عقب عودته من زيارة اليومين إلى واشنطن «13 و14 الجاري»، أصدر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان أمس بيانا شاملا عن لقاءاته والملفات التي تناولها مع نظيره أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان ومن بينها الملف النووي الإيراني الذي سبق أن ناقشه في العمق إبان زيارة بلينكن إلى باريس في 25 يونيو (حزيران).
وبعد التأكيد، مرة أخرى، على رغبة الطرفين بالتوصل «سريعا» إلى اتفاق في فيينا، أشار لو دريان إلى «تشارك البلدين بشعور القلق المتزايد بالنسبة لمبادرات طهران الميدانية الأخيرة». واللافت أن الوزير الفرنسي لم يسم هذه المبادرات وأهمها تأكيد الرئيس الإيراني المنتهية ولايته أن بلاده قادرة على إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المائة. كذلك لم يصدر عن وزارة الخارجية الأميركية أمس أي تعليق على تأكيدات روحاني رغم الخطورة التي تتضمنها وهي امتلاك إيران للتكنولوجيا الضرورية لتخصيب اليورانيوم بالنسبة المشار إليها علما بأن الاتفاق النووي للعام 2015 يتيح لطهران أن تخصب اليورانيوم بنسبة 3.67 في المائة وبكميات محدودة.
وثمة إجماع بين الخبراء في المجال النووي أن النجاح في الارتقاء بالتخصيب إلى نسبة 90 في المائة وتوافر الكميات اللازمة من اليورانيوم النقي من شأنه تمكين طهران من المباشرة في تصنيع قنبلتها النووية.
وبالمقابل، فإن الخارجية الأميركية أكدت أمس وبشكل رسمي، الأخبار المتناقلة منذ انتخاب إبراهيم رئيسي خلفا لروحاني أن الجولة السابعة من مفاوضات فيينا لن تتم في القريب العاجل وليس، في أي حال، مع تسلم رئيسي مهماته رسميا. ونقلت رويترز أمس عن مسؤولين إيرانيين بارزين أن المفاوضات ربما تستأنف أواخر أيلول (سبتمبر) أو أوائل أكتوبر (تشرين الأول).
والأهم من ذلك أن الرئيس الجديد الذي سيعمد إلى إحداث تغيير في فريق التفاوض، سوف «يتبع نهجا أكثر تشددا» بحيث يعتمد نهجا أقل مرونة «والمطالبة بمزيد من التنازلات» من الجانب الأميركي. وبحس ما نقلته رويترز، فإن مطالبه ستشمل المطالبة بالإبقاء على سلسلة من أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي تخصب اليورانيوم والإصرار على رفع العقوبات الأميركية المرتبطة بحقوق الإنسان والإرهاب.
ترى مصادر أوروبية متابعة للملف النووي أنه إذا كان «من الطبيعي» أن يحتاج الرئيس الجديد لبعض الوقت لتشكيل فريق مفاوض جديد للإمساك بالملف النووي البالغ الحساسية والتعقيد، فإن تسريب أن المفاوضات لن تعاود الانطلاق قبل مرور 50 إلى 60 يوما، يرتدي معنى آخر بحيث يضم إلى أوراق الضغط التي لجأت إليها طهران منذ انطلاق مفاوضات فيينا في أوائل أبريل (نيسان) الماضي. وتتابع هذه المصادر قولها إن هذه المدة الطويلة نسبيا ستمكن إيران من الاستمرار في التحلل من التزاماتها الأولى ومراكمة مخزونها من اليورانيوم المخصب والانطلاق في إنتاج معدن اليورانيوم وحجب ما يحصل في مواقعها النووية منذ أن رفضت تجديد الاتفاق التقني الذي أبرمته مع مدير عام الوكالة الدولية للطاقة النووية الذي انتهى مفعوله في يونيو (حزيران) الماضي. وسبق لمسؤول أميركي أن أعلن لمجلة «بوليتيكو» الأميركية الأربعاء الماضي أن «كل تهديد تواجهه الولايات المتحدة من إيران يزداد خطورة في غياب القيود على برنامجها النووي» وهو ما يحصل اليوم وسيستمر على هذا المنوال حتى إبرام اتفاق جديد.
