هل فقد عون «سترة النجاة» لعهده برفضه التشكيلة الحكومية؟

الرئيس اللبناني ميشال عون (رويترز)
الرئيس اللبناني ميشال عون (رويترز)
TT

هل فقد عون «سترة النجاة» لعهده برفضه التشكيلة الحكومية؟

الرئيس اللبناني ميشال عون (رويترز)
الرئيس اللبناني ميشال عون (رويترز)

استباقاً للموقف الذي تبلّغه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من رئيس الجمهورية ميشال عون برفض التشكيلة الوزارية التي أودعها إياه، قال مصدر نيابي بارز إن هذه التشكيلة كان يمكن أن تشكّل خشبة الخلاص لوقف انهيار لبنان، وأن تكون بمثابة «سترة النجاة» لإعادة الاعتبار ولو متأخراً لـ«العهد القوي» الذي أخذ يتهاوى تحت ارتفاع منسوب التأزُّم وغياب الحلول وتخلي حكومة تصريف الأعمال عن مسؤوليتها والتي يحل مكانها المجلس الأعلى للدفاع كـ«بدل عن ضائع».
وينقل المصدر النيابي عن رئيس البرلمان نبيه بري قوله إنه فوجئ بحجم التسهيلات التي قدّمها الرئيس الحريري، ويكشف لـ«الشرق الأوسط» أنه توافق مع الرئيس المكلف بأن يتعاطى في إعداد التشكيلة الوزارية بمرونة وانفتاح وبإيجابية بعيداً عن التحدي وتصفية الحسابات، وأنه لقي كل تجاوب منه حتى أنه فوجئ بذهابه بعيداً في تقديم التسهيلات بأكثر مما كان يتوقعه.
ويؤكد المصدر نفسه أن ما قدمه الحريري هو أكثر مما كان يطلبه رئيس الجمهورية. ويلفت إلى أن رفض عون التشكيلة الوزارية التي يعتبرها بري وازنة ومتوازنة يشير إلى حسابات سياسية أخرى يُسأل عنها «سيد القصر» أي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ووكيله في بعبدا المستشار الرئاسي الوزير السابق سليم جريصاتي بحسب ما تبلّغه الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل من مرجع سياسي كان التقاه في جولته على المكونات السياسية التي التقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الصنوبر في زيارته الثانية لبيروت بعد انفجار المرفأ.
ويضيف المصدر نفسه أنه من الظلم اتهام بري بالوقوف وراء تحريض الحريري على تحدّيه لعون عندما تمنى عليه أن يجيب في خلال 24 ساعة على التشكيلة الوزارية، ويقول إن اتهامه هو تهمة سياسية مكشوفة الأهداف لأنها لن تلقى التجاوب المطلوب من خصوم «العهد القوي» ولا من الأطراف المسيحية التي ترفض الاشتراك في الحكومة التي تتعامل معها بتوجّس لا يصب لمصلحة التيار السياسي المحسوب على باسيل.
ويعتبر أن إطلاق النار سياسياً على بري هو محاولة للهروب إلى الأمام، وربما تأتي في سياق تنظيم الانقلاب على التشكيلة الوزارية، وإلا هل يكافأ بري بكيل الاتهامات ضده وهو من كان له الدور الفاعل في إقناع الحريري بتقديم التسهيلات لإخراج عملية تشكيل الحكومة من التأزّم الذي يحاصرها؟
ويسأل المصدر السياسي: هل إن بري لا يريد تسهيل تشكيل الحكومة، وهو من أقنع الحريري برفع عدد الوزراء من 18 إلى 24 وزيراً وبإيجاد تسوية تولّى رئيس المجلس إخراجها إلى العلن وتقضي بفض النزاع حول وزارتي الداخلية والعدل، إضافة إلى تفويضه بالتدخّل لحسم الخلاف حول تسمية الوزيرين المسيحيين على قاعدة أن لا ثلث ضامناً في الحكومة لأي طرف؟
كما يسأل، لماذا انقلب عون على موقفه حيال المبادرة التي أطلقها بري بعد أن كان وافق عليها؟ وأين يقف «رئيس الظل»- في إشارة إلى باسيل- من التحريض عليه بذريعة أنه لا يلعب دور الوسيط لانحيازه لمصلحة الحريري؟ وهل كان يراهن على اعتذار الرئيس المكلف لو لم يبادر بري إلى إقناعه بسحب اعتذاره من التداول؟
لذلك يرى المصدر النيابي أن رفض عون للتشكيلة الوزارية يقود حتماً إلى استكشاف النيات على حقيقتها، ويريد تمرير رسالة بأنه لا يريد الحريري رئيساً للحكومة، وهذا ما يتسبب لنفسه وبملء إرادته بإقحام البلد في أزمة سياسية مفتوحة تتجاوز الاتفاق على البديل لخلافته الذي لن يكون في متناول يد عون ولا فريقه السياسي.
وعليه، يقول مصدر سياسي بارز إن العائق الوحيد الذي يمنع تشكيل الحكومة يكمن في موقف «حزب الله»، وأن لا مكان للتذرُّع بقوى خارجية لصرف الأنظار عن عدم استعداده للضغط على باسيل، لأنه هو من يدير المفاوضات حول تشكيل الحكومة بتسليم لا لبس فيه من عون.
ويرى أن التذرُّع بوجود عائق خارجي ليس موجوداً إلا على جدول أعمال «حزب الله»، فهل ينضم إلى المطالبين بتسريع تشكيل الحكومة لوقف الانهيار أخذاً بعين الاعتبار الضغط الدولي الداعم لولادتها؟ وماذا تبلّغ دوريل من رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» نواب «حزب الله» النائب محمد رعد عندما التقاه أول من أمس؟ وهل كرر أمامه ما كان سمعه سابقاً منه بأن الحزب مع تسريع تشكيلها لكنه ليس على استعداد للضغط على عون وباسيل؟ أم أنه فتح الباب وصولاً لانضمامه إلى المطالبين بوقف تعطيل تشكيلها؟
وأخيراً، فإن المحادثات التي أجراها دوريل في بيروت اقتصرت على حث الأطراف للإسراع بتشكيل الحكومة لأن تشكيلها بالشروط التي وضعها ماكرون يبقى الممر الإلزامي لحصول لبنان على مساعدات مالية تمكّنه من وقف الانهيار، فيما ركز على التحضيرات الجارية لاستضافة باريس للمؤتمر الدولي الثالث لتوفير المساعدات للهيئات العاملة في المجتمع المدني والذي يصادف انعقاده مرور عام على جريمة تفجير مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020.
فباريس قررت - كما يقول المصدر النيابي- أن تعيد النظر في جدول أعمالها الذي أعدته لإنقاذ لبنان، وهي تراهن على المجتمع المدني، وتوفّر له كل أشكال الدعم والمساعدات ليكون قادراً على خوض الانتخابات النيابية في ربيع 2022 لإحداث تغيير يدفع بإعادة تكوين السلطة على أنقاض إسقاط المنظومة السياسية الحالية.
كما أن باريس أوفدت دوريل إلى بيروت تحت عنوان حث الأطراف على تشكيل الحكومة لدرء سقوط لبنان في الفوضى تحت ضغط الانفجار الشامل الذي يهدده من كل حدب وصوب فيما العنوان الآخر لزيارته يكمن في تبرير فرض العقوبات التي تستهدف المعطلين بذريعة أنه لم يلمس التجاوب المطلوب لإخراج لبنان من أزمة تشكيل الحكومة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.