انتهت قبل عشرة أيام أعمال الدورة السابعة من مهرجان «أفلام السعودية» الذي حفل بنحو 57 فيلماً سعودياً قصيراً وطويلاً تسابقت على الجوائز التي وضعها المهرجان للفئات المختلفة. من بين ما عُرض من أفلام طويلة «أربعون عاماً وليلة» (ثلاث جوائز من بينها أفضل فيلم)، و«حد الطار» و«سيدة البحر» (وكل منهما خرج بجائزتين)، و«حكاية روشان» (الذي فاز بجائزة أفضل فيلم وثائقي)، و«بيضة تمرّدت» (جائزة أفضل فيلم قصير).
في هذا السياق، يقدّم المهرجان في كل دورة عدداً كبيراً من الأسماء الجديدة في مجال الكتابة والإخراج السينمائيين. هذا العام نجد أسماء جديدة في التداول من بينها مها الساعاتي التي كانت قد عرضت فيلمها «دورة تفاح» في أكثر من مهرجان سابق، وخالد فهد «الطائر الصغير»، وعبد المجيد الحربي «حكاية روشان»، ومحمد عامر الحمود «ارتداد»، وهلا سعد الحيد «أم السعف والليف»، من بين أسماء كثيرة أخرى.
المهرجان في حد ذاته، وبصرف النظر عمّن فاز ومّن كانت له حظوة المنافسة ولم يفز، دليل آخر على الخطوات الصحيحة التي تؤمّها المملكة في سبيل دعم الصناعة المحلية في جوانبها كافة. إلى جانب هذا المهرجان المعنيّ بالسينما السعودية، هناك مهرجان «البحر الأحمر» وهناك ما يصوّر على نحو متواصل من أفلام قصيرة وطويلة وما يُرصد من ميزانيات دعم وكلها تصب في صالح المواهب السعودية ودفعها لصناعة محلّية ثرية ومدروسة.
خلال أربع سنوات، من بداية إعطاء الضوء الأخضر لعملية العروض التجارية للأفلام العربية والأجنبية، وتأسيس الشركات السينمائية وبدء الاهتمام الجاد في التعامل مع المهرجانات العالمية بما يتم إنتاجه من الأعمال المحلية، بدا أنّ لسينمائيي المملكة الكثير مما في حوزتهم من طموح وقدرات. ما كانوا يبحثون عنه سابقاً هي البيئة الثقافية والإدارية المناسبة وما إن توفرت لهم هذه البيئة حتى نشطوا منجزين في أربع سنوات ما كان غير متوفر في أربعين سنة إلّا بفضل جهود متباعدة بادر فيها المخرج عبد الله المحيسن إلى شق الطريق منفرداً على الرّغم من مصاعبها آنذاك.
بالنسبة إلى مهرجان «أفلام السعودية» في الأساس من تنظيم جمعية الثقافة والفنون بالدمام بالشراكة مع مركز الملك عبد العزيز الثقافي (إثراء) وبدعم من هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة. مديره هو أحمد الملا، مثقف وأديب ورجل دؤوب في إخلاصه للسينما وفي دفع المهرجان ليكون في مطلب ومنال كل سينمائي سعودي وطموحاته.
بعد المهرجان أمضى أحمد الملا أياماً من راحة مستحقة، لكن قبل ذلك أجرينا معه هذه المقابلة.
> حين تنظر إلى الدورات السابقة وهذه الدورة، كيف ترى التطوّر الذي حدث وهل هو حسب ما طمحت إليه تماماً؟
- مرّ المهرجان بمخاضات عدة منذ دورته الأولى عام 2008، حتى دورته السابعة 2021 مع حدوث انقطاع قهري بين دورتيه الأولى والثانية. كنا نرفع شعاراً رمزياً هو «في لمح البصر» كأنّنا نخطف اللحظة ونسرقها، جراء المخاطر المحيطة بتنفيذه قبل عام 2018، وتغير الشعار من دورته الخامسة إلى «أحلام تتحقق»، ويمكن أن نقلب حرف الحاء إلى فاء، كما نشاء.
واجه المهرجان الكثير من المصاعب، ليس آخرها جائحة «كورونا» العام الماضي، ولم يستسلم، بل أعاد صياغة برامجه افتراضياً، وغامر في التجربة، وحقق انتشاراً لم يعهده من قبل، مما عزز من التخطيط لدورته القادمة بأن يُعقد المهرجان واقعياً لجمهوره ومشاركيه، ويحافظ على منصته الافتراضية ليصل إلى أكبر عدد من متابعيه.
