ستيف بركات: عبرت عن لبنان بموسيقى تتراوح بين الدراما وفرح الحياة

الموسيقي الكندي اللبناني الأصل يقدم أول ألبوماته
الموسيقي الكندي اللبناني الأصل يقدم أول ألبوماته
TT

ستيف بركات: عبرت عن لبنان بموسيقى تتراوح بين الدراما وفرح الحياة

الموسيقي الكندي اللبناني الأصل يقدم أول ألبوماته
الموسيقي الكندي اللبناني الأصل يقدم أول ألبوماته

كان من المتوقع أن يمضي ستيف بركات مدة أسبوعين فقط في لبنان العام الماضي، إلّا أنّ الحجر المنزلي الذي فرضه وباء «كوفيد - 19» فرض عليه البقاء فيه لخمسة أشهر متتالية.
في هذه الفترة قرر أن يتعرف الموسيقي الكندي من أصل لبناني إلى مسقط رأسه بلدة سرعال الشمالية. هناك اشتم رائحة تراب جذوره، وتفتّل في أزقة قرية كان يحلم بزيارتها منذ صغره. وفي عودته إلى كيبيك في كندا موطنه الحالي قرر ترجمة كل ما خزنته ذاكرته من هذه الإقامة ضمن معزوفات موسيقية على البيانو. وهكذا ولد ألبومه الجديد «واقع جديد - البحث عن الفجر» (Neorealite - la quete de l’aurore). ويعد أول ألبوم منفرد له على البيانو منذ بداية مسيرته الفنية وعمرها 30 عاماً. وقد أصدره بالتعاون مع شركة «يونفرسال ميوزك مينا».
ضمن 10 معزوفات تتألف عناوينها من «باليرينا» و«نسيم الشتاء» و«الريبة» و«هدوء الصباح» وغيرها، ينقلنا ستيف بركات بين عالمي الواقع والخيال. ويعلق في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أنقل في ألبومي دور الواقعية الجديدة حول خلق عالم موازٍ. كانت حالة التغييرات الاجتماعية العظيمة مثالية بالنسبة لي لأكون وحدي على البيانو وأبدع بأصالة. والعملية الإبداعية لـ(واقع جديد) كان بمثابة رحلة طويلة إلى أرض الخيال سعياً وراء الهدف. ففي لبنان تعرفت إلى واقع جديد وهو ما حرك مشاعري وأفكاري».
وعن قراره في عزفه على طريقة الـ«سولو» ألبوماً كاملاً على آلة البيانو يقول: «في السابق كنت أرغب في اكتشاف الموسيقى السيمفونية فتعاونت مع عدد من فرق الأوركسترا العالمية. ولكن في الواقع الجديد الذي نعيشه بعيد الجائحة، رحت أفكر بأشياء حميمة ومنمنمة لألقي الضوء عليها. فنحن الموسيقيين نعكس أيضاً الحياة وعناصرها على طريقتنا. ونلاحظ اليوم انطواء العالم على نفسه إلى حد ما بحيث وجدنا جميعنا أنفسنا وحيدين. هذا الأمر لمسته عن قرب في الإنسان خلال إقامتي في لبنان فكان بمثابة منبع الوحي لي». ويتابع الموسيقي بركات راوياً انطباعاته عن تلك الفترة: «لا شك أنّ لبنان لعب دوراً أساسياً في ألبومي الجديد هذا. وعندما تعرفت إلى بلدتي الأم سرعال شمال لبنان واكتشفت روعة طبيعتها تأثرت. فتواصلي هذا معها وحنيني الدائم إلى لبنان، ولدا عندي واقعاً جديداً، وهو ما طبع مشاعري. تأثري بلبنان ساد تركيبة بعض المقطوعات الموسيقية في ألبومي الجديد، فرويت فيها قصصاً تحمل مزيجاً بين الخيال والواقع. لا شك أنّ هناك صراعاً يلمسه مستمع الألبوم بين هذين العنصرين. فالخيال ينقذنا من مآسينا ويشكل خطاً رفيعاً بين هروبنا والعودة إلى واقع الحياة. اليوم ومع اقترابي من بلوغ الخمسين من عمري، صرت أرى الأشياء من منظار آخر. ولذلك هذا العمل كان دقيقاً يصور هشاشة الإنسان وضعفه، ولكنّه في الوقت نفسه يحمل الدراما والحنين والإيجابية وفرح الحياة وجميعها تؤلف لبنان بنظري».
ستيف بركات أو «رجل الأناشيد»، كما هو معروف عالمياً سبق وأنتج على مدى ثلاثة عقود مئات المشاريع بالتعاون مع أهم الفنانين والاستوديوهات والشركات في العالم. أحيا أكثر من 500 حفلة موسيقية في خمس قارات، وباع أكثر من 5 ملايين ألبوم حول العالم. ألّف العديد من الأناشيد الرسمية لمنظمات كبرى مثل اليونيسف، ومدينة سايمانجوم (كوريا الجنوبية)، ونوادي الغولف الملكية الـ66 في العالم، ونشيد Mortherland الذي يحيي الذكرى المئوية للبنان الكبير. ألّف مؤخراً النشيد الرسمي لمدينة كيبيك الكندية «ديفينير» تكريماً لها، والذي أعلن عنه رئيس الوزراء الكندي في 22 يونيو (حزيران) الماضي. ومنح على أثره وسام الاستحقاق الوطني برتبة فارس، تقديراً لما يقدمه على الساحة الفنية. ويعلق في سياق حديثه: «عندما تلقيت الخبر شعرت بسعادة كبيرة، ومنذ اللحظات الأولى لحصولي على هذا الوسام أحسست بمسؤولية كبيرة تقع على عاتقي كمواطن كندي. إنّها مبادرة لمستني عن قرب وهو ما سيدفعني إلى بذل مجهود أكبر لإعطاء المزيد». ولكن هل كنت تتمنى أن يكرّمك بلدك لبنان على هذا النحو؟ يرد: «أنا من علي أن أكرم بلدي، لا سيما بيروت بعدما شهدته من ويلات في أغسطس (آب) الماضي. وعندما أتحدث عن هذا الموضوع أتذكر جبران خليل جبران الذي بمؤلفاته وكتاباته نشر اسم لبنان ورفعه عالياً عالمياً، من دون أن يُكرّمه. مما يهمني اليوم هو عودة لبنان إلى سابق عهده لبنان، الذي تربينا على حكاياته وذكرياته والذي أحلم في ملاقاته من جديد».
كل مقطوعة من معزوفات ستيف بركات في ألبومه «واقع جديد» تسير بالتوازي مع الأخريات ويوضح بركات: «لم أنفذ هذا الألبوم كقطع موسيقية منفصلة بل هو بمثابة قصص يرتبط بعضها بالآخر تماماً كالعائلة. فلكل معزوفة أخ وأخت وابنة عم وما إلى هنالك من روابط قربى، حاولت أنسنة مقطوعاتي لتصبح قريبة إلى الناس. لقد شكلت نوعاً من العلاج لأمراض مختلفة، وأقصى تمنياتي أن تُسهم مقطوعاتي في شفاء جراح كثيرين وتوحد المشاعر وتبعث إلى الأمل».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».