يبدو اليوم واضحا أن الغرض الذي تسعى إيران لتحقيقه من هذه المماطلة، وفق المصادر المشار إليها، مراكمة الأوراق الضاغطة وتقوية موقعها التفاوضي عندما تستأنف المفاوضات ووضع الطرف الأميركي «والغربي بشكل عام» أمام أمر واقع جديد ما سيمكن فريق رئيسي من مطالبة واشنطن، كما سربت المصادر الإيرانية، بتنازلات إضافية رفض الجانب الأميركي التجاوب معها حتى اليوم، في جولات التفاوض الأمر الذي آخر الانطلاق إلى الجولة السابعة.
ثمة من ينتقد سياسة الرئيس بايدن «الرخوة» إزاء إيران ليس فقط في أوساط الجمهوريين الأميركيين بل أيضاً في الشرق الأوسط وأوروبا. ويرى هؤلاء أن إصرار إدارة بايدن على رغبتها في العودة إلى اتفاق 2015 وإبداء الصبر إزاء المراوغة الإيرانية وعملية كسب الوقت وإتاهة المفاوضات وتشعيبها والتأكيد أنها مستعدة للانتظار حتى يجهز الطرف الإيراني، كل ذلك يضعف موقف واشنطن. وقالت ناطقة باسم الخارجية الأميركية أمس إنه «عندما تنتهي إيران من هذه العملية «الانتقالية» فسنكون حينها مستعدين لتخطيط عودتنا إلى فيينا لمواصلة محادثاتنا... لا نزال مهتمين بالعودة المشتركة للالتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة، غير أن هذا العرض لن يظل مطروحا للأبد مثلما أوضح وزير الخارجية أنتوني بلينكن».
حتى اليوم، لم تعمد الإدارة الأميركية إلى تحديد سقف زمني للتفاوض وذلك في سياق الليونة المتواصلة التي أبدتها منذ انطلاق فيينا.
فهي من جهة قبلت التفاوض مع الطرف الإيراني «بالواسطة»، بينما كانت تريد مفاوضات مباشرة. كذلك، فإنها بادرت برفع العقوبات عن شخصيات وكيانات إيرانية بلا مقابل، كما أنها تخلت عن إصرارها أن يكون برنامج طهران الصاروخي - الباليستي وسياستها الإقليمية التي يعدها كثيرون مزعزعة للاستقرار من ضمن «سلة» التفاوض وقبلت تأجيلها إلى مرحلة لاحقة.
وآخر إشارات الليونة قبولها السماح لإيران التصرف بجزء من الأموال العائدة لها في اليابان وكوريا الجنوبية لدفع فواتير سابقة مستحقة لهما على الطرف الإيراني. كذلك، فإن واشنطن تفاوض لإطلاق سراح مواطنين أميركيين عبر مبادلتهم بإيرانيين مسجونين لديها فيما تريد طهران توسيع الصفقة لتشمل إيرانيين معتقلين في بلدان غربية أخرى وتحديدا أوروبية.
قبل الانتخابات الرئاسية في إيران، سعى الغربيون للتوصل إلى اتفاق لتخوفهم من وصول شخصية تكون أكثر تشددا وتطلبا من روحاني. لكن تصريحات الأخير المباشرة، أول من أمس، أزاحت الستار عن وضع معروف وهو أن القرار لم يكن بيده وأن الجناح المتشدد في النظام حرمه من انتصار دبلوماسي وسياسي عندما أعاق التوصل إلى اتفاق قبل انتهاء ولايته الثانية. لكن هذا الجانب المتعلق بـ«المطبخ» السياسي الداخلي في إيران له تبعاته في الخارج، وليس فقط لجهة نفاذ صبر واشنطن على طهران بل لجهة البدائل التي يتم التداول بها ومنها في إسرائيل حيث طلب الجيش الإسرائيلي موازنة إضافية لمواجهة البرنامج النووي الإيراني عسكريا تحسبا لفشل المفاوضات الأمر الذي سيدخل المنطقة في دوامة جديدة وخطرة.
تساهل أميركي ـ غربي إزاء مماطلة إيران
باريس تشارك واشنطن القلق المتزايد من خطوات طهران الجديدة
تساهل أميركي ـ غربي إزاء مماطلة إيران
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة