«داعش» يتداعى من الداخل

مع تصاعد الانشقاقات في ميادين القتال وتنامي التوترات بين مقاتلين أجانب ومحليين

التحدي الأكبر أمام «داعش» الآن داخلي أكثر منه خارجيا («الشرق الأوسط»)
التحدي الأكبر أمام «داعش» الآن داخلي أكثر منه خارجيا («الشرق الأوسط»)
TT

«داعش» يتداعى من الداخل

التحدي الأكبر أمام «داعش» الآن داخلي أكثر منه خارجيا («الشرق الأوسط»)
التحدي الأكبر أمام «داعش» الآن داخلي أكثر منه خارجيا («الشرق الأوسط»)

على ما يبدو، يمر «داعش» بحالة تداع داخلي مع تصاعد الانشقاقات والانتكاسات داخل ميادين القتال على نحو يؤثر سلبا على قوة التنظيم ويحد من هالة القوة التي رسمها حول نفسه في أعين من يعيشون في ظل حكمه المستبد.
وتوحي تقارير حول تنامي التوترات بين مقاتلين أجانب ومحليين، وبذل محاولات حثيثة وفاشلة بصورة متزايدة لتجنيد عناصر جديدة من المواطنين المحليين للدفع بهم في الخطوط الأمامية، وازدياد حوادث هجمات العصابات المسلحة ضد أهدف تخص «داعش»، بأن مسلحي التنظيم يناضلون للحفاظ على صورتهم التي يحرصون عليها باعتبارهم قوة مقاتلة مخيفة قادرة على توحيد صفوف المسلمين تحت مظلة حلم دولة «داعش» الفاضلة.
إلا أن تقارير شفهية، تخص نشطاء وسكان بمناطق خاضعة لحكم «داعش»، لا توفر أي مؤشرات توحي بأن التنظيم يجابه أي تحديات حالية لسيطرته على الأقاليم التي تقطنها أغلبية سنية شرق سوريا وغرب العراق والتي تمثل العمود الفقري لدولة الخلافة المزعومة. الملاحظ أن معظم الانتكاسات في ميادين القتال التي مني بها «داعش» وقعت على أطراف المناطق الخاضعة لسيطرته، بينما تبقى مسألة ظهور معارضة منظمة ضده أمرا غير محتمل مع استمرار غياب بدائل مستدامة والمخاوف من التعرض للانتقام، حسبما أوضح سوريون وعراقيون ومحللون.
ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر لقدرة «داعش» على الاستمرار، قد ينبع من الداخل مع تصادم وعوده الضخمة مع الواقع على الأرض، حسبما قالت لينا خاطب، مديرة مركز «كارنيغي للشرق الأوسط» في بيروت.
وأضافت: «التحدي الأكبر أمام (داعش) الآن داخلي أكثر منه خارجيا. إننا نعاين بصورة أساسية إخفاقا للعمود الأساسي لآيديولوجية (داعش) الرامية لتوحيد شعوب من أصول مختلفة في ظل دولتهم. إلا أن هذا الأمر لا يتحقق على الأرض. ويؤثر هذا بالسلب على فاعلية قدرة التنظيم على ممارسة الحكم وشن عمليات عسكرية».
أما أكثر ما يلفت الانتباه على هذا الصعيد، فهو تنامي مؤشرات الانقسام بين الأجانب الذين أغوتهم تجربة بناء الدولة والمجندين المحليين الذين تنامى سخطهم حيال المعاملة التمييزية التي يحظى بها الأجانب، بما في ذلك حصولهم على رواتب أعلى وظروف معيشية أفضل.
ويعيش المقاتلون الأجانب في المدن، حيث تعد الضربات الجوية لقوات التحالف نادرة نسبيا بسبب مخاطرة سقوط ضحايا مدنيين، بينما يتعين على المقاتلين السوريين العمل بمناطق ريفية أكثر عرضة للهجوم، حسبما أوضح ناشط معارض لـ«داعش» يعيش في مدينة البوكمال على الحدود السورية مع العراق. وقد رفض الكشف عن هويته.
وقد اندلعت تبادلات لإطلاق النار في عدة مناسبات في شوارع المدينة، منها حادثة وقعت الأسبوع الماضي بين مقاتلين أجانب وآخرين سوريين رفضوا أوامر من قائد كويتي بالانتشار في الخطوط الأمامية في العراق، حسبما ذكر الناشط. ولا يزال الفصيل السوري، الذي يعمل تحت إمرة صدام جمالي، القائد السابق بالجيش السوري الحر، داخل المدينة، ويبقي الفصيل على مسافة حذرة من الفصيل الذي يقوده الكويتي.