> ما الطموحات التي كانت في البال عندما انطلق المهرجان في دورته الأولى؟
- نحلم بأفق أوسع، ونأمل باعتراف لائق، ونتمنى يداً تحنو على هذا الفن، وها هو الحلم يتحقق. كان الحلم منصبّاً على أن يكون للفيلم السعودي قيمة فنية، ليستطيع أن يحمل جماليات المكان، وسردية الإرث وأساطير الأثر. في هذه الدورة أقف على مشارف إنجاز الحلم وأراه قادماً لأول مرة.
> كيف أفاد المهرجان صانعي السينما في المملكة إلى الآن؟
- ربما يتحدث صناع الأفلام، عن فوائد يرونها تحققت لهم، ومن وجهة نظري أن مجرد اجتماعهم في مكان وزمان واحد، تحت مناخ يتيح لهم النقاش والتعارف وتبادل الأفكار وتعزيز العلاقات المشتركة بعمق، فهو بالنسبة لي سنام الفوائد، وبعدها يأتي التشجيع والتنافس بروح عالية، تطوير الأدوات عبر برامج مثرية مثل: الورش، والندوات، والكتب المعرفية، والنقاشات المنتظمة.
> عندما انطلق المهرجان سنة 2008، كانت السعودية لا تزال بعيدة عن إنجاز الخطوات التي أنجزتها لاحقاً في مجال السينما. كيف إذاً انطلق المهرجان أساساً؟ مَن المسؤول الأول عن ولادة الفكرة والعمل عليها؟
- في عام 2006 كنت عضواً بين زملاء أعزاء في مجلس إدارة النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية، ومديراً تنفيذياً له إلى جانب إدارة الفعاليات، ولاهتمامي الشخصي بالسينما، اقترحت على مجلس الإدارة تنظيم ليلة سينمائية أسبوعية، وكنت أختار أفلامها. حتى تَشكّل جمهور نوعي من الشباب يرتادون النادي لأول مرة. في المقابل طبعاً، تشكلت جبهة اعتراضات على هذا النشاط. من هذه الفعاليات تكوّن فريق من هواة الأفلام الشباب، وبعد نقاشات اتفق النادي وجمعية الثقافة والفنون بالدمام على تنظيم أول مهرجان.
> هل أفادت المهرجانات العربية الأخرى الفيلم السعودي، وكيف؟
- طبعاً وبالتأكيد، قبل مهرجان أفلام السعودية وخلاله وبعده، كلما شارك الفيلم السعودي في أي منافسة عربية أو عالمية، تتحقق مكاسب جمة، لصانعي الفيلم ولزملائه في المجال، من حيث تطوير المحتوى، وإفساح نافذة لمن بعدهم، كما يصنع الاعتبار في أنظار المهرجانات الأخرى، علاوة على ما تحققه المشاركة من قوة ناعمة في المخيلة العامة للجمهور، عن الفيلم السعودي.
> عدد من الأفلام السعودية سينتقل للعرض في مهرجان البحر الأحمر المقبل. كيف يستفيد مهرجان «أفلام من السعودية» من ذلك، وكيف يستفيد صانعو الأفلام؟
- مهرجان البحر الأحمر منصة مهمة في سياق التطلعات التحديثية في السعودية، يسعى إلى تحقيق طموحات عربية وعالمية، ويشجع صناع الأفلام السعوديين على الانخراط في خضمها.
وها نحن نلمس بدء برامج الدّعم والتطوير والإنتاج، التي أطلقها، علاوة على قرب عقد دورته الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وأعتقد أنّ التكامل بين المهرجانين وارد، ويتحقق.
> ما طموحاتك العليا بالنسبة للدورات المقبلة؟
- أن يستمر المهرجان مركِّزاً على هدفه الأساس في التنافس والعرض للأفلام السعودية، وأن ينظّم إلى جوار برنامجه الرئيس، برامج أخرى متنوعة، وملهمة لصناع الأفلام. مما سيحقق استمرار تطور صناع الأفلام بقفزات متواترة، كما حدث منذ انطلاقته حتى الدورة السابعة.
وأتمنى للمهرجان أن يبقى منصة معرفية خلاقة للفن والجمال.
أحمد الملا: «أفلام السعودية» حلم تحقق
اختتم أعماله بتعزيز خطواته وأهميته
أحمد الملا: «أفلام السعودية» حلم تحقق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة