أحمد الملا: «أفلام السعودية» حلم تحقق

اختتم أعماله بتعزيز خطواته وأهميته

مدير مهرجان «أفلام السعودية» أحمد الملا
مدير مهرجان «أفلام السعودية» أحمد الملا
TT

أحمد الملا: «أفلام السعودية» حلم تحقق

مدير مهرجان «أفلام السعودية» أحمد الملا
مدير مهرجان «أفلام السعودية» أحمد الملا

‫انتهت قبل عشرة أيام أعمال الدورة السابعة من مهرجان «أفلام السعودية» الذي حفل بنحو 57 فيلماً سعودياً قصيراً وطويلاً تسابقت على الجوائز التي وضعها المهرجان للفئات المختلفة. من بين ما عُرض من أفلام طويلة «أربعون عاماً وليلة» (ثلاث جوائز من بينها أفضل فيلم)، و«حد الطار» و«سيدة البحر» (وكل منهما خرج بجائزتين)، و«حكاية روشان» (الذي فاز بجائزة أفضل فيلم وثائقي)، و«بيضة تمرّدت» (جائزة أفضل فيلم قصير).‬
في هذا السياق، يقدّم المهرجان في كل دورة عدداً كبيراً من الأسماء الجديدة في مجال الكتابة والإخراج السينمائيين. هذا العام نجد أسماء جديدة في التداول من بينها مها الساعاتي التي كانت قد عرضت فيلمها «دورة تفاح» في أكثر من مهرجان سابق، وخالد فهد «الطائر الصغير»، وعبد المجيد الحربي «حكاية روشان»، ومحمد عامر الحمود «ارتداد»، وهلا سعد الحيد «أم السعف والليف»، من بين أسماء كثيرة أخرى.
المهرجان في حد ذاته، وبصرف النظر عمّن فاز ومّن كانت له حظوة المنافسة ولم يفز، دليل آخر على الخطوات الصحيحة التي تؤمّها المملكة في سبيل دعم الصناعة المحلية في جوانبها كافة. إلى جانب هذا المهرجان المعنيّ بالسينما السعودية، هناك مهرجان «البحر الأحمر» وهناك ما يصوّر على نحو متواصل من أفلام قصيرة وطويلة وما يُرصد من ميزانيات دعم وكلها تصب في صالح المواهب السعودية ودفعها لصناعة محلّية ثرية ومدروسة.
خلال أربع سنوات، من بداية إعطاء الضوء الأخضر لعملية العروض التجارية للأفلام العربية والأجنبية، وتأسيس الشركات السينمائية وبدء الاهتمام الجاد في التعامل مع المهرجانات العالمية بما يتم إنتاجه من الأعمال المحلية، بدا أنّ لسينمائيي المملكة الكثير مما في حوزتهم من طموح وقدرات. ما كانوا يبحثون عنه سابقاً هي البيئة الثقافية والإدارية المناسبة وما إن توفرت لهم هذه البيئة حتى نشطوا منجزين في أربع سنوات ما كان غير متوفر في أربعين سنة إلّا بفضل جهود متباعدة بادر فيها المخرج عبد الله المحيسن إلى شق الطريق منفرداً على الرّغم من مصاعبها آنذاك.
بالنسبة إلى مهرجان «أفلام السعودية» في الأساس من تنظيم جمعية الثقافة والفنون بالدمام بالشراكة مع مركز الملك عبد العزيز الثقافي (إثراء) وبدعم من هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة. مديره هو أحمد الملا، مثقف وأديب ورجل دؤوب في إخلاصه للسينما وفي دفع المهرجان ليكون في مطلب ومنال كل سينمائي سعودي وطموحاته.
بعد المهرجان أمضى أحمد الملا أياماً من راحة مستحقة، لكن قبل ذلك أجرينا معه هذه المقابلة.
>‫ حين تنظر إلى الدورات السابقة وهذه الدورة، كيف ترى التطوّر الذي حدث وهل هو حسب ما طمحت إليه تماماً؟‬
- مرّ المهرجان بمخاضات عدة منذ دورته الأولى عام 2008، حتى دورته السابعة 2021 مع حدوث انقطاع قهري بين دورتيه الأولى والثانية. كنا نرفع شعاراً رمزياً هو «في لمح البصر» كأنّنا نخطف اللحظة ونسرقها، جراء المخاطر المحيطة بتنفيذه قبل عام 2018، وتغير الشعار من دورته الخامسة إلى «أحلام تتحقق»، ويمكن أن نقلب حرف الحاء إلى فاء، كما نشاء.
