«فتاة التزلج» عبر «نتفليكس»: انتصارٌ لمصير النساء الحر

«فتاة التزلج» تطارد الحلم وتكسر الخوف
«فتاة التزلج» تطارد الحلم وتكسر الخوف
TT

«فتاة التزلج» عبر «نتفليكس»: انتصارٌ لمصير النساء الحر

«فتاة التزلج» تطارد الحلم وتكسر الخوف
«فتاة التزلج» تطارد الحلم وتكسر الخوف

ليس «فتاة التزلج» (Skater Girl)، المعروض عبر «نتفليكس»، فيلماً عن المراهقة المسلوبة والحذر من الحلم؛ يبدو كذلك إلى أن يكشف وجهه الحقيقي. هو سردية تتعلق بثلاث إشكاليات: رحلة اكتشاف الذات بشقائها ولؤمها، وهدم التحيز الاجتماعي انتصاراً للحق في تقرير المصير، وتمكين النساء بتحطيم مخاوفهن. وليس عبثاً اختيار المخرجة مانجاري ماكيجاني امرأة لحمل المطرقة. تأتي «جيسيكا» (إيمي ماغيرا) من لندن إلى راجاستان الهندية للبحث عن جذورها، فتُشعل في روح القرية الشغف المنسي؛ يصبح لوح التزلج الخشبي اختزالاً للروح المُحلقة خارج القفص، وللقدمين وهما تتحولان جناحين يلامسان القمة؛ الشمس ستشرق على مَن يحاول إسقاط الستارة.
موفّق اختيار المراهقة راشيل سانتشيتا غوبتا بدور «بريرنا» المتمردة من حيث لا تدري. الشقوق أيضاً قادرة على جعل النور يتسلل. عمرها نحو 15 عاماً أمضته في التردد والانصياع، وعند الفرصة الأولى حطمت قيودها. يترافق التحطيم مع عملية «ممنهجة» لـ«اغتيال» شخصيتها، يمارسها الأب بقبضة اجتماعية مُحكمة «مُباركة» من تقاليد متوارثة تُنمط دور الفتاة بمزاولة أعمال المنزل. تأخذ المخرجة الكاميرا إلى الريف الهندي، وتُبقيها في الخلف؛ ما يتقدم هو الأهم: الانشقاق عن الشرنقة، والارتفاع عالياً بأجنحة ملونة. تُحمل بطلتها أنين المهمشات في أنحاء العالم. «انتفاضة» القرية الهندية مجرد كناية عن خطاب يرفع الصوت يتعلق بحرية النساء والتحليق «أسرع من الريح».
يتعدى الفيلم كونه اعترافاً بالحلم للمرة الأولى. هو الطريق قبل الوصول، والرغبة التي تسبق الإنجاز. لم تعرف «بريرنا» الإجابة عن سؤال: ما عمرك؟ وماذا تريدين أن تصبحي في المستقبل؟ لا تعرف ما هو المستقبل، ولم يحدثها أحد عن الخطط. كانت الحياة غير متاحة للجميع في تلك القرية المزرية من الريف الهندي، قبل أن تصل «جيسيكا»، ومعها أصبحت لكل الناس. يجعل الفيلم من رغبة الشابة البريطانية الهندية في اكتشاف مسقط رأس والدها الميت ذريعة لاكتشافات أعظم يسمونها الأمل والجدوى ومطاردة الرغبات. تُلبسها المخرجة ثوب المُنقذة، وتقول لها: هيا، زلزلي الأرض. الزلزال مُفاجئ، عنوانه التغيير بقيادة امرأة، يقلب الطاولة على المنظومة والخفوت والأفكار البليدة.
لوح التزلج الخشبي بطل آخر، ساحر فاتن، يهز كيان القرية. الفيلم عن زعزعة المفاهيم، والتسبب بخضة خلاقة لا تعود معها الأمور كما هي؛ إنه غسل القناعات، وإعادة تشربها بصفتها الجديدة وطعمها المختلف. يحرك لوح التزلج شرارات «الثورة»، ويستلهم الأولاد من درس يشرحه المعلم عن بطل الأمة غاندي مظاهرة سلمية لرفض قرار منعهم من التزلج، بعد شكوى لدى السلطات بتهمة «الإزعاج وإشاعة الفوضى»، كأننا أمام ماء راكد محبوس في كوب صلب يتفرج على عجزه عن التشكل أو التجانس أو التسلل خارج قدره إلى أن يخضه مُركب آخر، فيفيض ويتمدد خارج الحيز، ويشق مساره.
العادة أحياناً قاتلة. يمر وقت على توقف «بريرنا» عن ارتياد المدرسة حتى يضيق زيها ولا تملك ثمن شراء آخر. نشاهد الفقر يسير على قدمين، والحاجة تتجول في النفس بصحبة اللوعة. وجه «بريرنا» يفضح تماماً معنى الأسى جراء الفوارق الاجتماعية، ولذعة العوز حين تتضخم وتقرص. مع ذلك، ليست الماديات جوهر الفيلم، بل حق الحلم بالتساوي بين البشر، من أي انتماء أو جنس أو طبقة.
تقود النساء المركب: واحدة آتية من «الغرب»، بثقافته و«انفتاحه» وأسئلته الملحة عن الإنسان والمصير (جيسيكا)، والثانية مولودة في الغرفة المظلمة (بريرنا)، لم تعرف الحماسة ولم تتلذذ بالشغف. تستجيب وتهز الرأس إلى أن تصطدم بالضوء، فتتمسك بخيوطه، والثالثة هي ملكة القرية، تؤمن بالتغيير (وتدرك خطورته، خصوصاً حين تتجرأ عليه امرأة)، فتتبرع بأرضها لبناء حديقة للتزلج، وتقيم مباراة على مستوى الهند للمرة الأولى. ثلاثية نسائية «تنتهك القواعد»، وتحرض على الحيوية والجنون النابع من الصميم.
تنتفض «بريرنا» في يوم زفافها، وتلتحق بمسابقة التزلج، هاربة من قفصها نحو مصيرها الجديد، هذه المرة ترسمه بيدها. ساعة و49 دقيقة مدة فيلم يقول من دون تكلف إن التحيز مرفوض، وصفحة التمييز الطبقي والجنسي والثقافي والاجتماعي ينبغي أن تُطوى، وإن المرأة كيان، وليست رقماً خاضعاً للمساومة. تلقن «بريرنا»، بائعة الفول السوداني، القرية (وتلقننا) درساً في اللحاق بالأحلام، ولو بقدم حافية. توقظ فيها لوحة التزلج عظمة الحرية: «إن لم أحاول، فكيف سأعرف معدني الحقيقي؟»، تقول الأغنية. تعلو الروح القتالية، وتبدو الأهداف الكبيرة أقرب من أي وقت. عظيم جوابها على استفهام أمها: لِمَ الشغف بلوح التزلج؟ «لأنه لا يتحكم بي، ولا قواعد أتبعها؛ يُشعرني أنني أحلق في السماء»؛ الإطاحة بالخوف ستصبح ممكنة!
تعتذر «جيسيكا» عن عرض تقدمه شركتها في لندن لتحسين منصبها وراتبها، بعدما تلمس في أولاد راجاستان «السعداء» طمأنينة داخلية تمنحها السلام. هذه «الغريبة الدخيلة»، الآتية من «هناك»، تجد السكينة في استنهاض حماسة الآخرين، وجعلهم يحلقون.
في يوم المباراة، وبينما الملكة تُكرم «بريرنا» على كسر خوفها، تخبرها أن البطل الحقيقي ليس شخصاً يفوز فحسب، بل يُظهر شجاعة وشغفاً وعزيمة في مواجهة الشدائد. «أنا لست خائفة.. أنا حرة؛ لقد لمست القمة، وأدركتُ قيمتي. أحاول الوصول إلى السماء. وفي كل مرة أسقط، أنهض مجدداً». الخوف بغيض، والحياة معه لعنة.


