أ.ف.ب)
الرئيس ميغيل دياز - كانيل (يسار) والرئيس السابق راؤول كاسترو في هافانا أمس (أ.ف.ب)

في صيف عام 1994، شهدت كوبا أول اختبار جدي ضد الثورة، عندما خرجت مظاهرات حاشدة احتجاجاً على الأوضاع المعيشية الخانقة التي كانت تعيشها البلاد، وذلك بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وانقطاع شريان المساعدات الذي يمدها بالحياة والقدرة على مواجهة الحصار الأميركي الخانق. يومذاك، لم تتجاوز تلك الاحتجاجات حدود العاصمة هافانا، وتمكن النظام من إخمادها بسرعة بفضل «وحدات التدخل السريع» الشعبية. ومن ثم، انتهت بخروج ما يزيد على 30 ألف كوبي من المعارضين والسجناء عن طريق البحر إلى الولايات المتحدة، فيما وصفه فيديل كاسترو -حينذاك- بعملية «تطهير الثورة من أدرانها».
غير أن المظاهرات التي خرجت يوم الأحد الفائت احتجاجاً على الضائقة المعيشية والأزمة الاقتصادية المستفحلة عمت كل المدن الكبرى وكثيراً من القرى، ثم إنها اتسمت بمستوى غير مسبوق من أعمال النهب والاعتداء على آليات أجهزة الأمن والسيارات الرسمية. وللمرة الأولى، حُطمت صور للزعيم التاريخي فيديل كاسترو، وعلت هتافات تطالب بإنهاء «الديكتاتورية»، ما يطرح تساؤلات عما إذا كانت الأحداث الحالية تؤشر إلى بداية نهاية «الكاستروية»؟
وأيضاً، للمرة الأولى، استدعت تلك الاحتجاجات رداً وحشياً من الأجهزة الأمنية كشف مستوى الخطر الذي شعرت به الحكومة حتى دفعها إلى فتح مواجهة تحت عنوان «مصير الثورة» ضد من سمتهم «عملاء الداخل في خدمة الإمبريالية الأميركية».
والأنباء التي تتداولها حالياً وسائل الإعلام عن الأوضاع في كوبا معظمها من مصادر خارج الجزيرة، وذلك بسبب قطع خدمة «الإنترنت»، واستحالة التواصل عبر المنصات الإلكترونية التي كان لها الدور الحاسم في التعبئة الشعبية الواسعة، والدعوة إلى التظاهر. وتفيد اتصالات خاصة أجرتها «الشرق الأوسط» مع مقيمين في هافانا بأن الوضع في العاصمة يسوده هدوء حذر، وسط انتشار كثيف لعناصر من قوات الأمن والشرطة في الشوارع وأمام المباني الرسمية.
وقال الرئيس الكوبي ميغيل دياز - كانيل، في تجمع نُظم أمس (السبت)، وتقدمه راؤول كاسترو، وحضره آلاف الأنصار في هافانا، إن «ما يراه العالم في كوبا كذبة»، مستنكراً نشر «صور مضللة» على شبكات التواصل الاجتماعي.
- اختبار للنظام
إلا أن المؤشرات الواردة من هافانا، والمعلومات المستقاة من مصادر دبلوماسية في العاصمة الكوبية، تفيد بأن النظام الكوبي يقف أمام أخطر اختبار له منذ ستة عقود، وأن التطورات الأخيرة إن لم تكن بداية النهاية، فهي تحمل نذر بداية النهاية. ولعل أبرز المؤشرات الدالة على عمق الأزمة، واتساع دائرة تأثير الأحداث الأخيرة في الأوساط الاجتماعية، المواقف التي صدرت عن شخصيات فكرية وفنية بارزة ليست محسوبة ضمن مَن يصفهم النظام بـ«العناصر المضادة للثورة»، إذ يقول الكاتب المسرحي المعروف كارلوس سيردان الذي حاز أخيراً على «الجائزة الوطنية للمسرح»، معلقاً: «لا للعنف، لا للتعسف، لا لسوء المعاملة. لا أستطيع مشاهدة صور القمع من غير أن أتساقط على نفسي مهشماً. كل شريط فيديو يصور القمع الذي تمارسه الأجهزة ضد المتظاهرين يتركني بلا خيارات ومن غير بدائل. لقد وهبت حياتي لكوبا عبر المسرح. ناضلت من أجل الثورة، وقاومت في أصعب الظروف. أنا أعشق ما تمكنا من إنجازه على الرغم من كل الصعاب، لكن ما يحصل الآن أمام أعيننا لا أستطيع القبول به».
