مراكز إيواء المهاجرين... «صداع حاد» في رأس السلطة الليبية

عددهم يتجاوز 574 ألفاً... وجلهم يتعرض للابتزاز والاعتداءات الجنسية

جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة فرع طرابلس‏ يتسلم 40 مهاجراً بعد إنقاذهم في «المتوسط» (الجهاز)
جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة فرع طرابلس‏ يتسلم 40 مهاجراً بعد إنقاذهم في «المتوسط» (الجهاز)
TT

مراكز إيواء المهاجرين... «صداع حاد» في رأس السلطة الليبية

جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة فرع طرابلس‏ يتسلم 40 مهاجراً بعد إنقاذهم في «المتوسط» (الجهاز)
جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة فرع طرابلس‏ يتسلم 40 مهاجراً بعد إنقاذهم في «المتوسط» (الجهاز)

تزداد الضغوط الأممية والدولية على ليبيا حالياً لإغلاق مراكز إيواء المهاجرين غير النظاميين، المنتشرة في بعض مدن غرب البلاد، تزامناً مع تقارير تتحدث عن تعرض مهاجرين لانتهاكات واسعة على يد سجّانيهم، ما أحالها إلى «صداع مزمن في رأس» أي سلطة تتولى إدارة شؤون البلاد.
وألقت هذه القضية بظلالها على اجتماع عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني، ووزير الداخلية في حكومة «الوحدة الوطنية» العميد خالد مازن، مساء أول من أمس، حيث خصصا اللقاء لتدارس وضعية مراكز الإيواء، وسبل حل هذه الأزمة المستمرة منذ إسقاط النظام السابق.
وقال الكوني في تصريح: «بحثنا مع وزير الداخلية إشكاليات مراكز احتجاز المهاجرين، وعابري السبيل، ممن دفعتهم الظروف الاقتصادية أو السياسية لمحاولة الوصول إلى أوروبا عبر أراضينا»، كاشفاً عن رؤيته لحل هذه المعضلة التي تؤرق ليبيا، وأضاف موضحاً: «نبحث مع شركائنا الأوروبيين والأمم المتحدة سرعة نجدة هؤلاء بإتمام عبورهم نحو بلدان المقصد، أو العودة بهم مكرمين إلى أوطانهم».
وينتشر في جميع أنحاء ليبيا أكثر من 575 ألف مهاجر غير نظامي، بينهم 6200 يقيمون في مراكز إيواء، يديرها جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، حسبما كشفت وزارة الداخلية. لكن تقارير أممية تتحدث عن وجود مهاجرين في معسكرات تشرف عليها ميليشيات مسلحة بالعاصمة طرابلس.
ورداً على اتهامات منظمة العفو الدولية بشأن وقوع انتهاكات بحق مهاجرات محتجزات، قال مسؤول أمني كبير لـ«الشرق الأوسط» إن جميع المحتجزين في مراكز الإيواء الرسمية «يعاملون بشكل طيب، ولا يتعرضون لأي مضايقات أو مساومات، مثل التي تروجها منظمات دولية»، لكنه استدرك بالقول: «نحن مسؤولون فقط عن المهاجرين المحتجزين لدينا؛ وبعض منهم قد يكون محتجزاً لدى تنظيمات مسلحة، ليست لنا ولاية عليها».
وسبق لمنظمة العفو الدولية أن أكدت في تقرير لها أول من أمس، أن المهاجرات المحتجزات في معسكرات الاعتقال يتعرضن للعنف الجنسي المروع على يد الحراس، وأنهم يجبرونهن على ممارسة الجنس، مقابل الحصول على المياه النظيفة والطعام.
وتابع المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، موضحاً أن العقيد المبروك عبد الحفيظ، رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، «أصدر منذ توليه مسؤولية الجهاز توجيهاته إلى جميع القوات بضرورة معاملة المهاجرين المحتجزين، بما يحفظ كرامتهم وإنسانيتهم».
وأنقذت قوات خفر السواحل الليبية أكثر من 9 آلاف مهاجر غير نظامي، بحسب وزير الداخلية خالد مازن، مقارنة بنحو 7 آلاف العام الماضي. ووفقاً لتقارير المنظمة الدولية للهجرة، فقد اعترض خفر السواحل، المدعوم من الاتحاد الأوروبي، أكثر من 15 ألف شخص في البحر المتوسط، بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) هذا العام وأعادهم إلى ليبيا؛ ويعد هذا مصدراً للقلق، على اعتبار أن المهاجرين الذين تتم إعادتهم إلى ليبيا يتعرضون «للاعتقال التعسفي والابتزاز والاختفاء والتعذيب»، بحسب روايات بعض العائدين من البحر إلى طرابلس.
وتتكدس مراكز الإيواء، التي تشرف عليها السلطات في طرابلس، بآلاف المهاجرين غير النظاميين، من جنسيات أفريقية وآسيوية عديدة، وتشير التقارير المحلية والأممية إلى أن كثيراً منها «تديرها ميليشيات مسلحة وتُرتكب فيها جرائم بحق المهاجرين، بدايةً من الضرب والابتزاز المالي، وصولاً إلى الاعتداءات الجنسية»، وفق تقارير محلية.
وقال رئيس منظمة التعاون والإغاثة العالمية، جمال المبروك، في حديث سابق إلى «الشرق الأوسط»، إن بعض هذه المراكز «تعاني بالفعل من أوضاع إنسانية سيئة للغاية، وتدار بطريقة أسوأ»، مشيراً إلى أنها أيضاً «غير مؤهلة لإيواء البشر، نظراً لأن غالبيتها كانت عبارة عن مقار لمصانع ومدارس ومخازن قديمة البناء، وبالتالي فإن احتجاز المهاجرين فيها أمر غير مقبول أخلاقياً وإنسانياً، ويفتقر إلى المعايير الدولية».
وتشتكي السلطات الليبية دائماً مما تسميه «انحياز» المنظمات الدولية ضدها، مشيرة إلى أن البلاد «وقعت ضحية» لعمليات هجرة غير نظامية، مستغلة الحدود المترامية، والانفلات الأمني الذي عانته طوال عشرة أعوام، وهو الموقف الذي عبر عنه مؤخراً عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة، خلال لقائه مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية إيلفا جوهانسون، بقوله إن الدولة الليبية «كونها دولة عبور لن تستطيع بمفردها وقف هذه الظاهرة، بل الأمر يحتاج إلى تعاون جدي من قبل الاتحاد الأوروبي ومع دول المنشأ».
من جانبه، يتمسك مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، بضرورة العمل على إغلاق مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا بشكل تدريجي، خصوصاً التي «يتم الإبلاغ فيها عن أعمال عنف وانتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان».


