«عين الدماغ»... غرائبية التجربة البشرية

«خيال بصري» نشط لدى البعض وغائب لدى آخرين

«عين الدماغ»... غرائبية التجربة البشرية
TT

«عين الدماغ»... غرائبية التجربة البشرية

«عين الدماغ»... غرائبية التجربة البشرية

لم يعط د. آدم زيمان الكثير من الاهتمام لما يعرف بعين الدماغ mind’s eye حتى التقى بشخص لا يملك واحدة، ففي عام 2005، التقى طبيب الأعصاب البريطاني بمريض قال له إن إجراءً جراحياً صغيراً، سلبه القدرة على استحضار الصور.

خيال بصري
وبعد مرور 16 عاماً على لقائه بهذا المريض، سمع زيمان وزملاؤه من حوالي 12 ألف شخص أنهم لا يملكون «كاميرا دماغية» من هذا النوع. ويقدر العلماء أن عشرات ملايين الأشخاص يتشاركون هذه الحالة التي أسموها «أفانتازيا» aphantasia، بينما يعيش ملايين آخرون حالة التصور الدماغي الخارق التي تعرف بالـ«هايبر فانتازيا» hyperphantasia. (وفقاً للويكيبيديا فإن أفانتازيا‏ هي حالة عصبية مفترضة هي أن الشخص لا يمتلك قدرة استخدام عين العقل. وقد اقترح المصطلح لأول مرة في دراسة سنة 2015 لنوع معين من العمى البصري. أما «هايبر فانتازيا» فهي حالة معاكسة تماما تتسم برؤية عقلية حية قوية - ملاحظة المحرر).
يعمل زيمان وزملاؤه في بحثهم الأخير على جمع أدلة حول كيفية بروز هاتين الحالتين، من خلال التغييرات التي تشهدها الشبكات الدماغية التي تصل المراكز البصرية بالمناطق الأخرى، حتى أنهم بدأوا باستكشاف كيف يمكن لبعض هذه الدوائر استحضار حواس أخرى في الدماغ، كالصوت مثلاً. وأخيراً، قد يقدم هذا البحث فرصة لتنشيط عين الدماغ أو أذنه من خلال الذبذبات المغناطيسية.
وقال زيمان، العالم المتخصص بالإدراك في جامعة إكستر البريطانية، إن «هذه الحالة لا تعتبر اضطراباً، بل إنها تبدل غريب في التجربة البشرية».

فقدان الخيال
كان المريض الذي جذب اهتمام زيمان لحالة الـ«أفانتازيا» مساح هندسي متقاعد خسر عين دماغه بعد عملية جراحية بسيطة في القلب. ولحماية خصوصية هذا المريض، يشير إليه زيمان بـإم. إكس.
عندما يفكر هذا المريض بأشخاص أو أشياء، لا يستطيع رؤيتها، ولكن ذكرياته البصرية بقيت سليمة تماماً. يستطيع إم. إكس. الإجابة على أسئلة واقعية كما إذا كان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير يملك عينين فاتحتي اللون، حتى أنه يستطيع حل مسائل تتطلب تقليب الأشكال في العقل رغم أنه لا يستطيع رؤيتها.
للحصول على فهم أفضل للـ«أفانتازيا»، دعا زيمان وزملاؤه المرضى الذين تواصلوا معهم لملء استمارات حول الحالة، فوصفها أحدهم بأنها الشعور بشكل التفاحة في الظلام، بينما اعتبرها آخر أنها بمثابة «التفكير بالصوت فقط».
لا يذكر معظم الأشخاص الذين صرحوا بعدم امتلاكهم للعين الدماغية أنهم ملكوا واحدة يوماً، ما يرجح أنه ولدوا من دونها. وفي حالات أخرى، كحالة أم. أكس.، عاش البعض صعوبة في تذكر الأشياء التي سبق ورأوها. ولكن عندما سئل هؤلاء أيهما أكثر قتامة، لون العشب أم أوراق شجر الصنوبر، قدموا إجابة صحيحة وهي أوراق الشجر.
من ناحية أخرى، لا يفلح المصابون بالأفانتازيا كما الآخرين في تذكر تفاصيل حياتهم الخاصة، إذ من المرجح أن استعادة تجاربنا الخاصة، فيما يعرف بالذاكرة العرضية، يعتمد أكثر من تذكر الحقائق الأخرى على عين الدماغ.
ولكن المفاجأة حصلت عندما التقى زيمان وزملاؤه مع أشخاص يعانون من حالة معاكسة لحالة إم. إكس.، أي يملكون رؤىً قوية جداً، في حالة يطلق عليها العلماء اسم «هايبر فانتازيا».