ومما لا شك فيه أن النظام أدرك تماماً خطورة الوضع، والاحتمالات الحقيقية لخروجه عن السيطرة، عندما دعا إلى عقد اجتماع طارئ للمكتب السياسي للحزب الشيوعي، حضره الرئيس السابق راؤول كاسترو الذي كان قد استقال من رئاسته وعضويته. وجاء في البيان الصادر عن الاجتماع، بعد 6 ساعات من النقاش: «بحث المكتب الاستفزازات التي قامت بها عناصر مضادة للثورة، بتحريض من الولايات المتحدة وتنظيمها وتمويلها، بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في كوبا. وتناول الاجتماع الاستجابة الشعبية النموذجية لنداء الرفيق (الرئيس) دياز كانيل من أجل الدفاع عن الثورة في الشوارع التي أدت إلى إحباط المخططات والأعمال التخريبية».
ومع هذا، فإن تذرع النظام بنظرية «المؤامرة الخارجية»، واتهامه المتظاهرين بخدمة «أعداء الثورة»، ووصفهم بـ«المخربين»؛ كل ذلك يتهاوى أمام عفوية الاحتجاجات، والاتساع غير المسبوق لدائرتها، ثم إن التهويل بالقمع يتداعى تحت وطأة الضائقة المعيشية التي أظهرت الأحداث أن الشعب لم يعد قادراً على تحملها، ولا الحكومة قادرة على معالجتها أو التخفيف من حدتها.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب يونيور غارسيا الذي اعتقلته الأجهزة الأمنية إبان مشاركته في المظاهرات، ثم أطلق سراحه بعد يومين من التحقيقات: «تبين بوضوح جلي خلال التحقيق مع جميع المعتقلين أننا لم نخرج إلى الشوارع بتوجيه أو تحريض من أي طرف خارجي... ولم يدفع لنا أحد فلساً واحداً للقيام بما قمنا به، لكننا طرحنا مواقفنا وأفكارنا من أجل التغيير كي لا يقع البلد في الهاوية السائر نحوها بسبب من الأزمة الصحية، وفقدان الأدوية والمواد الغذائية، والتضخم الجامح، والديون التي يستحيل سدادها».
ومن جانبها، تقول كارمن ميسا، الخبيرة التشيلية في الاقتصاد الكوبي بجامعة هارفارد: «بلغ الوضع الاقتصادي في كوبا من الخطورة ما جعل منه العامل الرئيس في انطلاق هذه الاحتجاجات التي ستتكرر مهما حاول النظام قمعها. ما زالت كوبا حتى اليوم الدولة الوحيدة في العالم، إلى جانب كوريا الشمالية، التي تصر على تطبيق نظام التخطيط المركزي الأشد صرامة في العالم الاشتراكي، مع أنه أظهر فشله الذريع في كل أنحاء العالم».
- الخلفية الاقتصادية للأزمة
وتعزو ميسا فداحة الأزمة الاقتصادية الكوبية إلى الأسباب التالية: أولاً، فشل خطة الإصلاح الزراعي التي كان فيديل كاسترو قد وضعها في عام 2002، وأدت إلى انخفاض إنتاج السكر الذي يشكل المحصول الأساسي لقطاع الزراعة الكوبي.
ثانياً، تراجع الطلب على الخدمات المهنية التي كان الخبراء الكوبيون، خاصة الأطباء، يقدمونها إلى الدول الحليفة. وكانت هذه الخدمات تشكل المصدر الأساسي الذي يعتمد عليه النظام للحصول على العملة الصعبة.
