كاريس بشار في «هذا أنا»: النجومية هي الروح

صراحتها ونضجها ودمعها كنز السنوات

كاريس بشار
كاريس بشار
TT

كاريس بشار في «هذا أنا»: النجومية هي الروح

كاريس بشار
كاريس بشار

انتظرت كاريس بشار اكتمال خبرة الحياة وتراكم النضج، حتى تطل في مقابلة. 25 سنة هي شموع المسيرة، ولم تفح منها روائح كريهة أو نمنمات لا تليق. يعرفها الناس في أدوار وبصمات، لا في نشر الغسيل الملطّخ وجنون الردح الدارج. تحضر إلى استوديو برنامج «هذا أنا» عبر تلفزيون «أبوظبي» بالأبيض الأنيق، كأنه خلاصتها بعد اختمار التجارب، فيعكس دواخلها وقد أرادتها مترفّعة عن دناءات ومغريات، جرفت آخرين وصغّرتهم. تخبر مُحاوِرتها ندى الشيباني بأنّ الوقت حان لإفراغ المخزون. وقد راكمته شيئاً فشيئاً، مُتعمّدة الغياب عن الحوارات الطويلة لإحساس بأنها لا تملك ما تقوله والينابيع العميقة لم تتفجّر بعد. تطل بثقة لتؤكد بأنّ المرء يتغيّر والسنوات تصنع العجائب. الحياة ليست بعدد الأيام، بل بالوعي والرؤية وفلسفة الوجود.
لقاءُ صراحة، وهي فضيلة نادرة في زمن «الفايك». تنطلق محاورتها الهادئة من عمق الصخب: الإنسان وقيود مواقع التواصل. يبدو «غريباً» قرارُ تعامل النجمة مع الواقع الجديد. تأخذه نحوها عوض انجرافها نحوه. عندما سألها مقرّبون، وهم قلّة، أين أنتِ على «السوشيال ميديا»؟ أجابت ببراءة النيات: «لدي واتساب». «واتساب»؟! ماذا عن «فيسبوك»؟ «إنستغرام»، وما هو أشد جدلية: «تيك توك»؟ «فقط واتساب». إلى أن أنشأت حسابات لها هدف: «المشاركة عند الضرورة».
تفضّل ألا تكون «متوافرة» طوال الوقت. «حاضرة غائبة، فيشتاق الناس. ليس كسلاً، بل حُسن قراءة التوقيت. حين يكون لدي ما أقوله، أطلّ». تدرس حضورها وجدواه، وتتعمّد أن تعكس المرايا صورتها الصحيحة. تأتي لتسجيل المواقف، في الحياة والفن والأمومة والزمالة، ولا ترضى بأقل. الموقف الأول: «إن أراد منتج تقويمي وفق عدد المتابعين على السوشيال ميديا، متناسياً سيرتي الذاتية، فشكراً وإلى اللقاء». هكذا تردّ على معيار النجومية، تقريباً، اليوم. «وَلَوْ، بعد هالعُمر؟!»، تسخر بكِبر.
تبلغ المرأة مرتبة تقبّل الذات حين تعترف بأحد العذابات النفسية: تاريخ الميلاد. تشاء النجمة السورية ترك لمسة على الحوار. تريده عبرة للشابات والنساء وللحالمات. تساعدها مُحاورتها في الإصغاء واحترام آداب الحديث. لا مقاطعة ولا مباراة كباش مع الضيفة. تقدّر قدرَها وتمنحها حرية الإجابة. الخلاصة، لقاء حقيقي. لا تشنّج وتعكير أجواء. فالمُشاهد «مش ناقصه»، ونوع النجمة والمُحاوِرة لا يتناسب مع الصغائر.
رقمان يشكلان المنعطف: سن الـ34 وسن الـ42. في الأول، كان هناك خياران: إما العودة إلى المراهقة ومحاولة تعويض ما فات؛ وإما الاستقلال والنضج والاعتماد على النفس. «اخترتُ الاحتمال الثاني». ماذا عن المنعطف الآخر؟ «أصبحتُ أكثر وضوحاً مع خياراتي. أكثر مرونة وأقل عصبية».
ما الإنسان إن لم يترك عبرة في الآخرين ويلهمهم تحمّل الحياة؟ التسطيح تقريباً سمة العصر، وقلّما يبني نجومٌ فلسفة عيش؛ مفضّلين، أحياناً، بناء أبراج العاج. مَن لا يعرف كاريس بشار، يجهلها. أبعد من الممثلة النجمة، تقف المرأة. تتأمل، تعيد التفكير، وتفرمل الخطوات. هنا تُقدِم، وهنا تتراجع. وبينهما تتورّد، وتتنقّى، وتصبح درساً في فهم الذات والزمن.
على يدها وشم يختزل كل شيء: «Free» (حرّة)، فتفسّر أنه عكس الخجل الذي تشعر به، «وشوفي التناقض، كتير صعب»، تقول للشيباني. تتذكر بدايات الشهرة، بعد دور «أناغيم» في «العبابيد»، حين بدأ الناس يعرفونها في الشارع ويتهامسون مع ابتسامات. «كانت لحظة ساحرة». وتستعيد لعبة الصدفة، وهي تقودها إلى الضوء. تسألها ندى الشيباني عن الخطوة الأولى، وتكرّ الحكايات وصولاً إلى النجاحات. ما الجامع بين الذكريات؟ الوفاء. فقد تعلّمت من دريد لحام التواضع والالتزام واحترام الوقت، ومن النجوم الشباب معاني الصداقة والسند. تُعدّد خصال بعضهم، وتصف تيم حسن بـ«اللورد». ولو كانت لها أخت أو ابنة في سن الزواج، ولا بد للخيار أن يقع على نجم، فستختاره العريس الصهر. «فيه كل الصفات».
للتعب ملامح، منها الشعور بنفاد المخزون. ذات يوم في عام 2000 قرّرت ترك التمثيل والتفرّغ لتدريس التربية وعلم النفس. كانت تبحث عن «ريفرش» يعيد الشغف والدهشة. وللمناسبة، الأخيرة أيضاً مرتبطة بالسنوات. «تهمد مع الوقت. اليوم شبه منطفئة».
تحاورها الشيباني في ملف نقابة الفنانين السوريين وخلفيات «الحرب الباردة». مرة جديدة، صراحة وجرأة ورغبة في نفض الغبار. كصراحة موقفها من جراحات التجميل، وتساؤلاتها عن فلسفة الجمال، أهو حق الإنسان نفسه، أو الآخر الذي يراه؟ العبرة: المرونة تُجمّل، في بسيط الأحوال وتعقّد المسائل.
الجانب الأرقّ: الأمومة. تدمع وابنها في الفيديو، يفتخر بأمّه ويقول إنها رائعة. «يا للمفاجأة! كيف اقتنع؟ مجد (اسمه) لا يحب الصور والفيديوهات، ولا الحضور في السوشيال ميديا». ومن عمق التأثّر، تصفه بـ«إنجازي في الحياة. بشوف حالي فيه». «ألا تخافين عليه؟»، تسألها الشيباني بأناقة. فتجيب من خارج التوقعات: «لا. بعرف شو ربّيت». النجومية هي الروح. صراحتها ونضجها ودمعها كنز السنوات، فلا يُشترى بالمال ولا بأعداد الـ«Followers». بل يُصنع بالأخطاء والدروس، بالنهوض والإصرار. والأهم: بالحب. عبارة «كل الحب» هي ما تريد بقاءها بين البشر. هي الخلود بعد فناء الأجساد.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».