عين عقل نافذة
يقول جويل بيرسون، عالم متخصص بالأعصاب الإدراكية في جامعة نيو ساوث ويلز ويدرس التصور الدماغي منذ عام 2005، إن «الهايبر فانتازيا» أبعد بكثير من مجرد امتلاك مخيلة نشطة. إنها كرؤية حلم حقيقي جداً وعدم القدرة على تحديد ما إذا كان حقيقياً أم لا. إنها أشبه بمشاهدة الناس لفيلم، ومن ثم مشاهدته مرة أخرى في رأسهم، دون التمييز بين المشاهدتين».
وبناء على استطلاعات الآراء التي أجروها، قدر زيمان وزملاؤه أن 2.6 في المائة من الأشخاص مصابون بالهايبر فانتازيا، مقابل 0.7 في المائة مصابون بالأفانتازيا.
اليوم، يعكف زيمان وبيرسون على دراسة شريحة أكبر من الناس الذين مروا بحالات تصوير دماغي متطرفة، أي استثنائية. وقد أسس شخص من مجموعة من 21 شخصاً يعانون من الأفانتازيا شاركوا في أبحاث زيمان، يدعى توماس إيبير من كيتشنر، أونتاريو، موقعاً إلكترونياً أسماه «شبكة الأفانتازيا»، تطور ليصبح منصة للأشخاص المصابين بالحالة وللباحثين الذين يدرسونها. يستطيع زوار الموقع المشاركة في استطلاع للرأي، والقراءة عن الحالة، والانضمام إلى منتديات نقاشية حول مواضيع متنوعة كالأحلام والعلاقات. حتى اليوم، شارك حوالي 150 ألف شخص في الاستطلاع، وسجل 20 ألفاً منهم نتائج ترجح معاناتهم من الأفانتازيا. وقال إيبيير: «إنها فعلاً لظاهرة بشرية عالمية. سمعت عنها من أشخاص في مدغشقر وكوريا الجنوبية وكاليفورنيا».

تجارب علمية
وقد طور بيرسون وسائل لدراسة الأفانتازيا والهايبر فانتازيا لا تعتمد على استطلاعات الرأي فحسب. وفي إحدى التجارب، استغل الباحث حقيقة أن الحدقتين لدى البشر تنقبضان تلقائياً عند النظر إلى أجسام ساطعة. وعندما طلب بيرسون وزملاؤه من معظم المتطوعين تصور مثلث أبيض، لاحظ تقلصاً في حدقاتهم.
إلا أن هذه الاستجابة لم تظهر لدى غالبية الأشخاص المعانين من «أفانتازيا» الذين درسهم الباحثون، إذ ظلت حدقات عيونهم مفتوحة، مهما حاولوا التصور بأنهم يرون مثلثا أبيض اللون.
وفي تجربة أخرى، استغل بيرسون حقيقة أن بشرة الناس تصبح أكثر قابلية للتوصيل عندما يرون مشاهد مخيفة، فعمل مع زملائه على مراقبة بشرة المتطوعين وهم يقرأون قصصاً مخيفة مسلطة على شاشة أمامهم. عند قراءة معظم المشاركين عن تجارب مفزعة كالتعرض لهجوم من سمكة قرش، رصد الباحثون زيادةً في قدرة بشرتهم على التوصيل.
وفي دراسة نشرت في مايو (أيار)، مسح زيمان وزملاؤه دماغ 24 شخصاً يعانون من الأفانتازيا و25 آخرين يعانون من الهايبر فانتازيا و20 لا يعانون من أي من الحالتين.
طلب العلماء من المتطوعين الاستلقاء على ظهورهم في آلة لمسح الصور (سكانر) وإطلاق العنان لأفكار دماغهم. وبينت نتائج التصوير أن الأشخاص المصابون بالهايبر فانتازيا يملكون نشاطاً أقوى في المناطق التي تصل واجهة وخلفية الدماغ، وأنهم قادرون على إرسال إشارات قوية من مناطق صناعة القرار في واجهة الدماغ إلى المراكز البصرية في الخلف.

تساؤلات حول الأفضلية
قد يشعر المعتادون على رؤية الأشياء بعين دماغهم أن الأفانتازيا حالة منهكة، ولكن بحث زيمان يرجح نظرية مختلفة، لأن الأفانتازيا قد تكون أفضل على أرض الواقع من الهايبر فانتازيا.
تصنع الهايبر فانتازيا صوراً تبدو حقيقية جدا جدا بحيث إنها قد تفتح الطريق إلى ذكريات خاطئة. أما الأشخاص الذين لا يملكون عيناً دماغية، فقد يستطيعون التخلص من أعباء سببتها لهم تجارب صادمة لأنهم لا يستطيعون استعادتها بصرياً في دماغهم.
ويقول زيمان إنه حسب الروايات فإن «هؤلاء بارعون في المضي قدماً، وهذه البراعة ناتجة على الأرجح عن حقيقة أنهم يشعرون باضطراب أقل من أنواع الصور التي تعيد إحياء مشاعر الندم والشوق في الكثير منا».
من جهته، اعتبر بيرسون أنه قد يصبح ممكناً، يوماً ما، أن نمنح الأشخاص الذين يعانون من الأفانتازيا عيناً دماغية لم يملكوها من قبل. فقد وجد أن تعريض المراكز البصرية في دماغ الناس لنبضات مغناطيسية غير تدخلية قد يساعد على تنشيط تصويرهم الدماغي، ما يجعلهم أكثر تلقيا للطلبات من واجهة دماغهم.
نظرياً، قد يسمح جمع النبضات المغناطيسية مع التدريب الإدراكي للناس الذين لا يملكون عيناً دماغية، بتقوية الدوائر الضرورية للصور الدماغية. ولكن بيرسون ليس متأكدا من أن إجراء هذا النوع من التجارب سيكون صحيحاً. فإذا ندم أحدهم على الحصول على تنشيط تطفلي من هذا النوع في قدرته على التصور، قد لا يكون باستطاعة العلماء تعطيل العين الدماغية من جديد، لافتاً إلى أن «هذا الأمر له جانب مظلم أيضاً».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.