ثالثاً، الانهيار الاقتصادي في فنزويلا التي كانت لسنوات مصدر الدعم الرئيس لكوبا.
رابعاً، القيود الإضافية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب على التحويلات المالية إلى كوبا، والتي خلافاً للتوقعات قررت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن ألا ترفعها.
- «دولة أمنية» ذكية
من السذاجة الاعتقاد اليوم بأن «كاريزما» فيديل كاسترو هي العامل الذي كان يمد النظام بمقومات البقاء، أو أن الإنجازات التي حققتها الثورة في الصحة والتعليم تكفي لصموده في وجه الأزمة الاقتصادية المعمرة. فمنذ أواخر ستينيات القرن الماضي، وبعدما رسخ النظام الثوري سلطته وسيطرته على كوبا، فإنه أرسى منظومة أمنية متماسكة على أسس الرصد المبكر لحركات الاستياء والتمرد، وردعها أو قمعها قبل ظهورها أو حدوثها. وبينما كانت الأنظمة الاستبدادية اليمينية في أميركا اللاتينية تمارس القمع الوحشي المكشوف، والاغتيالات في وضح النهار، كان النظام الكوبي يعتمد سياسة القمع الانتقائي، انطلاقاً من المعلومات الدقيقة التي كانت تؤمنها له شبكة واسعة من الاستخبارات، وهي السياسة نفسها التي كانت يتبعها النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية، بواسطة استخباراته الشهيرة (ستازي) التي كان شعارها «تحاشي القتل»، استناداً إلى مئات الآلاف من المُخبرين المنتشرين في كل قطاعات المجتمع.
ومن ثم، فمَن يعرف كوبا جيداً لا يخفى عليه أن الأبناء كانوا يتجسسون على آبائهم، والعكس بالعكس. كما كان يتجسس حراس السجون على المعتقلين، والعكس بالعكس. وكان المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه النظام الأمني هو «الخوف وانعدام الثقة». الحزب الشيوعي يضم مئات الآلاف من المنتسبين، و«لجان الدفاع عن الثورة» تضم الملايين، والتجسس يوفر من المزايا بقدر ما يتعرض المعارضون للعقاب والحرمان من الخدمات الصحية والتعليم والمساعدات الغذائية. والحقيقة أنه لا يوجد في كوبا آلاف المفقودين كما في الأرجنتين، ولا اغتيالات جماعية كما في أنظمة الاستبداد في أميركا الوسطى. في كوبا، الاعتقالات انتقائية بدقة، والتعذيب لا يجب أن يترك آثاراً ظاهرة، والمعارضون الأشداء لا يتعرضون للاغتيال، بل يموتون في حوادث غامضة أو ينتحرون. لذلك، يمكن القول اليوم إن الاحتجاجات التي خرجت الأحد الفائت كشفت انهيار نظام التجسس والوقاية بعدما تداعى الخوف من سلطة الدولة، وتهاوت سيطرتها.
الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها كوبا اليوم تضعها أمام طريق مسدود لأن أحداً لن يهب لإنقاذ النظام، ذلك أن روسيا باتت متعبة من دعمه، والصين لا تقدم الهدايا لأحد، وفنزويلا بحاجة لمن ينقذها. وعلى العكس من الأزمات السابقة، عندما كان المعارضون والمحتجون يطلبون الخروج من الجزيرة، ويسهل النظام إبعادهم للتخلص منهم، يطالب المحتجون اليوم بالبقاء وتغيير النظام. وفي المقابل، يصر النظام على إطالة حفل وداع الشيوعية الكوبية، ويرفض الحديث عن التغيير، أو حتى عن الإصلاح، متجاهلاً نصيحة ميخائيل غورباتشوف الشهيرة: «الحياة تعاقب أولئك الذين يقررون تأجيل الحياة».



