أسرة يمنية فقدت 9 من أفرادها في مقارعة الحوثيين

TT

أسرة يمنية فقدت 9 من أفرادها في مقارعة الحوثيين

إلى ما قبل انقلاب ميليشيات الحوثي على الشرعية، ومن ثم هجومها على محافظة مأرب، كان سيف بن علي بحيبح، وهو في العقد الثامن من العمر يعيش في قرية واسط التابعة لمديرية الجوبة، سعيدا بإكمال أبنائه العشرة تعليمهم الجامعي، كما كان يشجع بعضهم على مواصلة الدراسات العليا، والبعض الآخر على العمل والإنتاج، لأنه يقدس العلم ويرى فيه مفتاح التطور وعنوان المستقبل، لكنه اضطر لحمل السلاح لمواجهة الحوثيين حتى فارق الحياة ومن بعده أربعة من أبنائه وأربعة من أحفاده.
ويقول شاذلي سعيد وهو أحد مساعدي القائد العسكري البارز اللواء مفرح بحيبح طوال سنوات القتال ضد الميليشيات، وقد عرف الأسرة عن قرب، «عندما انطلقت المعارك في 18 مارس(آذار) 2016 كنا وقتها نقوم بتوزيع رواتب منتسبي اللواء 26 الذي يقوده اللواء مفرح بحيبح، وكان الترتيب للهجوم يتم بسرية تامة، وعند بداية الهجوم، خرج الشيخ سيف بن علي حاملاً بندقيته متوجهاً نحو حريب وأولاده العشرة كانوا قد سبقوه، لكنها كانت معركة خاطفة، تمكن خلالها منتسبو اللواء من دحر الميليشيات وتحرير مديريتي حريب في مأرب وعين في شبوة، وصولاً إلى السوداء وشقير».
ويضيف سعيد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه «بعدها بأشهر من العام نفسه اشتعلت جبهة الساق وكان هناك قناص حوثي متمركز على إحدى التلال أعاق تقدم القوة الحكومية، وإذا بالشيخ سيف بن علي بحيبح يتعهد بفتح الطريق، وفعلا دخل إلى الصحراء في مكان مقابل لموقع وجود القناص الحوثي، وظل يناوش القناص وفتح الطريق ودخلت القوة وحينها أصيب بطلقة قاتلة ذهبت حياته على إثرها».
وروى سعيد كيف أن خبر مقتل الرجل وصل إلى ابنه الأكبر العقيد محمد، قائد الكتيبة الخامسة، فردد كلاما فحواه أن عائلته حازت الفخر والمجد، وكيف استمرت المعركة وصولاً إلى منطقة الصفحة وتبة عتيق، وكيف تمكن اللواء من تحرير مديريتي بيحان وعسيلان في محافظة شبوة، ونعمان والقنذع وفضحة وناطع في محافظة البيضاء.
وفي عام 2018 تسلم العقيد أحمد سيف - بحسب رواية سعيد - قيادة جبهة فضحة وكان نموذجا للقيادة سيطر على قلوب المقاتلين، وكان لهم أخا وقائداً كريما شهما، لا يظلم عنده أحد، وكيف أنه أثناء تفقده الخطوط الأمامية تم استهداف موقعه وذهب إلى ربه.
وفي خطوط الإمداد إلى هذه الجبهة وفي العام نفسه وبعد فترة قصيرة أصيب الملازم شايف وهو الابن الثالث، بإصابة خطيرة في رأسه ونقل إلى المستشفى لكنه فارق الحياة متأثرا بتلك الإصابة ملتحقاً بوالده وأخيه، قبل أن يلحقه الملازم ناجي سيف بحيبح الذي قتل في جبهة رحبة جنوب مأرب في شهر أكتوبر(تشرين الأول) عام 2020.
وتوجت تضحيات هذه الأسرة في مواجهات ميليشيات الحوثي في عملية تحرير مديرية رحبة، حيث التحق عبد المجيد سيف بحيبح بوالده، وأشقائه أحمد، وشائف وناجي، وأحفاده الأربعة، وليد مفرح، وراشد مفرح، ومعتصم مفرح، و بشير مفرح بحيبح، والكثير من أقربائهم وأبناء عمومتهم.
وتؤكد هذه الأسرة أنها لم ولن تستسلم، فالعقيد محمد لا يزال يقود الكتيبة الخامسة ويقاتل الميليشيات ويتقدم ويحرر، وإخوانه يقاتلون ببسالة لا تضاهيها بسالة، إذ تشكل الأسرة نموذجا لقبيلة مراد التي يقود معظم أبنائها المواجهات مع ميليشيات الحوثي في مديريات جنوب محافظة مأرب، حيث أفشلوا خطط الميليشيات بالوصول إلى الطريق الرئيسي الممتد من مدينة مأرب وحتى محافظة شبوة، وحالوا بينها وبين التقدم نحو حقول النفط والغاز.
ونتيجة هذا الاستبسال عجزت الميليشيات الحوثية عن تحقيق أي اختراق عبر الهجوم المتواصل الذي يشنه عناصرها على محافظة مأرب منذ مطلع العام الحالي، بعد أن فشل الهجوم في العام الذي سبقه.
ويرى محللون في قصة الرجل السبعيني الذي حمل بندقيته والتحق بقوات الجيش لقتال الحوثيين ودفع حياته وحياة أربعة من أبنائه وأربعة من أحفاده ثمنا لذلك الموقف، نموذجا لحالة الرفض المجتمعي التي تواجهها الميليشيات كما أنها تلقي الضوء على مخاطر النهج الطائفي الذي تتبعه هذه الميليشيات على النسيج الاجتماعي في اليمن، فضلا عن أنها تأكيد على أن استقرار هذا البلد الذي يشرف على واحد من أهم الممرات البحرية لن يتحقق إلا بقيام نظام حكم وطني يستوعب تنوع وتعدد المكونات الاجتماعية، ولا يكون مصدر خطر لجيرانه كما تعمل هذه الميليشيات اليوم.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