واجه المهرجان الكثير من المصاعب، ليس آخرها جائحة «كورونا» العام الماضي، ولم يستسلم، بل أعاد صياغة برامجه افتراضياً، وغامر في التجربة، وحقق انتشاراً لم يعهده من قبل، مما عزز من التخطيط لدورته القادمة بأن يُعقد المهرجان واقعياً لجمهوره ومشاركيه، ويحافظ على منصته الافتراضية ليصل إلى أكبر عدد من متابعيه.
> ما الطموحات التي كانت في البال عندما انطلق المهرجان في دورته الأولى؟
- نحلم بأفق أوسع، ونأمل باعتراف لائق، ونتمنى يداً تحنو على هذا الفن، وها هو الحلم يتحقق. كان الحلم منصبّاً على أن يكون للفيلم السعودي قيمة فنية، ليستطيع أن يحمل جماليات المكان، وسردية الإرث وأساطير الأثر. في هذه الدورة أقف على مشارف إنجاز الحلم وأراه قادماً لأول مرة.
>‫ كيف أفاد المهرجان صانعي السينما في المملكة إلى الآن؟‬
- ربما يتحدث صناع الأفلام، عن فوائد يرونها تحققت لهم، ومن وجهة نظري أن مجرد اجتماعهم في مكان وزمان واحد، تحت مناخ يتيح لهم النقاش والتعارف وتبادل الأفكار وتعزيز العلاقات المشتركة بعمق، فهو بالنسبة لي سنام الفوائد، وبعدها يأتي التشجيع والتنافس بروح عالية، تطوير الأدوات عبر برامج مثرية مثل: الورش، والندوات، والكتب المعرفية، والنقاشات المنتظمة.
>‫ عندما انطلق المهرجان سنة 2008، كانت السعودية لا تزال بعيدة عن إنجاز الخطوات التي أنجزتها لاحقاً في مجال السينما. كيف إذاً انطلق المهرجان أساساً؟ مَن المسؤول الأول عن ولادة الفكرة والعمل عليها؟‬
- في عام 2006 كنت عضواً بين زملاء أعزاء في مجلس إدارة النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية، ومديراً تنفيذياً له إلى جانب إدارة الفعاليات، ولاهتمامي الشخصي بالسينما، اقترحت على مجلس الإدارة تنظيم ليلة سينمائية أسبوعية، وكنت أختار أفلامها. حتى تَشكّل جمهور نوعي من الشباب يرتادون النادي لأول مرة. في المقابل طبعاً، تشكلت جبهة اعتراضات على هذا النشاط. من هذه الفعاليات تكوّن فريق من هواة الأفلام الشباب، وبعد نقاشات اتفق النادي وجمعية الثقافة والفنون بالدمام على تنظيم أول مهرجان.
>‫ هل أفادت المهرجانات العربية الأخرى الفيلم السعودي، وكيف؟‬
- طبعاً وبالتأكيد، قبل مهرجان أفلام السعودية وخلاله وبعده، كلما شارك الفيلم السعودي في أي منافسة عربية أو عالمية، تتحقق مكاسب جمة، لصانعي الفيلم ولزملائه في المجال، من حيث تطوير المحتوى، وإفساح نافذة لمن بعدهم، كما يصنع الاعتبار في أنظار المهرجانات الأخرى، علاوة على ما تحققه المشاركة من قوة ناعمة في المخيلة العامة للجمهور، عن الفيلم السعودي.
>‫ عدد من الأفلام السعودية سينتقل للعرض في مهرجان البحر الأحمر المقبل. كيف يستفيد مهرجان «أفلام من السعودية» من ذلك، وكيف يستفيد صانعو الأفلام؟‬
- مهرجان البحر الأحمر منصة مهمة في سياق التطلعات التحديثية في السعودية، يسعى إلى تحقيق طموحات عربية وعالمية، ويشجع صناع الأفلام السعوديين على الانخراط في خضمها.
وها نحن نلمس بدء برامج الدّعم والتطوير والإنتاج، التي أطلقها، علاوة على قرب عقد دورته الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وأعتقد أنّ التكامل بين المهرجانين وارد، ويتحقق.
>‫ ما طموحاتك العليا بالنسبة للدورات المقبلة؟‬
- أن يستمر المهرجان مركِّزاً على هدفه الأساس في التنافس والعرض للأفلام السعودية، وأن ينظّم إلى جوار برنامجه الرئيس، برامج أخرى متنوعة، وملهمة لصناع الأفلام. مما سيحقق استمرار تطور صناع الأفلام بقفزات متواترة، كما حدث منذ انطلاقته حتى الدورة السابعة.
وأتمنى للمهرجان أن يبقى منصة معرفية خلاقة للفن والجمال.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.