جزر المحيط الهادئ تعزز أمنها بعد اجتماع القادة... وترفض قطع العلاقة بتايوان

زعماء دول المحيط الهادئ خلال الاجتماع الثالث والخمسين لزعماء منتدى جزر المحيط الهادئ في نوكو ألوفا، تونغا 29 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)
زعماء دول المحيط الهادئ خلال الاجتماع الثالث والخمسين لزعماء منتدى جزر المحيط الهادئ في نوكو ألوفا، تونغا 29 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)
TT

جزر المحيط الهادئ تعزز أمنها بعد اجتماع القادة... وترفض قطع العلاقة بتايوان

زعماء دول المحيط الهادئ خلال الاجتماع الثالث والخمسين لزعماء منتدى جزر المحيط الهادئ في نوكو ألوفا، تونغا 29 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)
زعماء دول المحيط الهادئ خلال الاجتماع الثالث والخمسين لزعماء منتدى جزر المحيط الهادئ في نوكو ألوفا، تونغا 29 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

أقر منتدى جزر المحيط الهادئ خطة لتعزيز أعداد الشرطة بين أعضائه، مما يقلل الحاجة إلى الاعتماد على القوى الخارجية في الأزمات، حيث أيدت جزر سليمان حليفة الصين الأمنية المبادرة التي تمولها أستراليا، اليوم (الجمعة)، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال رئيس وزراء جزر كوك مارك براون، رئيس المنتدى، في اليوم الأخير من اجتماع سنوي لزعماء دول جزر المحيط الهادئ، إن الكتلة المكونة من 18 دولة لديها القدرة على الاضطلاع بدور قوي ونشط في الأمن الإقليمي.

وأضاف في مؤتمر صحافي في تونغا، إن جزر المحيط الهادئ «منطقة تعاون ودعم وعمل مشترك، وليس منطقة تنافس ومنطقة حيث تسعى الدول الأخرى إلى محاولة اكتساب ميزة علينا».

ورفض زعماء دول المحيط الهادئ دعوات تدعمها بكين إلى قطع العلاقات مع تايوان، قائلين إن التحالف الإقليمي سيبقي سياساته المستمرة منذ عقود. وفي البيان الختامي أعاد زعماء الكتلة تأكيد اتفاق وُقّع عام 1992 سمح بإجراء محادثات مع تايبيه.

وكانت جزر سليمان، الشريك الرئيسي للصين في جنوب المحيط الهادئ، مارست ضغوطا لتجريد تايوان من وضعها كشريك في منتدى جزر المحيط الهادئ، ما أثار غضب بعض حلفاء تايبيه.

وهذا المنتدى منقسم بين دول تقيم علاقات دبلوماسية مع بكين وأخرى، مثل جزر مارشال وبالاو وتوفالو، حليفة لتايوان التي أرسلت نائب وزير خارجيتها تيان تشونغ-كوانغ إلى تونغا سعيا لتعزيز العلاقات مع حلفائها في جزر المحيط الهادئ، الذين يتناقص عددهم.

وفي السنوات الخمس الماضية، قطعت جزر سليمان وكيريباتي وناورو علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان لصالح الصين.

ومن المقرر تنظيم الانتخابات في بالاو هذا العام، وستكون علاقاتها مع تايوان، وتحول محتمل لصالح الصين، من أبرز قضايا الحملة الانتخابية.

ويرى بعض المحللين أن الخطة لإنشاء وحدة شرطة إقليمية لجزر المحيط الهادئ، يتم نشرها للتعامل مع الحوادث الكبرى هي خطوة من جانب أستراليا لمنع الوجود الأمني المتزايد للصين في المنطقة، وسط تنافس استراتيجي بين بكين وواشنطن.

وقالت جزر سليمان خلال المنتدى الجمعة، وهي دولة تربطها علاقات أمنية بأستراليا، أكبر عضو في المنتدى، وكذلك الصين، التي ليست عضواً في المنتدى، إنها وافقت على مبادرة الشرطة في المحيط الهادئ.

وصرّح رئيس وزراء جزر سليمان جيريميا مانيلي: «نحن نؤيد أيضاً، كجزء من تطوير هذه المبادرة، أهمية التشاور الوطني... لذلك نحن نقدّر حقاً المبادرة».

وقال رئيس وزراء تونغا سياوسي سوفاليني، إن ذلك من شأنه أن يعزز بنية الأمن الإقليمي الحالية. وأضاف أن الزعماء وافقوا أيضاً على شروط مهمة تقصّي الحقائق إلى كاليدونيا الجديدة، التي مزقتها أشهر من أعمال الشغب، لإجراء محادثات مع الأطراف المعنية لمحاولة حل الأزمة.

وأظهر البيان الختامي أن المنتدى قَبِل الإقليمين الأميركيين غوام وساموا الأميركية كعضوين مشاركين.

وأكد سوفاليني رئيس وزراء تونغا، الحاجة إلى المزيد من الموارد لمنطقة المحيط الهادئ للتخفيف من آثار تغير المناخ، وحض الدول المانحة على المساهمة للوصول إلى هدف تمويل أعلى يبلغ 1.5 مليار دولار.