وفي حادثة وقعت بمدينة الرمادي العراقية في يناير (كانون الثاني) الماضي، دخل حلفاء محليون في معركة مع مجموعة مؤلفة في معظمها من مقاتلين شيشانيين بعدما قرر الأجانب العودة لسوريا، تبعا لما أفاد به حسن الدليمي، وهو لواء شرطة متقاعد يعمل مع المقاتلين القبليين المتحالفين ضد «داعش». وأضاف: «خشي العراقيون من أن يتم التخلي عنهم».
كما ظهرت مؤشرات على أن بعض المقاتلين الأجانب بدأوا يشعرون بالصدمة حيال حقيقة الأوضاع، حيث وصف نشطاء بمنطقتي دير الزور والرقة السوريتين كثيرا من الحوادث التي سعى خلالها أجانب لنيل مساعدة سكان محليين في الهرب عبر الحدود إلى تركيا. وقد عثر الشهر الماضي على جثث ما بين 30 و40 رجلا تبدو ملامح كثير منهم آسيوية في مدينة الطبقة في الرقة. ومن المعتقد أن هذه الجثث تخص مجموعة من المقاتلين حاولوا الفرار لكن تم ضبطهم، تبعا لما ذكرته مجموعة ناشطة تدعى «الرقة تذبح في صمت»، التي تتولى مراقبة نشاطات «داعش».
يذكر أن قيودا جديدة جرى فرضها على السفر إلى ومن المناطق الخاضعة لسيطرة «داعش» خلال الأسابيع الأخيرة، منها حظر نقل الشاحنات رجالا من دون تصريح، حسبما أضافت الجماعة الناشطة. وقد طالت عمليات الإعدام العلنية، التي تشكل عنصرا محوريا في المنظومة العقابية لدى «داعش»، قرابة 120 من أعضاء الجماعة ذاتها، طبقا لما أفاده «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، ومقره بريطانيا.
وواجه المقتولون اتهامات بالتجسس، وواحد منهم اتهم بالتدخين، لكن تنتشر شكوك بأنهم في الحقيقة مقاتلون حاولوا الفرار.
وفي تلك الأثناء، تزيد الخسائر الميدانية في شمال سوريا ومناطق أخرى من العراق من الشعور بأن الجماعة التي صدمت العالم باكتساحها عبر العراق وسوريا الصيف الماضي، تحولت الآن ليس لموقف الدفاع فحسب، وإنما أيضا أصبحت تناضل لإيجاد استراتيجية متناغمة لمواجهة القوى المتعددة التي تقف في وجهها.
ويخوض «داعش» معارك كبرى على 3 جبهات على الأقل؛ حيث يواجه الأكراد في شمال سوريا، والأكراد في شمال العراق، وقوة موحدة من الجيش العراقي وميليشيا شيعية تتقدم نحو مدينة تكريت وسط العراق. كما تقدم مقاتلو «داعش» في شرق سوريا، تحديدا منطقتي حمص ودمشق، لكن هذا التقدم لم يكن على المستوى المذهل الذي حققه التنظيم العام الماضي.
والملاحظ أن معظم الانتكاسات التي مني بها التنظيم وقعت بمناطق غير سنية، مثل الجيب الكردي حول كوباني أو منطقة ديالى المختلطة في شرق العراق، التي ربما أخفق التنظيم في تحقيق طموحاته بها جراء عدم وجود حلفاء له على الأرض.
أما الاختبار الأكبر لقدرات «داعش» العسكرية، فيكمن في المعركة الدائرة للسيطرة على تكريت، وهي الموطن السني لصدام حسين.
ومع تصاعد حدة المشاعر العرقية والطائفية التي تدفع أعمال القتال حول المناطق بمختلف أرجاء سوريا والعراق، فإن انتصار القوات التي يهيمن عليها الشيعة سيمثل اختبارا لقدرة المجموعات غير السنية في الحفاظ على سيطرتها على المناطق السنية التي غزوها، حسبما أوضح محللون.
الواضح أن خسائر «داعش» بالنسبة للأراضي والدماء كانت كبيرة نسبيا، بما في ذلك خسارة مئات القرى حول مدينة كوباني الكردية في سوريا، قرب مدينة سنجار العراقية، وداخل إقليم ديالى بشرق العراق.
ويبدو أن هذه المعارك كبدت التنظيم خسائر فادحة، تقدر بنحو 20.000 مقاتل أجنبي، علاوة على عدد غير معروف من المقاتلين السوريين والعراقيين.
من جهته، ادعى البنتاغون الأسبوع الماضي أن الضربات الجوية للتحالف أسفرت عن مقتل 8.500 مقاتل، وإن كان من المتعذر التأكد من صحة الرقم.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.