مقالات ذات صلة

بعد توقفها... عودة خدمة «نتفليكس» لمعظم المستخدمين في أميركا

يوميات الشرق شعار منصة البث المباشر «نتفليكس» (رويترز)

بعد توقفها... عودة خدمة «نتفليكس» لمعظم المستخدمين في أميركا

كشف موقع «داون ديتيكتور» لتتبع الأعطال، عن أن منصة البث المباشر «نتفليكس» عادت إلى العمل، اليوم (السبت)، بعد انقطاع استمرّ نحو 6 ساعات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الممثل كيليان مورفي يعود إلى شخصية تومي شلبي في فيلم «The Immortal Man» (نتفليكس)

عصابة آل شلبي عائدة... من باب السينما هذه المرة

يعود المسلسل المحبوب «Peaky Blinders» بعد 6 مواسم ناجحة، إنما هذه المرة على هيئة فيلم من بطولة كيليان مورفي المعروف بشخصية تومي شلبي.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق مسلسل «Monsters» يعيد إلى الضوء جريمة قتل جوزيه وكيتي مينينديز على يد ابنَيهما لايل وإريك (نتفليكس)

قتلا والدَيهما... هل يُطلق مسلسل «نتفليكس» سراح الأخوين مينينديز؟

أطلق الشقيقان مينينديز النار على والدَيهما حتى الموت عام 1989 في جريمة هزت الرأي العام الأميركي، وها هي القصة تعود إلى الضوء مع مسلسل «وحوش» على «نتفليكس».

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق ليلي كولينز بطلة مسلسل «إميلي في باريس» (رويترز)

لماذا تفجر «إميلي في باريس» مواجهة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا؟

انفتحت جبهة جديدة في التاريخ الطويل والمتشابك والمثير للحقد في بعض الأحيان للعلاقات بين إيطاليا وفرنسا، والأمر يدور هذه المرة حول مسلسل «إميلي في باريس».

«الشرق الأوسط» (باريس- روما)
يوميات الشرق His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)

عندما يُطبخ موت الأب على نار صراعات بناته

يخرج فيلم «His Three Daughters» عن المألوف على مستوى المعالجة الدرامية، وبساطة التصوير، والسرد العالي الواقعية. أما أبرز نفاط قوته فنجماته الثلاث.

كريستين حبيب (بيروت)

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.