مقالات ذات صلة

إيطاليا تتعهد باعتماد «حلول مبتكرة» للحد من الهجرة

أوروبا مهاجرون يصلون على متن سفينة تابعة لخفر السواحل الإيطالي بعد إنقاذهم في البحر بالقرب من جزيرة لامبيدوزا الصقلية... إيطاليا 18 سبتمبر 2023 (رويترز)

إيطاليا تتعهد باعتماد «حلول مبتكرة» للحد من الهجرة

تعهدت الحكومة الإيطالية، اليوم (الاثنين)، بالمضي قدما في تنفيذ خطتها المثيرة للجدل لبناء مراكز احتجاز في ألبانيا لطالبي اللجوء.

«الشرق الأوسط» (روما)
شمال افريقيا قارب للهجرة السرية في البحر المتوسط (متداولة)

الجزائر تُشدد إجراءاتها لمحاربة تهريب المهاجرين إلى أوروبا

شهدت عمليات تتبع آثار شبكات تهريب البشر عبر البحر، انطلاقاً من سواحل الجزائر، إطلاق فصيل أمني جديد خلال الأسبوع الماضي، وضعته السلطات السياسية للبلاد.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
المشرق العربي جانب من احتفالات السوريين في ألمانيا بعد سقوط نظام الأسد 8 ديسمبر 2024 (رويترز)

دراسة: إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم ستوقع آثارًا سلبية على الاقتصاد الألماني

أظهر تحليلٌ، نُشر اليوم الأربعاء، أن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم يمكن أن يكون لها آثار سلبية على الاقتصاد الألماني

«الشرق الأوسط» (كولونيا)
أوروبا وزير الهجرة واللجوء السويدي يوهان فورسيل (أ.ب)

السويد تسعى إلى تشديد القيود على طلبات اللجوء

أعلنت الحكومة السويدية اليوم الثلاثاء أنها أعدت مشروع قانون من شأنه الحد من قدرة طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم على تقديم طلبات جديدة من دون مغادرة البلاد.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
العالم العربي لاجئون سوريون ومن جنسيات أفريقية أخرى يقيمون في مصر (مفوضية اللاجئين بالقاهرة)

اشتراطات مصرية جديدة لدخول السوريين

فرضت السلطات المصرية «اشتراطات جديدة» على دخول السوريين القادمين من دول أخرى إلى أراضيها، تتضمن الحصول على «موافقة أمنية» مسبقة، إلى جانب تأشيرة الدخول.

أحمد إمبابي (القاهرة)

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».