العالم العربي قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

تواصل الجماعة الحوثية إجراء تغييرات في المناهج التعليمية، بإضافة مواد تُمجِّد زعيمها ومؤسسها، بالتزامن مع اتهامات للغرب والمنظمات الدولية بالتآمر لتدمير التعليم

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي استعراض الجماعة الحوثية لقدراتها العسكرية في العاصمة صنعاء والتي تتضمن أسلحة نوعية (رويترز)

تقرير أُممي يتّهم الحوثيين بالتنسيق مع إرهابيين وجني عشرات الملايين بالقرصنة

تقرير جديد لفريق الخبراء الأُمميّين المعنيّ باليمن يكشف عن تعاون الحوثيين مع تنظيم «القاعدة»، و«حركة الشباب» الصومالية، وابتزاز وكالات الشحن الدولية.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي توقعات بإقصاء من يرفضون المشاركة في فعاليات الجماعة الحوثية من وظائفهم (رويترز)

انقلابيو اليمن يستكملون «حوثنة» المؤسسات بهياكل إدارية جديدة

بدأت الجماعة الحوثية بإعداد آلية لدمج عدد من مؤسسات الدولة وتقليص الهيكل الإداري لها وتغيير مهامها في سبيل المزيد من السيطرة والنفوذ عليها وأدلجتها.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي جانب من لقاء وزير التخطيط اليمني مع مسؤولي البنك الدولي على هامش زيارته لواشنطن (سبأ)

اليمن يقدم رؤية شاملة للبنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات التنموية

قدمت الحكومة اليمنية إلى البنك الدولي رؤية شاملة لإعادة هيكلة المشروعات، في مسعى لزيادة المخصصات المالية للبلاد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بمعية محافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان في زيارة سابقة للخطوط الأمامية بمأرب (سبأ)

الجيش اليمني يحذر من محاولة حوثية للعودة للحرب وإجهاض جهود السلام

تتصاعد حدة التوترات في عدة جبهات يمنية في ظل استمرار جماعة الحوثي في تحشيد عناصرها وحفر الخنادق، خصوصاً بمحافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.