عمرو دياب... الشهية المفتوحة على المغامرات

«الدنيا بترقص» أغنيته الصيفية على وَقْع تمايل الحسناوات

عمرو دياب... الشهية المفتوحة على المغامرات
TT

عمرو دياب... الشهية المفتوحة على المغامرات

عمرو دياب... الشهية المفتوحة على المغامرات

تتدفّق أخبار عمرو دياب المُتناوِلة جوانبه العاطفية من دون توقّف. قد تطغى على جديده الفني، وفي بعض الأحوال، تنشقّ منه لتتخذ «شرعيتها». يفتتح موسمه الغنائي لصيف هذه السنة بأغنية «الدنيا بترقص»، فتتوجّه الأنظار نحو «الموديل» في الكليب. يحلّ الغناء ثانياً، وتتفرّغ محركات البحث لتشريح أصلها وفصلها. ثم يصبح اسم الشابة متقدّماً في «غوغل»، مع عشرات الأخبار التي تنبش معلومات عنها. الرجل الملقّب بـ«الهضبة» يفتح الشهية على تتبُّع مغامراته.
كعادته منذ عقود، تجتمع النساء في فيديو كليباته، ويحمن حوله راقصات ضاحكات. أهذه بصمة؟ أهذا ستايل؟ أم خطّ فني؟ تتعدّد الاحتمالات. فلنتحدث أولاً عن الأغنية. كلمات ملاك عادل، ألحان محمد يحيى، توزيع أحمد إبراهيم والكليب بتوقيع طارق العريان. هنا الساحل الشمالي في مصر، حيث الشاطئ ينادي الراغبين في فسحة. استراحة مبهجة وأوقات ممتعة. كيف بجَمعة الحسناوات تحت شمس تُسمّر وتُجمِّل؟ ليس كلام الأغنية من الصنف الفريد. بسيط جداً، ويكاد يبدو عابراً. «يلا تعال نعيش»، ذروته. فالأغنية ترويجية لمصلحة شركة اتصالات مصرية كبرى، شعارها «عش فرحة الصيف». هو العيش الذي نطارده، بجدوى أحياناً، وأحياناً بعبثية. لكننا لا نكفّ عن اللحاق به. مرة يمد اليد فيتلقانا ومرة يفلتنا، فنخسر جولة. الحياة بين اللحظتين.
شابٌ دائماً، يخشاه العمر ويفضّل تفادي الاصطدام به. يلهم الأجيال حكمة رائعة: المرء ليس بالسنوات. المرء بالروح. كيف تبدو الصورة الشخصية على مشارف الستين؟ للبعض هي النهايات، وله هي عزّ العطاء. كأنّ السن توقّفت عن «إزعاجه»، بعدما سدّد تجاهها زر الـ«Mute»، فأسكتها وجمّد مفعولها. الشباب شأن داخلي، فإن أزهر، فاح عطر الحدائق وفاض إلى الخارج، وإن انكمش أو تقلّص، تسلّق اليباس وقضى على الاخضرار.
لم يكن عمرو دياب مغنياً فحسب. كان دائماً حالماً بـ«الأسطورة». وكان جدلياً، بأزيائه وحياته وعلاقاته. أراد أن يكون «المثال»، و«السبّاق»، لكنّ جانباً طغى على غير جوانب: حياته الشخصية. أرشيف عريض من روائع الغناء، وبصمة ساحرة على الفن العربي. إلى أن حلّ زمن مواقع التواصل، فسارع لحجز مقعده. يتحوّل بإرادته طُعماً لبعض الثرثرات، وقلّما يُظهر تململاً أو يُبدي امتعاضاً. يوافق، في أعماقه، على أنّ الشهرة تقتضي سيل القيل والقال. «ضريبتها» الاستلقاء الطويل على الألسن. ووحدهم الأساطير يُرشقون باهتمام خاص، فيؤدي «دوره» في لفت النظر. يُرحّب بفكرة الجدل في ذاتها، باعتبارها تعزيز وجود. فوجوده ليس فنياً فقط، ككبار مثل محمد منير وهاني شاكر. وجوده أيضاً اجتماعي صاخب. يسير على «نهجه» تامر حسني من بين الفنانين الشباب. مع فارق أنّ قدر الأخير عنوانه بسمة بوسيل، امرأته المشتعلة غيرة. عمرو دياب أقداره متنقّلة.
لا يهدأ من تصدُّر المشهد، بصورة أو شائعة. سيطر على وجوده في دبي نبأ صورته مع «الموديل» المصرية إنجي كيوان، على النشاط والعمل. وراح المحللون يحللون. واليوم في كليبه الجديد، تسيطر الممثلة المصرية هدى المفتي على الأغنية في ذاتها (حتى على المغنّي في ذاته؟!). يلحّ السؤال: أهي بديلة دينا الشربيني؟ فقد يعتاد البعض أنّ كل «موديل» لا بد أن تكون مشروع «مغامرة»، ذلك بعدما شاركته الشربيني فيديو كليب «أماكن السهر» في الصيف الماضي. وها هي الأنظار على هدى المفتي، مَن هي وما سنّها، وماذا عن علاقة تربطها بـ«الهضبة»؟ تكهّنات بالجملة، تحاول دفعها عنها. هي الأخرى جزء من الحملة الدعائية لشركة الاتصالات، وحضورها في الكليب لا يعني أبعد من ذلك. إنما البعض يفضّل تحقُّق نبوءاته.
عمرها 26 سنة، مثّلت دور «نبوية»، الطالبة المجتهدة في «فالنتينو» (رمضان 2020) مع عادل إمام. وللأمانة لفتت الأنظار. شخصية مختلفة عن حضورها مع عمرو دياب: نظارات وشعر مرفوع وجدّية تامّة في جامعتها ودروسها وعالم العلوم المسحورة به؛ وهنا رقصٌ بالأحمر الساحر، وبجمال الحضور على الرمال، كأنّها حورية تُحلّي البحر. ولعلّها أيضاً تعلّمت من تجارب تمثيلية أخرى، لكن لم تتسنَّ مشاهدتها.
لا يُحكى الكثير عن الكليب. فهو كالموج المقترب من الشاطئ، يمرّ بسلاسة قبل عناق الرمال والاختفاء بين ذرّاتها. عاديّته غير مزعجة، ولأنه عمرو دياب، ينجح وينتشر. لا حديث آخر يتعلّق بالكلمات تحديداً، فبالكاد تلمع. الاهتمام عنوانه «الموديل» الجميلة وتمايلها، بالرقص والقدّ المياس في الصيف الحار. يمنح طارق العريان الجوّ حقّه. ماذا يتطلّب البحر؟ الاستمتاع بالوقت. صيِّف واشعر بالقبض على الحياة، وبأنك لست على هوامشها، بل تمتلك العالم بأسره («بإنترنت ما بيخلصش»، وهذه غاية الأغنية).
دينا الشربيني مع عمرو دياب حكاية أخرى، وحدهما يعرفان تفاصيلها. يُقال ويُكتَب ويتردّد، وهذه الطبيعة البشرية في ترصُّد الآخر. المغنى يبقى الحقيقة الوحيدة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».